الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين .. الحليم التواب ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب . أحمده سبحانه وأشكره لم يزل بالمعروف معروفاً ، وبالكرم موصوفاً ، يكشف كرباً ، ويغفر ذنباً ، ويغيث ملهوفاً . يرسل آياته ونذره ، وما يرسل بالآيات إلا تخويفاً .
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ..
إلهي لا تعذبـــني فإني مقر بالذي قـد كـان مـني
ومالي حيلة إلا رجــائي لعفوك إن عفوت وحسن ظني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت عليَّ ذو فـضلٍ ومـنِّ
أجنُّ بزهرة الدنيا جـنوناً وأقطع طـول دهري بالتمني
يظنُّ الناس بي خيراً وإني لشرُّ الناس إن لم تعف عني
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، بشّر وأنذر ، وأرشد وحذر ، وأوضح المحجة فلا يزيغ عنها إلا هالك.. صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه . وأوصيكم ونفسي بتقوى الله . فلا يرانا الله حيث نهانا، ولا يفقدنا حيث أمرنا (وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى واتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (1).
ألا إنما التقوى هي العزُّ والكرم وحبك للدنيا هو الذل والندم
وليس على عـبد تقيٍ نقـيصة إذا حقق التقوى فعاش مكرم
أيها الأخوة ..
تنبيه مهم ، وتحذير خطير ، قبل أن أصرح بأي كلمة في هذه الخطبة .. أرجو أن لا يُفهم من كلامي بعد قليل أن يشك أحدٌ في نفسه ، أو أن يشك في زوجته ، أو يشك في أبنائه ، أو يشك في بناته ، أو يشك في جيرانه، أو يشك في إخوانه ، أو يشك في أصحابه ، أو يشك في أقربائه .. أرجو أن لا يفهم هذا الظن .
سأتحدث معكم الآن عن قصص وأخبار حدثت في واقعنا ، لم أقرأها في كتاب ، ولم تتناقلها المجالس ، ولم أنظرها في صحيفة ، ولم أسمعها من إذاعة ، بل هي أخبار وقصص ، أو هي حوادث ومشكلات . عرفتها بنفسي من خلال معايشة أصحابها ، والوقوف عند كل فصل فيها ..
منها ما كان بيدي بعد - توفيق الله - حله ، ومنها ما استسلمت له ولم أستطع حل هذه المشكلة لوحدي ، لعوامل وملابسات متعددة .
أرجوكم أيها الإخوة أن تتنبهوا لهذه القصص أو الحوادث أو ما ترون أن تسموها به . المهم ، تأملوا كل ما سأقوله لكم .
أما القصة الأولى فكانت في شهر رمضان . نعم رمضان هذا القريب ، قبل شهر ونصف تقريباً . عندما جاءني أب كريم ، ورجل خلوق ، تقطر منه دموع الحياء ، وتعلوه سحب الكآبة ، وتغشى محياه علائم الحزن ، يُقدّم كلمة ويؤخر أخرى .. لا يدري هل هو في حقيقة أم في خيال .
إنه أب لابنة صغيرة جميلة . كما أنه يرقب مولوده الصغير في أيامه الأخيرة المتبقية . متزوج لفتاة طيبة خلوقة محترمة ، ومن عائلة فاضلة معروفة . عاش في أكناف هذا البيت سنينَ مباركة ، مع زوجة محمودة الخصال . رجع إلى بيته بعد صلاة التراويح ، مازح أهله وابنته الصغيرة ، ووقف مع العامل في بيته لإصلاح بعض الأشياء . ثم مع التعب خلد إلى فراشه ونام . بعد ساعة تقريباً أحسّ بالعطش ، فقام من فراشه ليشرب ، فوجد ابنته الصغيرة في صالة البيت لوحدها مع لعبها المبعثرة حولها ، استنكر أين أمها الحبيبة الحنونة عنها ؟ لعلها تتوضأ ، ربما ، أو غلبها النوم والتعب فنامت ، لأنها كانت تعد الإفطار والعشاء ، ربما . أخذ يبحث عنها ، سمع صوتاً غريباً ، اتجه إلى غرفة الضيوف فوجد أم ابنته وزوجته الحنون ، الرحيمة ، الجميلة ، الخلوقة ، المؤدبة ، الحبيبة ، وجدها مع شاب آخر ! نعم في بيته ، ومن غير إذنه ! ولا تسألوني ماذا حدث بعد ذلك من قول أو فعل ؟ أو سب أو ضرب ؟ خرج هذا الشاب السفيه المجرم من البيت . وبدأت فصول القهر والحزن والألم التي لن تنسيها له الأيام .
ما الذي جرى لهذه الأم ؟
هل سُحرت ؟ هل أصيبت بعين ؟ هل هناك سر قديم بينها وبين ذاك الشاب ؟ هل هناك ..؟ هل هناك ؟ أسئلة حائرة أيها الأخوة .
أما الزوج فقد تحطّم ، وفقد توازنه أياماً , وحُق له ذلك . وأما المرأة فذهبت إلى المطبخ مراراً لتأخذ سكيناً حادة وتقتل نفسها ، وتنسى هذه الحياة كلها ، تنسى حتى ابنتها الصغيرة الجميلة ! تدارك الزوج الموقف ، وهدّأ من المشكلة التي قد تودي بحياة زوجته ، بل وحياة ذاك الشاب الغافل .
فكّر الزوج بقتله ، وليكن ما يكن، أما قلت لكم : فقد شيئاً من توازنه . مرت الأيام ، والسؤال الذي يهمني الآن . كيف حدثت هذه المشكلة ؟ صدقوني ستستغربون ، كما استغربت أنا ، وستتعجبون كما تعجبت أنا .
أما البداية ، فإن هذا الشاب الغافل المجرم اتصل على رقم هذه الأم بالجوال ، وكان يرسل رسائل بريدية . وعرف الرقم عن طريق أخواته صديقات هذه الأم الشابة . فرأت الزوجة الرسائل البريدية ، فقالت : لعلها من معاكس ، يرسل رسائل هوجاء . فلم تلقِ لها بالاً ، ولم تبلغ زوجها الحبيب حتى لا تشغل باله ، ويتصرف بشيء لا تحمد عقباه، والأمر في ظنها يسير ، أن لا ترد عليه !.
واتصالٌ تلو اتصال ، ورسالة تلو رسالة .. إلى أن أقلقها الحال . والأم كما تعرفون تمر بحالات ضعف وتعب شديد ، وتقلب فطري طبيعي . وفي لحظة قرار خاطئ ، وغفلة يمكن أن تمر على كثير من الفتيات ولو كن أمهات ، ردّت عليه وأسمعته كلاماً مزعجاً . وأفصح لها عن نيته الحسنة ، ومحبته العاطفية . وهكذا مرّت الأيام ، وتوالت الرسائل ، والزوجة لا تبلّغ زوجها حباً وحناناً . إلى أن صادف عندها لحظة غفلة ، وضيق نفس ، فردت مرة ثانية . ورأى الوحش الكاسر أن يرسل رسالة ، فردّت عليه ، وأبلغها أنه بالباب ليسلم عليها ، وهي تدرك أن زوجها وحبيبها في البيت . فمع ضغط الهوى ، وتزاحم الخيال الفاتن ، فتحت الباب لتكلمه أن لا يأتي مرة أخرى ! وتجمّل الكلام ، وصار السلام ، فمن عند عتبة الباب إلى داخل البيت . ومتى ؟ في وقت النزول الإلهي في جنح الليل ، وفي شهر رمضان المبارك. فإنا لله وإنا إليه راجعون . وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ قال : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت "(2) .
أيعقل أن تكون هذه المرأة العفيفة الخلوقة المحترمة ومن بيت الأكرمين تفعل هذا ؟ وبجوارها ابنتها الصغيرة وفي ثلث الليل الآخر ، وفي شهر رمضان ، وزوجها الحبيب الحنون موجود ؟ أيعقل كل هذا ؟ أيمكن أن تستولي الغفلة والهوى إلى هذا الحد ؟ ثم أيعقل أن يوجد ذئاب بشرية تفعل هذا والناس في بيوتهم وبحضرة أهليهم وأزواجهم ؟ ولكن، لاحول ولا قوة إلا بالله.
أيها الإخوة ..:-
وهذه قصة ثانية في شهر رمضان المبارك قبل شهر ونصف أيضاً، بعد صلاة العصر من هذا المسجد ، اتجهت إلى بيتي، وبجوار المسجد رأيت فتاة تسير على قدميها ويبدو أنها تتريض وتتحرك . فمر بها شابان في سيارة يكلمانها ولا تلتفت إليهم ، فلما اقتربتُ منهم ، ذهبوا . فَشَكَكْتُ في أمرهم ، فعدت مرة أخرى ، فوجدت واحداً منهما نزل من السيارة واقترب منها ، إما ليفتنها أكثر ، أو يمسكها بالقوة . والشارع عام ، والسيارات تتحرك ! فبمجرد أن رآني أكتب لوحة السيارة هرب بسرعة ، إلى أن تيقنت ذهابهما إلى غير رجعة .
هذه القصة متى حصلت ؟ في شهر رمضان . وأين ؟ في شارع عام ، وبعد صلاة العصر ، وبجوار بيت الله !
أيها الأخوة ..
وهذه قصة ثالثة .. لشاب فاضل مسكين يحفظ القرآن ، ومن عائلة محافظة على الدين ، الذكور والإناث . وكل من في البيت على خلق ودين ، الأب والأم ، والأبناء والبنات . جاءني هذا الشاب مطأطئ الرأس ، وجلاً خائفاً . إذ ناداه أحد الشباب من الجيران . فقال له : انتبه لأختك . فقال : ماذا تقصد ؟ قال أختك تخرج مِن سيارة أحد الشباب المعروفين في الفترة بين المغرب والعشاء ، حيث لا توجد أنت ولا والدك ولا إخوانك . ولمّا تأكد هذا الشاب من بعض المواقف والشواهد ومنها وجود جوال مع أخته ، ليس لها وهي تقول أنه لصاحبتها ، نسيته عندها ، علماً أنه بقي معها أياماً وليالي ! جُنَّ جنون هذا الشاب . فالبنت محافظة على الدين والخلق ، والبيت كله محافظ ومراقب أيضاً نوعاً ما . ولكن كيف حدث هذا ؟ من أين لها بالجوال ؟ من هذا الشاب الفاجر الذي تركب معه ؟ كيف والبنت حيية لا تتكلم طول الوقت ؟ وليس هناك في البيت من يضايقها أو يكبت حريتها ؟
إذن ما الذي جرى ؟ وكيف يحدث هذا وأمثاله ؟
وعندما صارح الولد أمه أولاً لتتأكد ، أنكرت الأم أن يكون هذا من ابنتها . ولم ترد أن يكمل ولدها أي حديث .
أيها الإخوة .. صدقوني أنني على علم ويقين أن كل واحد منكم قد عاش وسمع عن عشرات القصص الواقعية الشبيهة بما قلته الآن، والتي لا يمكن أن تخطر على عقل ، ولا يتصورُها إنسان .
ولو أردت أن أنقل لكم بعض الرسائل الخاصة التي أرسلت إليّ ووصلتني بنفسي أو جاءتني في المسجد ، وطلب أصحابها أن أستر عليهم ، ستر الله عليّ وعليهم ، وأقسم بالله أن عدداً منها وُضِع على زجاج سيارتي ، خوفاً أن أعرف أصحابها ، وهي قصص تدمي القلب من أزواج وشباب ، يفعلون أعمالاً عن طريق ما يروه في الإنترنت وغيرها ، - والله الذي لا إله إلا هو - لتمنى العاجز أن يطلب الموت والراحة .
أيها الإخوة ..
هل تظنون أن هذه القصص حدثت لأناس مهملين ، غير محافظين أو غير مراقبين بشكل جيد ؟ صدقوني لا .
أو هل تظنون أن السبب هو في سوء المعاملة ، والقسوة التي قد يجدها هؤلاء في البيت فاضطرتهم إلى هذا الفعل ؟ صدقوني أيضاً لا .
إذن هل تظنون أن هذه القصص أو الحوادث بعيدة عن طريقة تفكيرنا وتربيتنا ، وأنه لا يمكن أن تتسلل إلى أسرنا عافانا الله وإياكم ؟ صدقوني أيضاً لا . بل يمكن أن تكون هي نفس المداخل لبيوتنا !
أيها الإخوة ..
إن هؤلاء الذين عاشوا هذه المشكلات ، ولم ولن يزالوا إلى الآن على ذلك . كل منهم لم يكن يتخيل ولو مجرد خيال، ولو مجرد ظن بنسبة 1 % أو 2 % ، أن يكون أهله أو زوجه، أو ابنه، أو ابنته، أو قريبه يحدث منهم هذا. كلهم يقولون : ربينا أحسن تربية ، وأنفقنا أموالاً كثيرة ، راقبنا أكثر ما نستطيع ، أحطناهم بجو طيب من الجيران والأصحاب والأقرباء . أتينا لهم بوسائل الترفيه المقبولة . حاولنا أن نمشِّيَهم، أن نسلِّيَهم . لم نقصر يوماً واحداً في خدمتهم . إذن لماذا يفضحوننا ؟! لماذا يعملون فينا هذا ؟! لماذا ؟! .
أيها الإخوة .. ليس المجال الآن للمعاتبة واللوم . الوقت قصير ، والمشكلة كبيرة وخطيرة . وهي كالفيروس يريد أن يقتحم كل بيت وبدون استئذان . ولو كان في البيت أتقياء ومصلون . نعم ، لا أريد أن أدعو للخوف والقلق ، ولكن لا أريد أن أضحك على نفسي وعليكم ، وأن يحصل لنا ما حصل لهؤلاء الذين كانوا يقولون لأنفسهم يوماً هذا الكلام . إن حديثي متوجه للبيوت المحافظة ، للأسر النظيفة الشريفة . أما البيوت التي سمحت لأولادها أن يذهبوا مع السائقين والغادين والرائحين ، أما البيوت التي أذنت لأولادها أن يسافروا للشرق والغرب في رمضان فضلاً عن غيره للتنزه والتمتع . أما البيوت التي ظنت أنها متعت أبناءها فجعلت لكل واحد منهم في غرفته جهاز دش وانترنت ، ومجلساً خاصاً له ولأصحابه، فهؤلاء - وإن كان لهم حق علينا- فإن الحديث لهم يطول ويطول. إنما أركز الآن على البيوت الحريصة على العفاف والحياء ، وأن يكون الدين والخلق هو رمز الأسرة ، هو شرف البيت ، هو زينة المنزل .
إلى هؤلاء ، إلى الآباء ، إلى الأمهات ، إلى المربين ، أناشدهم الله أن يتنبهوا، أن يتحركوا ، أن يفكروا ، أن يجدّوا ، أناشدهم الله والأخوة .. أن يستيقظوا ، وأن لا يتكلوا ، وأن لا يغيبوا عن الواقع ، وأن لا يكثروا من الظن بالثقة الزائدة في من حولهم ، فالدنيا في هذه الأيام دنيا فتن .
أسأل الله أن يحفظني وإياكم والمسلمين من كل سوء وفتنة .
أقول قولي هذا وأستغفر الله .
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة ..
قد نتساءل جميعاً ما هي الأسباب التي أدت إلى هذه الحوادث والمشكلات ؟ وكيف نستطيع أن نحافظ على أنفسنا وأبنائنا وأهلينا ؟
وأقول أيها الإخوة: إن محاولات الإفساد تسير في خطوط متشابكة ، فهناك خط للفساد الدولي الرسمي ، كما حدث في أحد الدول الإسلامية والعربية العريقة ، لما أصرّ المفتي على تحريم مسابقات القمار ، والتي يُعرض فيها الفن الرخيص ، والفلكلور ، والرقص ، والخمور ، قررت الدولة تنحية هذا المفتي العالم الجليل ، ووضع إنسان آخر لا يفقه من أمور الشريعة شيئاً ، كي يجيب أمته المسلمة كما يريد نظام الدولة !.
إذن هناك سعي للفساد على المستوى الدولي ، يعتبر من عوامل وأسباب الانحراف .
ومن العوامل: هذه الفضائيات المنتشرة في جو السماء . هل تعلمون أن 60 % من ميزانية هذه القنوات ، تنفق في شهر رمضان تحديداً ؟ وأنه خلال هذا الشهر الفضيل عُرِض أكثر من "350" عمل درامي ، و "107" مسابقات مفتوحة في عشر قنوات عربية ؟!
إذا كانت هذه الأعمال في شهر الرحمة والمغفرة والتوبة ، وفي فترة تصفيد الشياطين ، فكيف ببقية الشهور ؟ وصدق الله إذ قال : (مَن يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ ومَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (3) .
فعدم المراقبة لبرامج هذه القنوات ، وجَعْلَ بعض الأجهزة في غرف الأبناء سبب من أسباب الانحراف .
ومن الأسباب، ثالثاً : السهرات الليلية ، خاصة في الأماكن المفتوحة ، عند الشواطئ المختلطة ، أو الأسواق غير المنضبطة ، أو البيوت التي يجتمع فيها الشباب أو الشابات ولا يذكر فيها الله ولا رسوله ، فتكون ترة وحسرة على أصحابها .
ومن الأسباب، رابعاً : المعاكسون الذين لا يهمهم إلا نزواتهم. وللأسف هؤلاء الأولاد المعاكسون أولاد مَنْ ؟ أبناء مَن؟ خرجوا من أين ؟ إنهم أبنائي وأبناؤك وأبناء فلان وفلان ! تركناهم يخرجون في جنح الليل ، ونحن نعلم حالهم ، ولم نقل لهم سوى " إنا لله وإنا إليه راجعون " فلم يسمعوا منا نكيراً، فكان ما كان .
ومن الأسباب، خامساً : سوء المعاملة وعدم الحنان على أخطاء الأبناء والأزواج ، وعدم مراعاة الأمور والحالات النفسية التي يمر بها هؤلاء . لقد جاء الشاب المتوقد شهوة يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الزنى! إنه أستأذن لأمر خطير ، مع مصارحة عجيبة غريبة . ومع هذا ، كان التفاهم والحوار وبيان الصواب ، وتقدير المشاعر لمثل هذا السن. ولا أظن أولادنا يطلبون مثل هذا الأمر . إنما قد تكون مطالبهم سيارة ، أو جوال ، أو جهاز انترنت ، أو فضائيات ، أو سفر . المهم هو طلب ، ويحتاج إلى مداراة وصبر . فالتربية ليست نَفَساً واحداً . بل هي أنفاس متوقدة أياماً وليالي ، حتى يفرج الله الأمر !
أيها الإخوة : أيها الآباء ، أيتها الأمهات ، أيها المربون ، أيها الدعاة ، أيها الأساتذة .. انزلوا لمستوى أبنائكم وتلاميذكم ، عايشوهم ، جالسوهم ، حاوروهم ، حسسوهم أنكم معهم ، ادعوا لهم ، وجهوهم .
أيها الإخوة أنبه أخيراً إلى هذه الأمور المهمة :
• أرجو أن تتنبهوا وتتثبتوا أمام أي قضية تذكر لكم عن أهليكم أو أولادكم . وإذا تأكدتم من فعل خطأ أحدهم ، حاولوا أن تحلّو الخطأ بالحكمة والهدوء ، وأن لا تجر المشكلة إلى مشكلة أكبر منها . وإياكم وفضح الأسرار ، وهتك الحرمات ، واللمز بالخطأ . فهذا تدمير ، وقطع للطريق بأيسر أسلوب .
• عدم إساءة الظن بكل فعل أو قول غير مقصود .
• المراقبة الجادة لأصحاب الأهل والجيران بالطريقة المناسبة .
• تأملوا الآية الكريمة (ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) (4) إياكم والتساهل بوضع الجوالات في أيدي الصغار ، والسماح لهم بكثرة الاتصالات ، وإرسال الرسائل البريدية ، والخوض في غمار عالم الإنترنت بلا مراقبة . تأكدوا من وضع الأبناء في المدارس .
• تنبهوا للبنات في ذهابهن وإيابهن من المدارس، تنبهوا للبنات في المدارس . لا يقل أحدكم إنني مشغول بعملي ، وأولادي بالمدارس ، والبنات إن شاء الله يسيرون مع بنات مثلهن طيبات من الجيران أو الأقرباء. بل تأكدوا ، واسألوا ، وراقبوا ، وهذا معنى " كلكم مسئول عن رعيته " .
• أقيموا دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كل بدوره ، ولا تكونوا سلبيين ، ويكون دوركم دور المتفرج فقط .
أخيراً أيها الإخوة لا يفهم من كلامي أن يشك أحد في أهله أو أولاده أو أقربائه . إنما الذي أدعو إليه ما قاله ربي جل جلاله (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَاراً وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ) (5) .
أيها الإخوة أيها الشباب ..
إن سنن الله عز وجل تأبى أن تترك المجرمين من غير قصاص ، فماذا ينتظر المقصرون ؟
يا شباب الإسلام : الحقيقة في القرآن تقول : (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) (6) إنها الذنوب ما ظهرت في ديار إلا أهلكتها ، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها ، ولا فشت في أمة إلا أذلتها ، فلا تفارقها حتى تدعها في ضياع .
بالمعاصي يهون العبد على ربه فيرفع اللهُ مهابته من قلوب خلقه (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) (7) .
يقول الحسن البصري : " هانوا على الله فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم "(8) .
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص رأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي . فقلت : يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويحك يا جبير . ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره (9). بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى .
والله بالذنوب والآثام يا شباب يكون الهم ، والحزن ، والعقد النفسية . إنها مصدر العجز والكسل ، وسبب البطالة ، ومنها الجبن ، والبخل ، وغلبة الدين ، وقهر الرجال .
وبها تزول النعم ، وتحل النقم ، وتتحول العافية ، ويستجلب سخط الله ، ويعامل صاحبها بالمثل في خاصة نفسه وأهله إلا أن يشاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله . وإذا ابتلي العبد بالمعاصي استوحش قلبه ، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته ، وجفاه الصالحون من أهله وأقاربه . ومن قارف المعاصي ولازمها تولَّد في قلبه الاستئناس بها وقبولها. فأدت إلى الجراحات " ورب جرح وقع في مقتل " ! .
نسأل الله أن يعصمنا وإياكم من الزلل ، وأن يستر علينا وعلى المسلمين ، وأن يزين الإيمان في قلوبنا وقلوب شبابنا وفتياتنا وأهلينا ، وأن يكره إلينا جميعاً الكفر والفسوق والعصيان ، وأن يجعلنا من الراشدين . اللهم آمين .
____________________