عَيْنُ الرِّضا وعينُ السُّخْط !عجيبٌ أمرُ الإنسان , ينظر إلى صاحبه بعين الرضا , فلا ترى تلك العينُ إلا الحسناتِ والأفعالَ الفاضلة الحميدة, وينثر عليه دُرراً من المديح , وطيوباً من الثناء في كل مجلس وفي كل ناد......ثم ـ ولأمرٍ ما ـ يغضبُ من صاحبه فينظر إليه بعين السخط , فلا يترك عيباً في الدنيا إلا ونعته به , ولا سوءَ أخلاق إلا ورماه به , ولا سيف شتيمة إلا وضربه فيه , بل ويجعله أشدَّ خيانة من أبي رغال , وأبخلَ من مارد , وأعيى من باقل , ولا يرنو إليه إلا على أنه سُبَّةٌ في جبين الدهر , ووشمُ عار على جيد الزمن...وهنا نتذكر معا قول الشاعر :وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ ولكن عينَ السخط تُبدي المساويافالإنسان عندما يحب شخصاً ما فإنه لا يرى فيه إلا القدوةَ الصالحة , والأسوة الحسنة , والأخلاق النبيلة , وحتى إن أخطأ وأساء , فإنه يردد قول ابن أبي ربيعة : (حسنٌ في كل عين من تود) ,ويحاول جاهداً أن يبرر له تلك الأخطاء , ويدافعَ عن تلك الإساءات , وفي مرحلة متقدمة من الحب والإعجاب يصبح القبيحُ من المحبوبِ محموداً , وتتحول الرزايا إلى مزايا , والمساوئ إلى محاسن , وكل فعل يقوم به الحبوب يصبح حسنا حتى وإن كان سيئا , ويقول مع الشاعر :ويقبحُ من سواك الفعلُ عندي فتفعلُهُ فيحسُنُ منك ذاكاوهذا الأمر ليس وليدَ العصر , ولا يختص بزمن دون زمن , وإليك هذا المشهدَ الذي حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم , والذي يأتي خيرَ شاهد على ما نقول :عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جلس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قيسُ بن عاصم , و الزبرقانُ بن بدر , و عمرو بن الأهتم التميميون . ففخر الزبرقان , فقال : يا رسول الله , أنا سيدُ تميم , و المطاعُ فيهم , و المجابُ فيهم , أمنعهم من الظلم , فآخذ لهم بحقوقهم و هذا يعلم ذاك [يعني عمرو بن الأهتم]. فقال عمرو بن الأهتم : و الله يا رسول الله , إنه لشديدُ العارضة , مانعٌ لجانبه, مُطاع في ناديه. فقال الزبرقان : و الله يا رسول الله لقد علم مني غيرَ ما قال , و ما منعه أن يتكلم به إلا الحسد . فقال عمرو : أنا أحسدك ؟! فو الله إنك لئيمُ الخال , حديثُ المال , أحمق الوالد , مضيع في العشيرة . والله يا رسول الله لقد صدقت فيما قلت أولا , و ما كذبت فيما قلت آخراً , لكني رجلٌ رضيت فقلتُ أحسن ما علمت , و غضبتُ فقلت أقبح ما وجدت , ووالله لقد صدقتُ في الأمرين جميعاً .. فقال النبي صلى الله عليه و سلم : إن من البيان لسحراً , وإن من البيان لحكمةً )) المستدرك على الصحيحين , النيسابوري .3\710فقد رأينا من الحوار السالف أن الإنسان في حالة الرضا يذكر أجمل الصفات , وفي حالة الغضب يذكر أقبح الصفات..ولكنّ عمرَ بنَ الأهتم كان صادقا في الحالتين كما قال.. ...أما في زماننا فمن غضب من إنسان لأمر ما فإنه يختلق الإفك والبهتان , ويرمي به ذلك الإنسان , ...وعلى كل الأحوال وحتى لا نطيلَ على القارئ الكريم نقول :علينا أن نعلم أن الإنسانَ المنصفَ هو الذي لا يغير شهادته لتغيّر عاطفته , فإذا أحب شخصاً ذكره بأجمل الصفات , وإذا كره شخصاً فعليه أن يستر عيوبَه التي ربما تكون قد تلاشت مع الزمن , وضاعت في بحار النسيان ! وعليه أن يذكر دائما قول القائل :لسانُك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ فكُلُّكَ عوراتٌ وللناس ألْسُنُوما أجمل تعاليمَ ديننا الحنيف , حيث منعنا الله عز وجل أن يكون كرهُنا للشخص سبباً في ظلمه , فلا عواطفَ في مسألة العدل , وحب الشخص أو كرهه لا يغير من الحقيقة شيئاً , حيث قال تعالى في كتابه العزير : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )) المائدة : 8إن فلنتذكر دائما : (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا)الشيخ الأديب : مصطفى قاسم عباسمنقول من جريدة الفداء