صناعة الخريطة عبر التاريخ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الكرام
فهذه سلسلة جديدة من كتاب
أطلس تاريخ الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم
للمؤلف
سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث
نسأل الله أن ينفعنا به وبما علمنا
وتقبلوا فائق احترامي وتقديري
والله يحفظكم ويرعاكم
*بهر الإنسان قديماً بما هو موجود على سطح هذه الأرض التي نعيش عليها من ظاهرات طبيعية وبشرية ويزداد انبهاره حينما يتطلع ببصره إلى السماء في ليلة صافية الأديم، فيرى النجوم المتلألئة والكواكب المتناثرة في صفحة الأفق فيعجب لهذا الصنيع العظيم..إنه صنع الله الذي أتقن كل شيء.
-من هنا تولد لدى الإنسان في الماضي الحس الجغرافي الذي تمخض عنه تمثيل هذه الظواهر الجغرافية على وسائله البدائية آنذاك كالنحت في الجبال أو الرسم على جدران الكهوف أو رسم بعض المعالم الخاصة بالطرق والاتجاهات والمسافات بين تلك المعالم كي يهتدي بها في رحلاته وانتقاله براً وبحراً فكانت الخريطة والتي ارتبطت بتاريخ الإنسان على هذه الأرض..
-ولعل المشاهد لتلك القطع الأثرية الموجودة في الحضارات القديمة ولاسيما حضارتي الرافدين والنيل يؤكد حقيقة هذا الأمر، فالبابليون رسموا خرائطهم على ألواح الطين في الألف الثالث قبل الميلاد بعدما اخترعوا الكتابة المسمارية ثم توالت التطورات المهارية لرسم الخرائط في العهدين الإغريقي والروماني.
- بيد أن خرائط العصور الوسطى انتقلت إلى مرحلة أكثر مراساً وتجربة في فن رسم الخرائط، بعد أن برزت إبداعات الجغرافيين المسلمين في رسم خرائطهم على القياسات الفلكية والرياضية في هذا الشأن وهذا ما لم يكن معروفاً من قبل.
* معنى الأطلس:
- هو عبارة عن مصور متعدد الأغراض منه الجغرافي والتاريخي والنباتي والطبي وهكذا، لكن الأطالس الجغرافية هي الأطالس التي نالت شهرة في هذا الجانب، أما الأطالس التاريخية فيقصد بها تلك الكتب التي تتناول الأزمنة التاريخية من خلال الخرائط والرسومات والصور والجداول والبيانات والشروح.
* الخريطة التاريخية:
- عبارة عن تمثيل لسطح الكرة الأرضية شبه الكروي أو لجزء منه على سطح مستو، كاللوحة أو سطح الورق ويشمل هذا التمثيل توضيح الأحداث التاريخية الهامة على المسرح الجغرافي كالمعارك والحضارات والطرق التجارية ومساكن القبائل مع الاحتفاظ بالمسميات التاريخية القديمة التي عرفت في المعاجم الجغرافية القديمة لتمييز الخريطة تاريخياً. وترسم هذه الخريطة بأبعاد تتناسب مع أبعادها الحقيقية على الأرض بنسبة ثابتة وهي ما تعرف بمقياس الرسم.
* الخرائط الإغريقية:
- تأثر الإغريق (اليونان) بخرائط بلاد ما بين النهرين كثيراً فصارو يرسمون العالم على شكل قرص دائري الشكل تحيط به البحار من كل صوب.
-ويعتبر هيكاتيوس من أوائل الذين رسموا العالم على شكل دائري حيث وضع اليونان في وسط الخريطة، ثم جاء بعده هيرودوت الذي صحح معالم الخريطة معتمداً على أسفاره حيث أحاط الأرض بالبحار من ثلاث جهات وجعل جهة الشرق عبارة عن صحراء تمتد للمجهول إلا أن أشهر خرائط هذا العصر خريطة بطليموس الإسكندري الذي رسم خريطة للعالم مؤلفة من ست وعشرين قطعة.
* الخرائط الرومانية:
- استهل الرومان خرائطهم بتصوير العالم كما صوره البابليون والصينيون وأوائل الإغريق من قبل على شكل قرص دائري بعد أن جعلوا من روما مركزاً لهذا القرص وأهملوا خطوط الطول ودوائر العرض.
-ومن أبرز الخرائط في العهد الروماني خريطة العالم الدائرية والتي أعطت الدولة الرومانية مساحة عظيمة، في الوقت الذي همشت هذه الخريطة الهند والصين وروسيا وجعلتهم على شكل أقاليم صغيرة تحيط بالإمبراطورية الرومانية.
-وتميزت في هذا العصر خرائط الطرق أو ما يعرف بالخرائط البيانية أو التخطيطية في القرن الثالث الميلادي.
* تسطيح الكرة الأرضية:
- يقوم رساموا الخرائط (الكارتو جرافيون) برسم الكرة الأرضية بحيث تبدو مسطحة وذلك من خلال القيام بتقسيم السطح إلى عدة قطع متعددة كما في تقطيع حبة التفاحة حيث تقطع إلى شرائح فبعد أن يتم تسطيح هذه الشرائح تظل بعض الفجوات فيقوم (الكارتو جرافيون) بفرد تلك القطع حتى يلامس بعضها البعض مما يؤدي إلى تغيير حجم وشكل اليابسة كما هو الحال في الخريطة أسفل الصفحة.
* خرائط العصور الوسطى في أوروبا:
- استلهم الأوربيون فكرهم الجغرافي في العصور الوسطى من خلال تأثرهم بالفكر الديني المسيحي فقام الرومان بتصوير العالم على شكل قريص يحيط به المحيط من كل جانب، لتحتل مدينة القدس (أورشليم) مركز القلب، ويمثل داخل هذا القرص صليباً ثم يشكل جسم المسيح عليه السلام القلب أو مركز المدينة أورشليم، بينما يعني الذراعان البحر الأحمر والبحر الأسود والساق يمثله البحر المتوسط، أما الرأس فتمثله الجنة الواقعة في أقصى الشرق.
* الخرائط عند المسلمين في العصور الوسطى:
- ساهم المسلمون طوال القرون الوسطى مساهمة فعلية في الارتقاء بعلم الخرائط وفنون صناعتها، متأثرين بما وصل إليه الإغريق من تقدم في هذا الجانب، إضافة إلى ما يكتنزونه من فطرة وثقافة إيمانية جعلتهم ينظرون إلى الكون بنظرة أكثر فقها ومعرفة..
-إلا أن التميز الحقيقي للخرائط العربية الإسلامية تمثلت بما قدمه الرحالة الجغرافيون الذين أثروا المجال في هذا الصدد فالخرائط العربية الدقيقة الصنع، هي من وضع خرائط البلدانيين والمسالكيين ممن قام عملهم على الرحلة والمشاهدة، ويعتبر الإدريسي صاحب كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق خير شاهد على هذا النموذج التفصيلي للخريطة.
-بل إن المسلمين منذ انطلاقهم لتبليغ أمر الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة العربية، اهتموا بدراسة الظاهرات الجغرافية والإسهاب في وصفها ورسم مصورات وخرائط لها من أجل فرض النظام الإداري لمتابعة أمر الزكاة والخراج والجزية بالطريقة التي أمر بها الشارع الحكيم من دون ظلم ولا حيف.
-فكانت الخرائط خير معين بعد الله في معرفة أقاليم العالم الإسلامي ناهيك أن دوافع التعرف على طبيعة البلدان المحيطة بالأقاليم المفتوحة للاستمرار في نشر كلمة التوحيد بين شعوب الأرض فكانت الخرائط التفصيلية التي سهلت مثل هذه المهام الجسام في مسيرة الفتح الإسلامي.
صفة الأرض للعالم الصفاقسي المتوفى في 958 للهجرة المباركة.
صفة الأرض للعالم الصفاقسي المتوفى في 958 للهجرة المباركة.
صفة الديار الإسلامية بالنسبة للكعبة المشرفة للصفاقسي.
* الإدريسي:
- هو محمد بن عبد الله بن إدريس المعروف بالإدريسي من علماء القرن السادس الهجري ، جغرافي مسلم، هو أول من رسم خريطة كاملة للأرض عملها الإنسان.
-اختاره روجر ملك صقلية ليعيش في بلاطه في صقلية وألف كتابه الذي ذكرناه من قبل ثم عمل خريطة للعالم مرسومة على ورق، وروض الأنس ونزهة النفس، وذكر للإدريسي كتاب في المفردات سمي الجامع لصفات أشتات النبات.
* الحموي:
- ياقوت الحموي مملوك، اشتراه تاجر حموي كان يعيش في بغداد من أحد النخاسين ورباه وعلمه القراءة وفنون التجارة وكان يلقب بالرومي نسبة إلى موطنه الأصلي بلاد الروم..
-عاش في عهد الدولة الأيوبية له إنتاج جغرافي غزير، ذاع صيته بعد أن ألف كتابه المشهور معجم البلدان والذي أكثر فيه من شواهد القرآن والسنة والشعر، قسم العالم إلى كشورات سبعة وأبرز خطوط الطول ودوائر العرض.
* ابن ماجد النجدي:
- هو شهاب الدين أحمد بن ماجد السعدي النجدي ولد في جلفار على الساحل الغربي لعمان ظهر نجمه في القرن الخامس عشر الميلادي أي الفترة التي وصل فيها البرتغاليون إلى العالم الإسلامي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح.
- اخترع البوصلة البحرية ودل فاسكودي غاما من مالديني إلى الهند. له كتاب عن علم الإبحار كتب فيه عن الرياح الموسمية والطرق والموانئ البحرية والجزر.
- هذه ورقة من كتاب رحلات عربي لعالم من علماء القرن السادس الهجري، يصف فيه أماكن قصية وشعوباً مختلفة.
- فهو بحق يعد من روائع ونفائس كتب الرحلات التي صنفت هذا الشأن. بل يعكس الصورة الحقيقية التي وصل إليها فن رسم الخرائط والمصورات آنذاك.
- فهو في واقع الأمر أشبه ما يكون بأطلس معرفي لاحتوائه على المصورات والخرائط والشروح. مصدر الصورة كتاب وحدة الفن الإسلامي بمركز الملك فيصل رحمه الله تعالى.
* الخرائط في العصر الحديث:
- ساعدت الكشوف الجغرافية الواسعة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، وإختراع الطباعة إضافة إلى حركة الترجمة الواسعة للتراثين الإسلامي والإغريقي على مضاعفة الاهتمام بالخرائط ومحاولة رسمها بطرق خالية من الأخطاء لتفي بالغرض الذي صنعت من أجله..
-واستفاد منها الملاحون بشكل كبير جداً ساهم في وصولهم إلى المناطق والأماكن المطلوبة بكل يسر ونجاح ومن الملفت للنظر أن الخرائط في القرن الثامن عشر الميلادي جعل من فرنسا رائدة في هذا المجال، بعد أن ظل الإيطاليون رواداً لها ردحاً من الزمن.
-لقد تسيدت فرنسا هذه المدارس الأوربية في مجال صنع الخرائط بعد أن مثلت على جميع خرائطها خطوط الطول ودوائر العرض بشكل دقيق جداً ويعد هذا الأمر سبقاً علمياً، ثم توالى تطور الخرائط الجغرافية التقني شيئاً فشيئاً حتى وصلت خرائط القرن العشرين إلى مكانة غير مسبوقة بفضل ما هيأ الله سبحانه وتعالى للإنسان من وسائل تقنية متطورة جعلته يستخدم أحدث الوسائل وأفضل الأجهزة المتطورة في ذلك.
- واليوم أصبحنا نرى العالم من خلال صور الأقمار الصناعية ذات الدقة المتناهية في تصوير الكرة الأرضية وتوضيح أهم المعالم الطبيعية والبشرية عليها، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) الإسراء - الآية رقم 5.
لعبت البوصلة دورها البارز إبان الكشوفات الجغرافية في تحديد الإتجاهات.
وهذه صورة لبوصلة برتغالية الصنع تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
* يعزو معظم المؤرخين بداية عمل الأطالس المعرفية والجغرافية على وجه الخصوص إلى العالم الجغرافي كلاديوس البطلمي في القرن الثاني الميلادي، حيث قام بنشر أول أطلس في هذا الصدد باعتباره جزءاً من ثمانية مجلدات عن كيفية تصميم الخرائط.
-وأول من أطلق اسم أطلس على مجموعة من الخرائط، مصمم الخرائط جرهردكرمر (ميراكاتور) وصديقه أور تليوس في عام (1570م ) أي القرن السادس عشر الميلادي.
* ويؤكد د. خالد بن محمد العنقري على أن اسم (أطلس) استخدم لأول مرة منذ أكثر من أربعة قرون إلى أن أصبح الأطلس مصطلحاً علمياًُ في جميع اللغات ، للدلالة على الكتاب الذي يضم مجموعة من الخرائط والرسوم البيانية. وقد استهل الجغرافيون رسم خرائطهم بأيديهم وتكونت أعمالهم المبكرة من مجموعة من الرسوم البيانية لخطوط الملاحة البحرية.
* وقد زاد إنتاج الأطالس بتطور الطباعة. ومن أهم الأطالس الأولى في هذا الصدد هذا الأطلس الجغرافي المؤرخ في عام (1633) م.
صورة الأطلس السابق من الداخل وهو يتناول خرائط تفصيلية في هذا الشأن.
<FONT size=4>