ذكر العلامة العثيمين رحمه الله تعالى في كتاب شرح رياض الصالحين الآتي
طلب العلم الذي في وقتنا هذا قد يكون أفضل اعمال البدن , لأن الناس في الوقت الحاضر في عصرنا هذا محتاجون إلى العلم الشرعي , لغلبة الجهل وكثرة المتعالمين , الذين يدّعٌون أنهم علماء وليس عندهم من العلم إلا بضاعة مزجاة , فنحن في حاجة إلى طلبة علم يكون عندهم علم راسخ ثابت مبني على الكتاب والسنة , من أجل أن يردوا هذه الفوضى التي أصبحت منتشرة في القرى والبلدان , كل إنسان عنده حديث أو حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصدى للفتيا , ويتهاون بها , وكأنه شيخ الإسلام ابن تيمية , أو الإمام أحمد او الشافعي أو غيرهم من الأئمة , وهذا ينذر بخطر عظيم إن لم يتدارك الله الأمة بعلماء راسخين , عندهم علم قوي وحجة قوية.
ولهذا نرى أن طلب العلم اليوم أفضل الأعمال المتعدية للخلق , أفضل من الصدقة , وأفضل من الجهاد , بل هو جهاد في الحقيقة , لأن الله سبحانه وتعالى جعله عديلاً للجهاد في سبيل الله , وليس الجهاد الذي يشوبه ما يشوبه من الشبهات , ويشك الناس في صدق نية المجاهدين , لا ! الجهاد الحقيقي الذي تعلم علم اليقين أن المجاهدين يجاهدون لتكون كلمة الله هي العليا , فتجدهم مثلاً يطبقون هذا المبدأ في أنفسهم قبل أن يجاهدوا غيرهم , فالجهاد الحقيقي في سبيل الله الذي يقاتل فيه المقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا يعادله طلب العلم الشرعي .
ودليل ذلك قول الله تعالى: { وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يعني ما كان ليذهبوا إلى الجهاد جميعاً { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } يعني طائفة , وإنما قعدوا { ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون }
فجعل الله طلب العلم معادلاً للجهاد في سبيل الله , والجهاد الحق الذي يعلم بقرائن الأحوال وحال المجاهدين أنهم يريدون أن تكون كلمة الله هي العليا .
فالمهم أن طرق الخير كثيرة , وأفضلها فيما أرى بعد الفرائض التي فرضها الله هو طلب العلم الشرعي , لأننا اليوم في ضرورة إليها .
لقد سمعنا وجاءنا استفتاء عن شخص يقول : من صلى في مساجد البلد الفلاني فإنها لا تصح صلاته , لأن الذين تبرعوا لهذه المساجد فيهم كذا وكذا , ومن صلى على حسب الأذان فإنه لا تصح صلاته , لأنه مبني على توقيت وليس على رؤية الشمس , والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
” وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ” ,
أما الآن الأوقات مكتوبة في أوراق والناس يمشون عليها , هؤلاء كلهم لا تصح صلاتهم , يعني كل المسلمين على زعمه لا تصح صلاتهم , مثل هذه البلبلة.
والمشكلة أن مثل هذا يقال إنه رجل عنده شيء من العلم , لكن علم الأوراق الذي يعطي الإنسان فيه بطاقة تشهد بأنه متخرج من كذا وكذا .
فالحاصل أنه لابد للأمة الإسلامية من علماء راسخون في العلم , أما أن تبقى الأمور هكذا فوضى , فإنهم على خطر عظيم , ولا يستقيم للناس دين , ولا تطمئن قلوبهم , ويصير كل واحد تحت شجرة يفتي , وكل واحد تحت سقف يفتي , وكل واحد على قمة جبل يفتي , وهذا ليس بصحيح , لابد من علماء عندهم علم راسخ ثابت , مبني على الكتاب والسنة وعلى العقل والحكمة .
انتهى كلامه رحمه الله