أشباه الرجال ولا رجال
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، والصلاة والسلام على خير الأنام.
وبعد:
أيها الأحبة:
إننا في زمن كثر فيه الفساد والانحراف، ورأينا مَن يتشبه بالنساء من الرجال، ومن تشبهت بالرجال من النساء، وقد لعن النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-هؤلاء. حيث بوب الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، وساق حديث ابن عباس قال: لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم. [1]
وأورده كذلك حديث أم سلمة في باب: ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، ونصه: ( عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عندها، وفي البيت مخنَّث فقال: المخنث لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية: إن فتح لكم الطائف غداً أدلك على ابنة غيلان؛ فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-لا يدخلن هذا عليكم)[2]
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: المخنث بكسر النون وبفتحها: من يشبه خلقه النساء في حركاته وكلامه وغير ذلك، فإن كان من أصل الخلقة ليس عليه لوم، وعليه أن يتكلف إزالة ذلك، وإن كان بقصد منه وتكلف فهو المذموم، وإن لم تُعرفْ منه الفاحشة، مأخوذ من التكسر في المشي وغيره[3].
والحديث رواه الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: "لعن رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء"، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح[4]. قال شارح سنن الترمذي: "أي المتشبهين بالنساء في الزي واللباس والخضاب والصوت والصورة والتكلم وسائر الحركات والسكنات، من خنث يخنث كعلم يعلم إذا لان وتكسر، فهذا الفعل منهي عنه لأنه تغيير لخلق الله". وقال النووي: "المخنث ضربان أحدهما: من خلق كذلك، ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن، وهذا لا ذمَّ عليه، ولا إثم عليه ولا عيب ولا عقوبة؛ لأنه معذور. والثاني: من يتكلَّفُ أخلاق النساء وحركاتهن وسكناتهن وكلامهن وزيهن؛ فهذا هو المذموم الذي جاء في الحديثِ لعنُهُ"[5].
أيها الأحبة:
لقد أمر النبيُّ-صلى الله عليه وسلم-بإخراج ذاك المخنث– هيت وهو اسمه وقيل اسمه ماتع كان بمثابة الخادم يدخل إلى أبيات النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلم يكن معدوداً من أولي الإربة والرغبة في النساء من الرجال، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه ذلك التدقيق في وصف بادية بنت غيلان، وأنها إذا أقبلت أقبلت بأربع عكن من الأمام ( وهي ما تثنى من لحم البطن نتيجة السمنة)، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ( أي أطراف تلك العكن الأربع تبدو من جوانبها وهي مدبرة )؛ أمر بإخراجه، ومنعه من الدخول إلى حجر نسائه، وذلك لما يأتي منه مفاسد والتي منها: أنه محتمل أن يصف النساء اللاتي يراهن للأجانب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" فكيف إذا باشر الرجل المرأة ونعتها للرجال الأجانب، فذاك والله عين الفساد.
ومنها أيضاً أنه قد يتأثر به أهل البيت فيحصل للنساء تشبه بالرجال، أو للرجال تشبه بالنساء كالتكسر في المشي، والخنوع في الصوت، أو الوقوع في منكرات أبعد من ذلك، وكما قال الشاعر:
ثم بعد هذا نتساءل ونحن نرى اليوم كثيراً من أشباه الرجال أو أشباه النساء من أبناء المسلمين أو من هؤلاء الخدم أو العمال الذين يستجلبون من بلاد الكفار إلى بيوت المسلمين وأسواقهم ومحلاتهم، نراهم ونحن نعلم يقيناً آثارهم السيئة على أبناءنا وبناتنا ونساءنا، حتى كثرت وتكاثرت في بلادنا جرثومة خبيثة ونبتة ملعونة تعرف بالجنس الثالث، و " لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ... رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهحنانيك من تجنى عليك وقد تٌعدى الصحاح مبارك الجرب
ولرب مأخوذ بذنب قريبه ونجاالمقارف صاحب الذنـب
شباب يضعون أدوات الزينة، ويلبسون ملابس النساء، ويتطبعون بطابع النساء حتى لا يكاد يميزهم إلا من يعرفهم، فما أعظم الرزية، وأشد البلية بهم، ونحن أمة هي خير أمة أخرجت الناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله!!
إنا لله وإنا إليه راجعون.. إنا لله وإنا إليه راجعون..
أأأأأ
[1]- رواه البخاري,كتاب اللباس,باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت,برقم (5436).
[2] -البخاري مع الفتح(9/333)كتاب النكاح.
[3] - فتح الباري (9/246).
[4] -رواه الترمذي,كتاب الأدب عن رسول الله,باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء, برقم (2709).
[5] - راجع : "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" (8 /70).