نريد الحكم الفقهي في الأحداث التي وقعت في الرياض من قتل ، هل يعد هذا العمل مشروعا ، أم أنه اعتداء محرم؟
مجموعة من المفتين
نص الإجابة
بسم الله ، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فخلاصة ما قاله بعض العلماء أن التفجيرات التي حدثت بالسعوديةعمل منهي عنه شرعا ، وهو اعتداء على حرمات المدنيين، سواء كانوا مسلمين، أم غير مسلمين دخلوا لمصلحة رأها الحاكم المسلم ولم يحاربوا أهل البلد الذي دخلوها، وأن السبب في هذا هو الجهل بفقه مقاصد الشريعة الإسلامية التي دعت إلى حفظ النفس .
وإليك نص بيان هيئة كبار العلماء بالسعودية حول التفجيرات :
من المعلوم أن شريعة الإسلام جاءت بحفظ الضروريات الخمس، وحرمت الاعتداء عليها وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل. ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفس المعصومة والأنفس المعصومة في دين الإسلام، إما أن تكون مسلمة فلا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق، ومن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام. يقول الله تعالى: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً". ويقول سبحانه "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا". قال مجاهد رحمه الله: "في الإثم وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق".
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة" (متفق عليه وهذا لفظ البخاري).
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" (متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم". ونظر ابن عمر -رضي الله عنهما- يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك".
كل هذه الأدلة وغيرها كثير تدل على عِظم حُرمة دم المرء المسلم، وتحريم قتله لأي سبب من الأسباب إلا ما دلت عليه النصوص الشرعية، فلا يحل لأحد أن يعتدي على مسلم بغير حق. يقول أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: "بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم. ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدمنا بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال يا أسامة: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذاً، فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم" (متفق عليه، وهذا لفظ البخاري).
وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك، وهم مجاهدون في ساحة القتال لما ظفروا به، وتمكنوا منه نطق بالتوحيد فتأول أسامة -رضي الله عنه- قتله على أنه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله، ولم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذره وتأويله، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها.
وكما أن دماء المسلمين محرمة فإن أموالهم محرمة محترمة بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" (أخرجه مسلم)، وهذا الكلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم عرفة وأخرج البخاري ومسلم نحوه في خطبة يوم النحر.
وبما سبق يتبين تحريم قتل النفس المعصومة بغير حق. ومن الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" (أخرجه البخاري).
ومن أدخله ولي الأمر المسلم بعقد أمان وعهد فإن نفسه وماله معصوم لا يجوز التعرض له، ومن قتله فإنه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لم يرح رائحة الجنة"، وهذا وعيد شديد لمن تعرض للمعاهدين، ومعلوم أن أهل الإسلام ذمتهم واحدة. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم".
ولما أجارت أم هانئ -رضي الله عنها- رجلا مشركا عام الفتح، وأراد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يقتله ذهبت للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال -صلى الله عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" (أخرجه البخاري ومسلم).
والمقصود أن من دخل بعقد أمان أو بعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله. إذا تبين هذا فإن ما وقع في مدينة الرياض من حوادث التفجير أمر محرم لا يقره دين الإسلام وتحريمه جاء من وجوه:
1- أن هذا العمل اعتداء على حرمة بلاد المسلمين، وترويع للآمنين فيها.
2- أن فيه قتلا للأنفس المعصومة في شريعة الإسلام.
3- أن هذا من الإفساد في الأرض
4- أن فيه إتلافا للأموال المعصومة.
وإن مجلس هيئة كبار العلماء إذ يبين حكم هذا الأمر لَيُحَذِّر المسلمين من الوقوع في المحرمات المهلكات، ويحذرهم من مكايد الشيطان فإنه لا يزال بالعبد حتى يوقعه في المهالك: إما بالغلو في الدين، وإما بالجفاء عنه ومحاربته والعياذ بالله.
والشيطان لا يبالي بأيهما ظفر من العبد؛ لأن كلا طريقي الغلو والجفاء من سبل الشيطان التي توقع صاحبها في غضب الرحمن وعذابه.
وما قام به مَنْ نفذوا هذه العمليات من قتل أنفسهم بتفجيرها فهو داخل في عموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة" (أخرجه أبو عوانة في مستخرجه من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً. ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" وهو في البخاري بنحوه.
ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية اليوم تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام وإذلالهم واستغلال خيراتهم. فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغراً لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين والتسلط على بلادهم، وهذا من أعظم الجرم.
يجب العناية بالعلم الشرعي المؤصل من الكتاب والسنة وفق فهم سلف الأمة في المدارس والجامعات وفي المساجد ووسائل الإعلام. وتجب العناية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي على الحق فإن الحاجة بل الضرورة داعية إليه الآن أكثر من أي وقت مضى. وعلى شباب المسلمين إحسان الظن بعلمائهم والتلقي عنهم وليعلموا أن مما يسعى إليه أعداء الدين الوقيعة بين شباب الأمة وعلمائها وبينهم وبين حكامهم حتى تضعف شوكتهم وتسهل السيطرة عليهم فالواجب التنبه لهذا.
وقى الله الجميع كيد الأعداء، وعلى المسلمين تقوى الله في السر والعلن والتوبة الصادقة الناصحة من جميع الذنوب فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة. نسأل الله أن يصلح حال المسلمين، ويجنب بلاد المسلمين كل سوء ومكروه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه". انتهى
و يقول الشيخ سلمان بن فهد العودة من علماء السعودية :
أي معالجة للحدث يجب أن تكون منطلقة من إدانة صريحة واضحة, لا لبس فيها لهذا العمل الشائن المحرّم !
فالشريعة جاءت بحفظ الأمن ( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ( وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا) ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ) (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْف) .
وحفظ الدماء ( أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) .
وحفظ العهود (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) .
ومدار الشريعة على تحقيق المصالح وتكميلها, ودرء المفاسد وتعطيلها ، ومثل هذه الأعمال تشكل الشرارة الأولى لإثارة الفتنة, والاحتراب الداخلي الذي يدمّر الطاقات, ويشتت الجهود ويهدر المكتسبات, ويعيق التنمية في مجالاتها المختلفة, ويؤخر مسيرة الإصلاح والدعوة ويفتح الباب أمام الطموحات الكامنة, والتناقضات المذهبية, والقبلية, والإقليمية, والفقهية التي لا يخلو منها مجتمع .
وربما شكل فرصة مناسبة للتدخلات الخارجية؛ التي تتذرع بملاحقة الإرهاب , كما تسميه, أو بالمحافظة على المصالح الاقتصادية , أو بتحرير الشعوب إلى آخر المعزوفة المعروفة !
إن الموقف المبدئي الشرعي الصريح يجب أن يكون قدراً مشتركاً لدى جميع المؤمنين وجميع العقلاء برفض هذا العمل وتحريمه, وإدانته شرعاً ؛ وبإدراك الآثار السلبية الناجمة عنه محلياً, وإقليمياً انتهى.
و يقول الدكتور إبراهيم الدويش من علماء السعودية :
جاء الإسلام لحفظ الضرورات الخمس،والتي يُسميها العلماء مقاصد الشريعة:حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال، وما فتئ العلماء العارفون يبنون الأحكام والمسائل على هذه المقاصد العظيمة، فلّما غاب العلم وتفشى الهوى والجهل وكثرت الشبهات، ظهرت الفتن والهرج والقتل، دون مراعاة لهذه المقاصد، ومن أجل ذلك فإنّ كلَّ عملٍ تخريبي يستهدف الآمنين مخالف لأحكام شريعة ربّ العالمين،والتي جاءت بعصمة دماء المسلمين والمعاهدين، فكيف إذا كان ذلك في بلدٍ مسلمٍ آمن،بل هو مهبط الوحي والرسالة والنور الذي يشع في جنبات الأرض كلها!! لا شك أن ذلك أشدّ حرمة بإجماع علماء المسلمين العارفين، فضلاً عمّا في ذلك من هتك لحرمة الأنفس والأموال المعصومة، وهتك لحرمة الآمنين المطمئنين في مساكنهم، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، وما حدث من تفجير وتدمير وترويع لمؤلم حقاً، ولا يوافق عليه لا شرعاً ولا عقلاً، فكم من نفس مسلمة بريئة أزهقت، وكم من أموالٍ وممتلكاتٍ أُتلفت، وكم من نفوس مؤمنة آمنة رُوِّعت، عجباً أين يذهب هؤلاء إن كانوا مسلمين بآية صريحة يقول الله تعالى فيها: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً) ،"ولزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" كما قال (صلى الله عليه وسلم) (النسائي والترمذي)، ولا يزال المسلم في فسحة في دينه ما لم يصب دماً حراماً.انتهى
نشرت هذه الفتوى لأول مرة على موقع الإسلام على الانترنت بتاريخ 17 من مايو 2003 م
والله أعلم