المُنْشقون وشهوة التجريح
لقد خلق الله الخلق وجَبَلَهم على الخطأ والمعصية ليعلم العباد أنالكمال لله وحده ، وأنه غني عن الخلق ، وأنهم فقراء لا غنىلهم عنه ، محتاجون إليه في كل حركاتهم وسكناتهم.
ولا يمكن لعاقل أن يدَّعي العصمة والسلامة إذ هذا من الأمور المستحيلةعقلاً وشرعاً.
لذا جعل الله دواء المعصيةالتوبة ، ومن تاب تاب الله عليه وهذا ماأجمعت عليه أمة الإسلام من زمن النبوة حتى يومناهذا.
إلا أن طبقةًً من الناس ا ليوم وقد ينتسبون إلى العلم وهم أبعد ما يكون منه يشككون فيمن أظهر التراجع عن خطئه لكونه يخالفهم الرأي أ و ينكر عليهم التنطع وأكل لحوم العلماء.
حتى أظهر بعضهم أن فلاناً من الناس لم يتراجع وأن ما يخفيه غير ما يظهره، فيا سبحان الله اطلع الغيب !؟ ودخل في قلوب العباد حتى يشهد بأمر غيبي ، هذهسفاهةظاهرة.
فهذا نبينا صلى الله عليهوسلم يقول : إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أن أشق بطونهم.
و قال لأسامة في الرجلالذي قتله بعد أن قال لا إله إلا الله " كيف قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله "
قال : إنما تعوذاً.
قال : " فهلا شققت عن قلبه".
وكذلك في حديث المقداد نحو هذا و في ذلك نزل قوله تعالى : "و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياةا لدنيا".
وقد قال عمر بن الخطاب : من أظهر لنا خيراً أجبناه وواليناه عليه ، وإنكانت سريرته بخلاف ذلك ، ومن أظهر لنا شراً أبغضناه عليهوإن زعم أن سريرتهصالحة.
لقد ضيَّعوا أوقاتاً كثيرة في نقد فلان وذكر أخطاءه والبحث والتصيد عنأخطاء جديدة ونشرها بين المجتمعات دون تفريق بين متعلموجاهل حتى أفسدوا ذات البين وانتشرت فيهم النميمة وفشا الكذب بما يزيده بعض الجهال بقصد إسقاط فلان المتعلم الناصح ، معتمدين في منهجهم الساقط على أقوامٍ ينتسبونللعلم لم يمنعهم داء الحسدمن تشجيع هؤلاء بحجة تمييز المجتمعات من الأدعياء.
وهذا اعتبار فاسد ، ومثلهؤلاء المشجعين لا يعدون قدوةً حسنة ولا حجةمستقيمة لكون الباعث لهم سيئ وهو الحسد أو التنافس لكسب وجوه الناس إليهم.
ولو سلمنا لهم بالعلم علىما هم عليه من الانحراف لجزمنا قطعاً حرمةمتابعتهم في هذه البدعة.
رُوي عن ابن عباس أنه قال : خذوا العلم حيث وجدتموه ولا تقبلوا قولا لفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوسفيالزريبة.
إنهم قومٌ عُرِفوا بشهوةالتجريح وسوء الظن وحمل الكلام على أسوأالمحامل والتربص والترصد والفرح بالخطأ والغيبة والنيميمةإلا أن صورهم صورالصالحين فإذا اجتمعوا أوخطبوا أو كتبوا ظهروا على حقيقتهم الغوغاء فهل مثلَهم يكون الرجال المصلحون؟!