بسم الله الرحمن الرحيم
لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب
وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما »1 رواه مسلم.
نعم. وهذا الخبر جاء عند أحمد: « لئن عشت إلى قابل لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب »1 وفي لفظ في الصحيحين: « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب »2 وجاء هذا اللفظ: « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب »2 وأوصى عليه الصلاة والسلام عند وفاته بثلاث: « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد كما كنت أجيزهم »2 وكذلك ذكر ثالثة عليه الصلاة والسلام، ذكر ثالثة ولم يذكرها الراوي قيل: لعلها بعث أسامة -جيش أسامة- وقيل غير ذلك.
وهذا الخبر في قوله: "أخرجوا" الأمر في "أخرجوا" جاء بـ « أخرجوا المشركين »2 هذا في الصحيحين. في حديث عمر: « لأخرجن اليهود والنصارى »1 في حديث أبي عبيدة: « أخرجوا يهود نجران وأهل الحجاز من الحجاز وجزيرة العرب »3 .
وجاء هذا الحديث بألفاظ أخرى؛ جاء بذكر الحجاز، وجاء مطلقا بعموم جزيرة العرب، وذكر نجران أو الحجاز ليس من باب التخصيص؛ لأن هذا ليس من الألفاظ المشتقة التي يخصص بها إنما هذا من مفاهيم اللقب، ومفهوم اللقب كما هو معلوم عند جمهور الأصوليين لا تخصيص فيه ولم يقل به إلا أبو علي الدقاق وأبو ثور وجماعة، لكن إذا أشعر بالعِلِّية أو أشعر بالامتنان فإنه يخصص به إذا كان سيق مساق الامتنان، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا »4 جاء في اللفظ الآخر: « جعل التراب لي طهورا »5 عند أحمد، وفي لفظ عند مسلم حديث أبي مالك: « جعلت تربتها لي طهورا »6 .
مع أن التربة وصف لقب وليس وصفا مشتقا، كقولك: « في سائمة الغنم الزكاة »7 في الغنم الزكاة لا يفهم أن غير غنم لا زكاة فيها، وكقولك: جاء محمد، لا يفهم أنه لم يأتِ إلا محمد، كقولك: محمد رسول الله لا يفهم منه أنه ليس هنالك لله رسول إلا محمد، إنما هذا مفهوم لقب فلا تخصيص به، وهذا محل اتفاق.
لكن إذا أشعر بمعنى أو فائدة أو سيق مساق الامتنان فإن بعض أهل العلم قال بالتخصيص به، وهو قول جيد كما سبق في التخصيص بالتربة وأنه لا يرفع الحدث في التيمم إلا بالتراب دون سائر أجزاء الأرض، وإن كان التراب ليس وصفا مشتقا، لكن لما أنه سيق مساق الامتنان على هذه الأمة، وأن الله عز وجل تفضل عليهم وجعل الأرض لهم طهورا، ثم جاء في اللفظ الآخر: « وجعلت تربتها لي طهورا »8 دل سوقه مساق الامتنان أنه لم يذكر التراب إلا لتخصيصه.
مع أن المسألة محل بحث، وإذا كان واجدا التراب فإنه يتيمم بالتراب، وإن كان عادما له فيتيمم بالصعيد وما تصاعد على وجه الأرض من تراب أو غيره.
فالمقصود أن هذا كما تقدم إما أنه من باب مفهوم اللقب أو من باب ذكر أفراد بعض العام بحكم العام، ولا تخصيص فيه باتفاق أيضا.
وهذا الخبر اختلف العلماء في معناه، وهو من المسائل الاجتهادية، وبعض الناس ربما حمله وجعله مسألة يوالى عليها ويعادى عليها، وهي من المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها العلماء في هذه المسألة.
وجمهور العلماء على أن جزيرة العرب تشمل جميع ما أحاطت به البحار الثلاثة؛ فهي من جهة الغرب والشرق والجنوب محاطة بالبحار فهي مضبوطة، لكن من جهة الشمال هو الذي وقع الخلاف الكثير لأنها لم تحط ببحر من تلك الجهة؛ ولهذا وقع الخلاف فيها، لكن ما أحاطت به البحار الثلاثة فالمتحقق أنه من جزيرة العرب؛ فيشمل الحجاز والمدينة ومخاليفها واليمامة ومخالفيها يشملها جميعا.
وجمهور العلماء على أنه في الحجاز واليمامة ومخاليفها واختلفوا فيما سوى ذلك.
وعلى هذا في قوله عليه الصلاة والسلام: « أخرجوا المشركين »2 هذا عام يعني يشمل جميع الكفار من يهود أو نصارى أو وثنيين أو بوذيين من جميع أجناس الكفرة، فهذه الجزيرة جزيرة العرب جزيرة الإسلام هبط فيها الوحي فيجب تطهيرها من الشرك والسعي إلى ذلك.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان آخر وصيته أن وصى بذلك، وأصحابه رضي الله عنهم سعوا في ذلك، وأبو بكر رضي الله عنه شغل بحروب الردة؛ فلهذا لم يتيسر له إخراج اليهود، وعمر رضي الله عنه أخرجهم بعد ذلك تنفيذا لوصية النبي عليه الصلاة والسلام.
لكن بقي من اليهود وبقي من المشركين من كان إليه حاجة في أمر من أمور المسلمين، فإذا كان هنالك حاجة إليه واحتاج المسلمون إليه فإنه مستثنى؛ ولهذا وجد بعض الكفار من اليهود وغيرهم في بلاد المسلمين بل في المدينة لحاجة المسلمين إليهم. أما عند عدم الحاجة فالواجب تنفيذ ما وصى به النبي عليه الصلاة والسلام. نعم.
1 : مسلم : الجهاد والسير (1767) , والترمذي : السير (1607) , وأبو داود : الخراج والإمارة والفيء (3030) , وأحمد (1/29).
2 : البخاري : الجهاد والسير (3053) , ومسلم : الوصية (1637) , وأحمد (1/222).
3 : أحمد (1/195) , والدارمي : السير (2498).
4 : مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (522) , وأحمد (5/383).
5 : أحمد (1/98).
6 : مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (522).
7 :
8 : مسلم : المساجد ومواضع الصلاة (522).
المصدر موقع شيخ الاسلام ابن تيمية