اصبح سكان الاتحاد الأوروبي 450 مليون نسمة بعد انضمام الدول العشر الجديدة الى الاتحاد، واصبحت اللغات المعتمدة عشرين لغة بعد ان كانت احدى عشرة لغة، واثبتت أوروبا ان الوحدة هي مشروع حضاري يعتمد على الاقتصاد وتشابك المصالح وليس على السياسة والاغاني الحماسية والشعارات.
أوروبا الجديدة درس مهم للعرب تحديدا، هؤلاء الذين يتكلمون لغة واحدة من البحر الى البحر والذين تجمعهم روابط عديدة ولكنهم بدلا من ان يفكروا في تجميع انفسهم وربط شبكة مصالح بين شعوبهم، اعتقدوا ان الوحدة هي عمل حماسي نستمدة من ادعاءات تاريخية مغلوطة، ومواقف لفظية وشعارات فارغة. فكانت وحدة مصر وسورية التي انتهت من حيث بدأت لأنها وحدة الرموز والشعارات مثل علم الدولة وسلاحها الوطني وشعارها، ولكنها لم تدخل في جوهر أية عملية وحدوية، فأهملت الاقتصاد، واهملت التوحيد الجمركي والقانوني وقضايا تنقل رؤوس الاموال والاستثمارات، ثم جاءت المهزلة الوحدوية الكبرى في تاريخ العرب وهي الوحدة الاندماجية الفورية التي دعا اليها القذافي فانتهت من حيث بدأت. وقبلها كانت مفاوضات الوحدة بين عبد الناصر وحزبي البعث الحاكمين في دمشق وبغداد، ومن يقرأ محاضر تلك المفاوضات والاجتماعات يتأكد بأن الانفعال وليس الفعل كان سيد الموقف ولذلك انتهت كما بدأت.
التجربة الوحيدة التي صمدت حتى الآن هي تجربة مجلس التعاون الخليجي، فلقد استطاعت دول مجلس التعاون ان تسير باتجاه التوحيد رغم ما مر من مشكلات جدية بين اعضائها وخلافات تم التعامل معها بعيدا عن روح القطيعة والاستبعاد. فلقد كانت دول المجلس تختلف ولكنها تعرف حدود خلافها، وانجزت تجربة مجلس التعاون الكثير، ولكن ما زال امامها طريق طويل، فالوحدة عمل بطيء وهي مثل أي عمل كبير لا بد ان تطبخ على نار هادئة، ورغم الانتقادات لمسيرة التعاون الخليجي وانها لا تلبي طموحات الناس لكن الامور تسير على قاعدة «السرعة ببطء».
ليت العرب يتعلمون من أوروبا حيث القوميات والاعراق واللغات المختلفة التي استطاعت ان تتوحد بالعقل وتغليب المنطق وربط شبكة مصالح واسعة بين شعوبها، وليتنا نتخلى عن الشعارات الفارغة التي ما قتلت ذبابة!
<marquee>أحمد الربعي</marquee>