الفتاة الفلسطينية والتحدي الدائم
لم تنجح الفتاة الفلسطينية من العقاب الجماعي , الذي يطال شعباً بأسره منذ أكثر من نصف قرن من الزمان . . فتيات الأمس اللاتي فقدن آباءهن وتعكرت طفولتهن , وعشن حياة مليئة بالحزن والأسى واليأس , هن أمهات اليوم , اللاتي يعايشن آلامهن وآمالهن ويكابدن آلام أبنائهن وبناتهن وازواجهن في الوقت ذاته .
عانت الفتاة الفلسطينية حينما فتحت عينيها ووجدت أسرتها بلا وطن . .
ليس ذلك فحسب , بل بعضهن وجدن أنفسهن في كنف أسرة يغيب عنها الأب , أو الأخ , أو ينقصها الدار ومقومات الحياة . . فترعرعت الفتاة في بيئة لم تغب عنها رائحة البارود , وأصوات المدافع والجرافات , ووقع أقدام جنود الاحتلال الذين يصطادون الشباب في أزقة الحارات , ويقتنصونهم كما يقتنصون الصيد . .
مهارة اقتناص التلميذات الصغيرات وهن في طريق عودتهن من المدرسة , صارت مفخرة لجنود الاحتلال , وطالما شجعتهم القيادة على ذلك , فكم من فتاة خرجت من باب منزلها في الصباح الباكر تحمل حقيبة المدرسة , وتحمل ساندو تش ( الفطور ) , وتحمل معه كل الأمل في أن تقرأ وتتعلم وتكبر وتنجح في الحياة , وتكون طبيبة الغد أو معلمة المستقبل , ثم لا تعود , إلا على نعش يلفه العلم الفلسطيني , أو تحمل على نقالة إلى إحدى المستشفيات , لتلقي بعض العلاجات , ريثما تفارق الحياة لا محالة ! !
كيف تنشأ الفتاة الفلسطينية . . وتنمو وتتعلم وتعيش ؟ في مثل هذه الأجواء التي يحاصرها الموت والإحباط والرعب والتوجس ؟ كيف تنام وتصحو وتذاكر وتفكر تحت أصوات الرصاص , ودهم الدبابات , وعنف الجرافات التي تقتلع المساكن , وتقتلع معها السكينة والأمل والاستقرار والطمأنينة ؟
حقيقة إن الفتاة الفلسطينية قتلت حينما ولدت ووجدت نفسها في هذا الواقع المؤلم .
وقتلت حينما حرمت من الأسرة المكتملة الأعضاء المستقرة الهانئة .
وقتلت حينما أصبح طريق العودة من المدرسة أو الذهاب إليها محفوفاً بنيران القناصة الإسرائيليين . .
لقد نزعوا منها كل شيء . .
لكنهم فشلوا في انتزاع ثقتها بنفسها . .
فشلوا في انتزاع سلاحها الأقوى . .
وهو :
الإيمان بالله والعزم والإصرار وقبول التحدي , والعمل من أجل الحياة , رغم أن الحياة أصعب من نبتة في الصحراء بلا مـاء .
ملاحظة : نقلت إليكن هذا الموضوع من الملحق بمجلة " نون "
أسأل الله أن ينفع به
ووفق الله الجميع