[align=center]
خطبه الجمعه من المسجد الحرام
13-10-1430 هـ
القاهافضيله الشيخ د سعود الشريم
عنوانها خلق الإنصاف وأثره في حياة المسلم
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102 سورة آل عمران) ،يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1 سورة النساء)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(70 -71 سورة الأحزاب) .
أما بعد .. فياأيها الناس : في خضم الثورة المعرفية والاكتساح الحضاري وموج المصالح المادية والتطلعات الذاتية بعضها في بعض تسود المنافسة المحمومة والسباق اللاهث وراء الظفر ليغلب على طابع المنافسة والسباق الجانب الشخصي والمصلحي العائد للذات على حساب بعض المعايير المهمة والسجايا السامية ؛ فيطغى الغضب على الحِلْم والسخط على الرضا والأثرة على الإيثار ومصلحة الذات على المصالح الشرعية ؛ فيذوب بسبب ذلكم كله ويتوه في مهام طيشها سمةٌ جلَّى وسجيةٌ هداف .. ما فُقِدت في مجتمعٍ ما إلا صار منهومًا منزوع البركة ، وما وُجِدَت في مجتمعٍ ما إلا ورأيت صور الرضا والطمأنينة والتكامل والاشتراك بين أفراده على حدٍّ سواء .. أتدرون ما هي عباد الله ؟ أتدرون ما هي هذه السجية ؟
إنها سجية الإنصاف .. نعم الإنصاف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .. نعم - أيها الإخوة - الإنصاف الغائب في الفرد والإنصاف الغائب في الأسرة .. الإنصاف الغائب في المدرسة والإنصاف الغائب في العمل .. الإنصاف الغائب في الصحيفة ومنابر التلقي ، بل الإنصاف الغائب في المجتمعات إلا من رحم ربي ..
الإنصاف عباد الله كلمة تعني العدل والإحسان لا الظلم والاعتداء ، وتعني اتباع الشرع لا اتباع الهوى ، وتعني العلم لا الجهل ، وتعني الوسط بين المنحرفين والثبات بين المتفلتين والأصالة بين المضطربين .. المنهج في الإنصاف هو كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والقدوة فيه هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته من بعده وسلف الأمة من العلماء الصادقين الناصحين .
والإنصاف في الشريعة الإسلامية قيمةٌ مطلقة ليست نسبيةً كما هي الحال في مناهج البشر وقوانينهم ؛ فهي كلٌّ لا يتجزأ .. فإما إنصافٌ أو حيف وإما رجلٌ منصفٌ أو رجلٌ جائر ؛ فلا يمكن أن يكون المرء منصفًا جائرًا في نفسٍ واحدة ؛ إذ كيف يكون منصفًا وأبكم عن الحق في آنٍ واحد: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(76 سورة النحل) .
أيها الناس : بالإنصاف يشعر الفرد والأسرة والمجتمع بالأمان والرضا والقناعة ؛ إذ لا أضر عليهم في حياتهم ومعاشهم وشئونهم كلها من الظلم والجور .. واتباع الهوى بالإنصاف يوثق بالعالِم ويطمئن إلى القاضي ويؤخذ من الصحفي ويركن إلى المسئول ، ولا يعد أحد من هؤلاء منصفًا إذا كان لسان حاله يقول :
يومٌ يمانيٌّ إذا لقيت ذا يمن ... وإنْ لقِيت معديا فعَدْنان
ألا إن الإنصاف ثلث الإيمان لما روى البخاري تعليقًا عن عمار قال : " ثلاثٌ من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم ، والإنفاق من الإكثار والحديث " رواه أصحاب السنن ، ولا نبعد النجعة إذا قلنا : بل هو الإيمان كله لأن من أنصف سلم وأنفق ، بل إن من أنفق آمن واستقام وآمن بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولا .. أفترونه وهذه الحال يظلم أو يغش ؟ أترونه يشح أو يبخل ؟ أترونه يحابي أو يماطل ؟ أترونه يتحيز أو يتعصب ؟ أترونه يدع المحاسن ويقع في سفساف الأمور ؟
إن المنصف لبعيدٌ عن ذلك كله .. ولكن أين هذا المنصف في عصر العولمة ؟ وأين هذا المنصف في عصر المادة وطغيان الهوى والشهوة ؟ ولقد صدق من قال :
ولمْ تزَلْ قلةُ الإنصافِ قاطبةً ... بيْن الرجالِ وإنْ كانُوا ذوِي رَحِم
قال الإمام مالك - رحمه الله - : "ما في زماننا شيءٌ أقل من الإنصاف " .. قال القرطبي - رحمه الله - معلقا على كلام مالك : " هذا في زمن مالك .. فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد وكثر فيه الطغام ؟! " ؛ أي أوغاد الناس ..ونحن نقول عباد الله : إن زمن مالك - رحمه الله - كان في القرن الثاني الهجري وزمن القرطبي - رحمه الله - كان في القرن السادس .. فما الظن بزماننا هذا ؟! ألا إن الهوة أشد والخطب أفجع ؛ فإلى الله المشتكى وعليه التكلان .
ألا إن من لم ينصف لم يفهم ولن يتفهم ، ومن أجل أن ندرك صحة كلام مالك والقرطبي فلننظر إلى زماننا حينما يضع أقوامٌ أوصافًا للحق لا تنطبق إلا على ما يفعلونه أو يقولونه ليكون ما يفعله غيرهم ويقوله هو الخطأ والباطل .. مع أن الحق أوسع منهم والصواب يتعداهم إلى غيرهم لكنهم يرون أنهم ناطقون حصرياً باسمه ، وقد يقارفون غداً ما كانوا يرونه خطأً عند الآخرين وهم مع ذلك يرون الكلمة الأخيرة لهم .. أمثال هؤلاء يصنعون لأفكارهم هالةً من أجل تسويقها ويُجيِّشون لها من الأقلام والألسن ما يعقرون به من خالفهم ، ويجعلون الناس بناءً على منهاجهم إلى فسطاطين : فسطاطٍ معهم وفسطاطٍ ضدهم ، وهم يدركون أن عموم الناس لا ذاكرة لهم ليستعيدوا الماضي القريب فضلا عن الماضي البعيد ليدركوا هذا التضاد أو ذلك التناقض.. وإن كان بعض الناس لا ينسون لكنهم يجاملون رغبةً أو رهبةً أو أنانيةً على حد قول القائل أنا "ومن ورائي الطوفان" ، ومن شاء أن يمتحن أحدًا في الإنصاف فليخالفه في أشد ما يقوم عليه هواه وتدعو إليه شبهته وشهوته لينظر كيف يكفهر ويزمجر فيجلب أصوات الناعقين معه ، ويجلب بخيله ورجله ليجعل منها قضيةً تفسد كل المعايير وتقضي على مبدأ الإنصاف قضاءً مبرما.
هذا هو الإنصاف - عباد الله - وجودًا وعدما .. إن قليل الإنصاف مذمومٌ على ألسن الناس مكروهٌ سماع اسمه في الآذان بغيضةٌ رؤيته بالأعين .. تتقى مجالسته وتدرأ مجاورته .. لحمه منهوش في نوادي الناس وعرضه مهريٌّ كلما طرأ ذكره بينهم.. لا يداري الناس اسمه ولا رسمه .. ودوا لو أن بينهم وبينه أمدًا بعيداً والناس شهود الله في أرضه .. فمن ترك الإنصاف وأحب الانفراد وآثر النفس على كل شيءٍ حتى على الحق فليكبر عليه أربعًا لوفاة قيمة الإنصاف في نفسه .. وإننا لو دققنا النظر في أجمع أسباب في عدم الإنصاف بين الناس لوجدنا الحسد أسها وأقنومها ؛ إذ لا يتأتى الإنصاف من حاسد،كما أنه لا يتأتى الظلم والجور من محبٍّ للغير .
والحسد - عباد الله - بحد ذاته داءٌ منصف كما قال الأصمعي - رحمه الله - لأنه يفعل بالحاسد كما يفعل بالمحسود ، بل هو عباد الله كرجع الصدى لما تنطق به .. فإن نطقت رد عليك رجع الصدى بالإنصاف ، وإن نطقت بعدم الإنصاف رد عليك رجع الصدى بعدم الإنصاف ، والجزاء من جنس العمل
كمَا تدينُ صَاحِبي تُدان **** إنَّ جزاءَ إحسانِنَا الإحسان
إذَا مَا رُمْتَ إِنْصَافًا تُسَرُّ لأجْلِه **** فكُنْ مثلَمَا ترجُو مِنَ الِإنصَاف
فإنَّ رجَالًا قَدْ سَمَو بِبُلُوْغِه **** وفَرَّطَ فِيْهِ جمُلةُ الأنْصَاف
] إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90 النحل) .
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده ، وبعد ..فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن منهج الحكم على الأشياء والآراء والأشخاص والتعامل المتعدي إلى الغير يجب أن يتوفر فيه عنصران أساسان .. وهما عنصر العلم بالشيء وعنصر الإنصاف فيه ؛ لأن العلم بالشيء يوصِّل إلى الحقيقة ، والحكم بموجب هذه الحقيقة بموضوعيةٍ سليمةٍ علميةٍ بعيدةٍ عن العواطف الصارفة هو الإنصاف الذي ننشده ..
وفي تصور عنصر العلم فإن هذا ظاهر من خلال قاعدة أن " الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره" ، وفي تصور عنصر الإنصاف يكون المرء على استحضار لمنهج القرآن الكريم كما في قوله - تعالى - : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (18 سورة المائدة) ؛ أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك الإنصاف فيهم ، بل استعملوا العدل والإنصاف في كل أحد عدوا كان أو صديقا ويشهد لهذا قوله - تعالى - : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ... (2 سورة المائدة) .. قال شيخ الإسلام وابن كثير - رحمهما الله - : " أي لا يحملنَّكم بغض قومٍ قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام - وذلك عام الحديبية - على ألا تعدلوا في حكم الله فيهم .. فتقتصوا فيهم ظلمًا وعدوانا ، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في كل أحد " .
ثم إن الشعار في هذا كله - عباد الله - القسط والإنصاف ؛ فلا غلو في الإطراء حال الرضا ولا الإفراط في القدح حال الشنآن والعداوة ، بل نريد أن يصدق فينا حال الرضا قوله - تعالى - : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ... (135 سورة النساء) .. فلا تكونوا حينئذٍ عين الرضا عن كل عيبٍ كليلة ..كما نريد أن يصدق فينا حال (الشنآن) في قوله - تعالى - : وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ فلا تكنوا حينئذٍ عين السخط هي التي تبدي المساوي ولو كانت عين الرضا لاستحسنت ما استقبحت .. ومقبض الرحى في ذلك كله - عباد الله - هو إحكام الهوى عن أن يميد بالإنسان في ذلك كلها : ...فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ .... (135 سورة النساء) .
هذا ، وصلوا - رحمكم الله - على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة ؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون فقال - جل وعلا - : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب56) .. وقال صلوات الله وسلامه عليه : " من صلَّى عليه صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرا " .. اللهم صلِّ وسلِّمْ وزدْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - وعن سائر صحابة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك ياأرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين .. اللهم فرِّجْ هم المهمومين من المسلمين ونفِّسْ كرب المكروبين واقضِ الدَّينَ عن المدينين ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك ياأرحم الراحمين .
اللهم آمنّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال ياحي ياقيوم ، اللهم أصلح له بطانته ياذا الجلال والإكرام ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء ؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين . اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا .
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار .. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm
خطبة الجمعة من المسجد النبوي
13-10-1430 هـ
القاها فضيله الشيخ صلاح البدير
عنوانهاوجوب المداومة على الطاعات
الخطبة الأولى :
الحمد لله الكريم المنان القوي الكبير ذي السلطان ، أحمده على ما مَنَّ به علينا من النعم والإحسان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. ( يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن ) ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما اختلف الملوان ، وتعاقب الجديدان وسلَّم تسليماً كثيراً .
أما بعد ، فيا أيها المسلمون اتقوا الله ؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسب وطاعته أعلى نسب .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَآل عمران 102 .
أيها المسلمون .. مضى رمضان وانقضى بلياليه الزاهرة وأيامه العامرة وأجوائه العاطرة ، فأشفى من شدة اللوح والظما ، وأزال ما شفى من حرقة الصدى ، واستيقظت القلوب بعد غفوة ونامت بعد قسوة ، ورجعت بعد سهوة ، أما القبول فعلاماته لامحة وأماراته لائحة وآياته واضحة ..حسنة تتبعها حسنة ، وطاعة تؤكدها طاعة ، وإحسان يتلوه إحسان ، وذاك دأب العارفين بالله الخائفين من سطوته وعقوبته ، الراجين لثوابه وجنته الذين قويت محبتهم لله - عز وجل - ومحبتهم لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فأخبتت نفوسهم لله وسكنت ، ورضيت به واطمأنت .. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِالزمر 18.
وأما من انحلت أطنابه ووهت أركانه ، وانعكس سيره بعد رمضان ، فأبطل ما قدم ونقض ما أحكم ، وبدل الحسنات بالسيئات ، وحار بعد ما كان ، وأرخى لنفسه العنان ، وعاد إلى الفسوق والعصيان ، فذلك الخاسر المغبون والغاوي المفتون الذي أذهب بهاء طاعته ، وأحبط أجر عبادته .
أصف السمع أيها الجمع لقول الله - جل في علاه - :أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَالبقرة 266 .. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فيمَ ترون هذه الآية نزلت .. ( أيود أحدكم أن تكون له جنة ) ؟ فقال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - : " ضُرِبت مثلاً لعمل ، قال عمر : " أي عمل ؟ " ، قال ابن عباس : لعمل ، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله - عز وجل - ثم بعث الله له الشيطان ، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله " أخرجه البخاري ، وروى الطبراني بسنده عن قتادة في قوله - تعالى - :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْمحمد 33 ..قال : " من استطاع منكم ألا يبطل عملاً صالحاً عمله بعمل سيء فليفعل " .. ولا قوة إلا بالله ، ولا قوة إلا بالله ؛ فإن الخير ينسخ الشر ، وإن الشر ينسخ الخير ، وإن ملاك الأعمال خواتيمها ، يقول - جل في علاه - :وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً .. النحل 92 .
امرأة حمقاء خرقاء ملتاثة العقل تجهد صباحَ مساءَ في معالجة صوفها حتى إذا صار خيطاً سويا ومحكماً قويا ، عادت عليه تحل شعيراته وتنقض محكماته ، وتجعله بعد القوة منكوثا ، وبعد الصلاح محلولا ، ولم تجنِ من صنيعها إلا الإرهاقَ والمشاقَّ ، فإيَّاكم أن تكونوا مثلها ، فتهدموا ما بنيتم وتبددوا ما جمعتم .
أيها المسلمون .. داوموا على ما اعتدتم من الخير في رمضان ولا تنقطعوا عنه ، وخذوا من العمل ما تطيقون ملازمته والثبات عليه - ولو كان قليلاً - فالقليل الدائم ينمو ويزكو ، وبدوام القليل يدوم التعبد لله والذل له ، والأُنس به والقرب منه والإقبال عليه ، والكثيرُ الشاقُّ ينقطع ولا يدوم ؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تُطيقون ؛ فإن الله لا يملُّ حتى تملوا ، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووِم عليه - وإن قل - وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملاً أثبتوه " متفق عليه ، وعن علقمة قال : سألت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - :" يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام ؟ قالت : " لا كان عمله ديمة ، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يستطيع ؟ " أخرجه مسلم ، وقال القاسم بن محمد : " وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته " أخرجه مسلم ، وكره أهل العلم الانقطاع عن العمل الصالح استنباطاً من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عبد الله لا تكن مثل فلان ..كان يقوم من الليل فترك قيام الليل " متفق عليه .
أيها المسلمون .. النفس مطية يحول بينها وبين السير إلى الله - تعالى - خطفات الفتن وعقبات الشهوة وقحم الطريق ، بَيدَ أنَّ صبر ساعة ، وشجاعةَ نفس ، وثبات قلب تفضي بالعبد إلى قطع الطريق ، واقتحام عقبته ، وبلوغ قلته والخروج من الموطئ الغث والأرض الوخيمة ، والوصول إلى المنازل والمناهل ، والمراتع والمرابع والأماني والضمان ؛ فزموا المطية واخطموها وقودوها ، وازجروها وتعاهدوها وأصلحوها ، وتزودوا للنقلة وخذوا الأهبة للرحلة ، وسددوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلجة ، والقصدَ القصدَ تبلغوا .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعني وإياكم بما فيه من البينات والحكمة ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه .. صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلَّمَ تسليمًا كثيرا .
أما بعد .. فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه ، وأطيعوه ولا تعصوه ..يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَالتوبة 119 .
أيها المسلمون .. تقربوا إلى الله - جل ثناؤه - بطاعته وعبادته ، وأداء مفترضاته ونوافله ؛ فكلما تقربتم إليه قربتم من داره ودنوتم من جواره ونجوتم من ناره .. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قال الله - عز وجل - : إذا تقرب العبد مني شبراً تقربت منه ذراعا ، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا ، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة " متفق عليه ، وعنه - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله - تعالى - قال :" وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافلِ حتى أحبه ، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينَّه ، وإن استعاذني لأعيذنَّه " أخرجه البخاري .
أيها المسلمون .. الدنيا زهرة زائلة ونعمة حائنة ، فحقاً على من يعود شبابه هرماً وجدتها وهناً ، وقوته ضعفاً ، وزيادته نقصاً ، وحياته موتاً أن يبادر بالتوبة والإقبال على الله ، وينكف عن المعاصي والموبقات ، ولا يتمادى في اغتراره ، ولا يتناها على إصراره ..والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ومن يتحرَّ الخير يعُطه ، ومن يتوقَّ الشر يُقَه ، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم .
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه ، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه ، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه ، فقال قولًا كريما : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماًالأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أصحاب السنة المتبعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وفضلك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم وفق إمامنا ووليَّ أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، وأصلح بطانته يارب العالمين .
اللهم وفقه وولي عهده ونائبه الثاني لما فيه عزُّ الإسلام والمسلمين ، واحفظهم ومتعهم بالصحة والعافية يا رب العالمين .
اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك ، واتباع سنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - ..
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا ، والربا والزنا ، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن . اللهم يا حيُّ يا قيوم يا ربَّ العالمين ادفع عنا الغلا والوبا ، والربا والزنا ، والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصةً ، وعن سائر بلاد المسلمين عامةً يارب العالمين .
اللهم انصر إخواننا في فلسطين . اللهم انصر إخواننا في فلسطين . اللهم انصر إخواننا في فلسطين . اللهم عليك باليهود الغاصبين والصهاينة الغادرين . اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم . اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم . اللهم زعزعهم وزلزلهم ودمرهم يا رب العالمين . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود . اللهم طهر المسجد الأقصى من رجز اليهود .
اللهم أعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وارفع درجاتهم ، وقهم شرَّ أعدائهم . اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط . اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط . اللهم ادفع عن بلادنا التبرج والسفور والاختلاط . اللهم اجعل بلادنا حافظةً لأمرك . اللهم اجعل بلادنا حافظة لأمرك ، خاضعةً لشرعك ، منقادةً لحكمك وسائر بلاد المسلمين . اللهم اجعل رزقنا رَغَدا ، ولا تشمت بنا أحدا ، ولا تجعل لكافر علينا يدا .
اللهم اشفِ مرضانا ، وفُكَّ أسرانا ، وارحم موتانا ، وعافِ مبتلانا برحمتك يا أرحم الراحمين .
عباد الله .. إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَالنحل – 90 .. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم .. ( ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون ) .
للاستماع
http://gate.gph.gov.sa/index.cfm?do=...audfiletype=rm
[/align]