هَلْ الْكَلَامُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ أَمْ عَكْسُهُ أَفْضَلُ ؟
قال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب في أثناء كلامه على قول الناظم:
يَكُبُّ الْفَتَى فِي النَّارِ حَصْدُ لِسَانِهِ ... وَإِرْسَالُ طَرْفِ الْمَرْءِ أَنْكَى فَقَيِّدِ
قال: هل الكلام أفضل من السكوت أم عكسه أفضل ؟
المعتمد: أن الكلام أفضل، لأنه من باب التحلية، والسكوت من التخلية، والتحلية أفضل، ولأن المتكلم حصل له ما حصل للساكت وزيادة، وذلك أن غاية ما يحصل للساكت السلامة،
وهي حاصلة لمن يتكلم بالخير مع ثواب الخير.
قال الإمام الحافظ ابن رجب: تذاكروا عند الأحنف بن قيس أيما أفضل الصمت أو النطق ؟ فقال قوم: الصمت أفضل، فقال الأحنف: النطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه،
والمنطق الحسن ينتفع به من سمعه.
وقال رجل من العلماء عند عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : الصامت على علم، كالمتكلم على علم، فقال عمر: إني لأرجو أن يكون المتكلم على علم، أفضلهما يوم
القيامة حالا، وذلك أن منفعته للناس، وهذا صمته لنفسه. قال: يا أمير المؤمنين، وكيف بفتنة المنطق؟ فبكى عمر عند ذلك بكاء شديدا.
قال الحافظ: ولقد خطب عمر بن عبد العزيز يوما فرق الناس وبكوا، فقطع خطبته، فقيل له: لو أتممت كلامك رجونا أن ينفع الله به، فقال عمر: إن القول فتنة، والفعل أولى
بالمؤمن من القول ...
وقد روي أن سليمان بن عبد الملك قال: الصمت منام العقل، والمنطق يقظته، ولا يتم حال إلا بحال. يعني لا بد من الصمت والكلام.
وما أحسن قول عبيد الله بن أبي جعفر وكان أحد الحكماء يقول: إذا كان المرء يحدث في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإذا كان ساكتا فأعجبه السكوت فليحدث.
قال الحافظ: وهذا حسن، فإن من كان كذلك كان سكوته وحديثه بمخالفة هواه وإعجابه بنفسه، ومن كان كذلك كان جديرا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته، لأن كلامه
وسكوته يكون لله عز وجل ... اهـ.
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب - (1 / 74)
منقول ---