1492م هي السنة التي حط فيها كولومبوس رحاله في ما كان يعرف بـ"العالم الجديد" أو ما يعرف اليوم بـ"أمريكا". وكذلك 1492م هو العام الذي طُرد فيه آخر مسلم من ما كان يعرف بـ"الأندلس" أو ما يعرف اليوم بـ"أسبانيا". فهل يمكننا أن نقول بأن ولادة أمريكا كانت شؤمًا للمسلمين؟ بمعنى آخر: هل قوه أمريكا تعني ضعفًا للمسلمين؟ أعتقد أن هذا تبسيط للأمور وبتر للتاريخ يجب أن ننأى بأنفسنا عنه.
يقول المؤرخ باري ستارايس في مقال له بكتاب " ماذا لو؟": لو أن عبدالرحمن الداخل انتصر في معركة بلاط الشهداء عام 732م لاستمر المسلمون في حملاتهم الحربية حتى خضعت أوروبا للإسلام، ولاكتشفت أمريكا على يد كولومبوس المسلم، ولاعتنق سكان أمريكا الإسلام ولأصبحت القوه العظمى اليوم قوة أمريكية إسلامية. ولربما كان الإسلام هو الدين الوحيد الموجود على الأرض اليوم.[ص. 89]
إن "لو" تفتح عمل الشيطان؛ فهذه النستولجيا يمجها كل ذي لبٍّ، فالحقيقة أن المسلمين خسروا بلاط الشهداء، وكولومبوس لم يكن مسلمًا، وأمريكا اليوم قوة عظمى غير مسلمة. ولكن يعتقد بعض مؤرخي أمريكا المعاصرين مثل آلن أوستن بأن بعض الشواهد التاريخية من نقوش وآثار ومرويات بعض الشهود تدل على أنه كان للمسلمين وجود في الأمريكتين قبل حوالي مئتي عام من نزول كولومبوس إلى سواحل أمريكا الجنوبية. بل يزعم بعض المؤرخين أن مسلمين من شمال أفريقيا والأندلس تغلغلوا في أواسط أمريكا، وتزاوجوا مع سكانها الأصليين. ومن الثابت تاريخيًا أن عددًا من بحارة كولومبوس كانوا بالفعل من المسلمين.
فإذا كان التاريخ يحكي لنا عن إبحار بعض المسلمين قبل مجيء كولومبوس إلى الأمريكتين طوعًا بشيء من الريبة؛ فانه يقص لنا بكل ثقة قصصًا عن إخوان لهم أتوا إلى أمريكا كرها ليباعوا في سوق الرقيق أذلة وهم صاغرون. فتشير بعض الدراسات بأن ما لا يقل عن ربع الرقيق الذين سيقوا إلى أمريكا زُمَرًا كانوا من المسلمين؛ بل إن بعضهم مثل الأمير (أيوب بن سليمان) كان من الطبقة الحاكمة في بلده. إن مثل الرقيق المسلمين في أمريكا كمثل مسلمي الأندلس بعد سقوطها, أكرهوا على نبذ دينهم واعتناق دين أسيادهم. أضف إلى ذلك ألوان التعذيب الموثقة في هذه الصفحة السوداء من التاريخ الأمريكي.
أما أفواج المسلمين المهاجرين الأولى إلى أمريكا؛ فقد بدأت عام 1875 وكان معظمهم من سوريا. وتذكر كتب التاريخ الأمريكي كذلك أن آلافا من المهاجرين البولنديين كانوا من المسلمين. والهجرة من ذلك الوقت حتى أواخر القرن العشرين شهدت ذروتها للجالية الإسلامية.
إن أول مسجد وضع في أمريكا للذي بمدينة سدر رابدز في ولاية أياوا عام 1943. أما اليوم فإن عدد المساجد يربوا على الألفين، ويشكل الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية من حيث عدد المعتنقيين, حيث يدين بالإسلام ما لا يقل عن ستة مليون أمريكي ، وهم في زيادة مضطردة.
فالناظر إلى تاريخ المسلمين هنا يلمس شتاتًا في أصولهم وبعدًا عن التمثيل المؤثر في المجتمع الأمريكي رغم وجودهم العريق, خلافًا لليهود الذين أتوا من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم، ويكونوا قوه فاعلة في المجتمع الأمريكي. ولكن الذي لا يمكن إنكاره هو أن المسلمين اليوم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع الأمريكي. إذًا أين تأثيرهم في سياسات أمريكا الداخلية منها والخارجية؟!
ترجع البروفيسور المسلمة (جين سميث) أسباب بُعد المسلمين عن العمل السياسي في أمريكا إلى عدة أسباب:
أولها: أن معظم المهاجرين المسلمين أتوا من دول تكاد تنعدم فيها المشاركة السياسة، ولذلك كان يصعب عليهم حذق اللعبة السياسية الأمريكية.
وثانيها: ظن كثير من المسلمين بأن أصواتهم ومشاركتهم السياسية لم تكن لتأثر في الرأي العام أو رأي الساسة الأمريكيين. وكذلك اعتقاد البعض بأن المشاركة في اللعبة السياسية الأمريكية محرمة من الناحية الشرعية.
أتى كثير من المهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة بعقلية البدوي الذي يريد أن يقطن آنيا في منطقة ما، ثم يرحل بعد حصوله على الماء والكلأ؛ لذلك لم يأبه كثير من المسلمين بزرع البذور لعل أحفادهم يجنون الثمار. ولكن لحسن الحظ فإن المسلمين قد أفاقوا من سباتهم العميق وبدؤوا يشاركون في الحياة السياسية الأمريكية. يقول مؤسس تحالف المسلمين الأمريكيين الدكتور (أغا سعيد): " أنا اعتقد بأننا نستطيع أن نكون قوة رئيسة، وذلك بان نجعل المسلمين يصوتون، ومن ثم يشاركون في النظام السياسي الأمريكي، وأخيرًا بأن يكونوا نشطاء سياسيين مؤثرين".
ويؤكد بحث نشره مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ( CAIR) عام 2000 بأن " 70% من ممثلي المساجد أعربوا عن موافقتهم الشديدة على ضرورة توغل المسلمين في المؤسسات الأمريكية ومشاركتهم في اللعبة السياسية."
الإسلام في أمريكا اليوم لم يعد ذلك الدين الشرقي الغريب؛ فهو دين متأصل ومتجذر في هذه القارة. يواجه المسلمون كثيرًا من الصعوبات بعض أحداث أيلول ولكنهم مازالوا يتمتعون بفرص وحريات لا تتوفر لمعظم إخوانهم في الدول الإسلامية الأخرى. يسهل علينا أن نلوم غيرنا من يهود ونصارى وبوذيين ومجوس على ضعف تأثيرنا في السياسة الأمريكية، ولكن إذا أردنا أن نكون صادقين مع أنفسنا فيجب علينا أن نقول كما قال الله تعالى: (قل هو من عند أنفسكم). فالطريق ليس محفوفا بالورود والرياحيين؛ بل بالمكاره والأشواك, ولكن لا خيار لدينا إلا أن نسلكه.
حسان الرفاعي