ان سور القرآن الكريم عقد نضيد الدر منتظمة، يتلألأ إشراقا وجمالا، والسورة الواحدة منه جوهرة في ذاك العقد حلت محلها الذي لا يناسبه غيرها، والسورة القرآنية وحدة متكاملة تترابط اجزاؤها لتؤدي معنى دقيقا حاملا رسالة الرحمن لبني الانسان، وتتكامل السور في الجزء الواحد ليحمل عنوانا موحدا تنتظم تحته لآلئ السور.
الجزء التاسع والعشرون المسمى بجزء تبارك يقل معنى عظيما هو الدعوة الى الله تعالى ويوصل رسالة جليلة لكل مسلم تقول له: كن داعية تحمل منهج الله الى الارض كلها حسب طاقتك وما آتاك الله من علم وقدرة. وتتكامل السور الاحدى عشرة في توضيح منهاج الدعوة وما ينبغي للداعية.
* فسورة الملك تعلمنا أن نبدأ بأنفسنا ونزكيها، ونعرفها الحق لتؤمن به وتقدره ثم تتمكن من نقلة للآخرين. لذلك نراها تتحدث عن قدرة الله فتوضح لنا ان الملك كله بيده، وتلفت الانظار الى بعض مظاهر قدرته وبدائع صنعته في الكون لتعرف النفوس قدره فتتعرف اليه وتجله وتحبه لتنطلق الى الدعوة بحماسة وعلى بصيرة وهدى واليقين يعمر القلوب ويضيء الدروب.
* فإن جئنا الى سورة القلم وجدناها تبدأ باشارة مهمة الى ضرورة تدوين العلم ليكون سجلا محفوظا لنا ولمن بعدنا، ثم تنتقل بنا الى اخلاقيات الداعية التي ينبغي ان يكون عليها، فتبين خلق الداعية الأول “وإنك لعلى خلق عظيم” ثم تذكر بعض ما يستقبح من اخلاق ليتجنبها الداعية ويطهر نفسه وجوارحه منها.
* وسورة الحاقة تعطينا أداة مهمة تعيننا في الدعوة، تلك هي التذكير بالآخرة وجزاء كل فريق في ذلك اليوم العظيم.
* وسورة المعارج تستكمل معنا اخلاقيات الداعية مع ربه ومع الناس، فتخبرنا بعباداته التي تبني نفسيته وتقوي ايمانه.
* أما سورة نوح فمثال عظيم في فن الدعوة عن طريق النموذج الفذ للداعية الصابر المثابر، فتشير الى بعض الاساليب الدعوية مثل: عدم الفتور ومواصلة الليل بالنهار من اجل هداية الناس والحرص عليهم والالحاح في الدعوة والاندماج بها حتى كيانه كله ولا يشغله عنها شيء، فالدعوة تكون في السر والعلن، دعوة افراد ودعوة جماعات حسب الظروف التي تناسب كل حال، وتعلمنا السورة ان نبدأ بترغيب الناس وتذكيرهم بفوائد الالتزام وما يعود به عليهم من خير في الدنيا والآخرة، وتوجيه الانظار الى مظاهر عظمة الله في الكون سعيا الى اجلاله وتوقيره كما ينبغي له، وترشدنا الى الدعاء والى بث حزننا وشكوانا الى الله كما ناجى نوح ربه يدعوه ويشرح له ما اصابه من قومه وما بذل من أجلهم.
وتتجلى لنا من السورة عامة دعوة مهمة تقول للداعية (لا تيأس مهما كان الرد وواصل).
* سورة الجن تقدم لنا نموذجا آخر ممن سمع كلام الله فوعاه واستجاب اليه ثم صار داعية حق لنا ان نغار من حرصه وعمله، أولئك هم الجن استمعوا القرآن فولوا الى قومهم منذرين.
* سورة المزمل: تقدم للداعية زادا لا غنى له عنه وهو قيام الليل الذي كان فريضة على المسلمين في بدء الدعوة لتبنى نفوسهم على قاعدة صلبة من المجاهدة والصبر والتحمل، ثم صار نافلة تخفيفا من الله بعد أداء المهمة العظيمة في الجيل الأول ممن أسلم في السنة الأولى للبعثة النبوية.
* ثم تأتي سورة المدثر لتوجه الى ضرورة المبادرة في الدعوة وتغري الهمة في أدائها بعد استكمال الشروط المتقدمة سابقا لتكون كلمة الله هي العليا.
* وسورة القيامة تعود لتقول: لا تيأس وليس عليك النتائج، فالمصير الى الله وهو الذي سيحاسب كلا على ما قدم اذ الموت جامعهم ثم القيامة موعدهم.
* وسورة الانسان تؤكد ذلك فالسبب عندك وهو الجهد في الدعوة والهداية بيد الله الذي ألهم الانسان الشكر والكفر فهو يختار وينال عاقبة ما اختار، وتفصل السورة في مصير كلا الفريقين لا سيما المؤمنين.
* ثم تأتي سورة المرسلات لتبين مصير الكافرين المكذبين وتقول للداعية لا تبال بمن يعترض طريقك او يكذبك فجزاؤه عند الله واجتماعكم أمامه اذ يوفي كلا بما عمل وما ربك بظلام للعبيد.
منقول من جريدة الخليج
الإمارات
نفعنا الله واياكم ببركه القران الكريم
اختكم دانيا