رضيت من الدنـيا بمـا لا أوده *** وأي أمرىء يقوى على الدهر زنده
أحاول وصلاً والصدود خصيمه *** وأغبي وفاء والطــبيعة ضــده
حسبت الهوى سهلاً ولم أدر أنه *** أخـو غـدرات يتبـع الهزل جـده
تخف له الأحام وهـي رزينـة *** ويعـنو له من كل صـعب أشـده
ومن عجب أن الفتى وهو عاقل *** يطيع الهوى فيـما ينافيـه رشـده
يفر من السلوان وهو يريحه *** ويأوي إلى الأشجـان وهـي تـكـده
وما الحب إلا حاكم غير عادل *** إذا رام أمـراً لم يجـد مـن يصـده
له من لفيف الغيد جيش ملاحة *** تغـير على مثوى الضـمائر جنـده
************************************************** ************
إذا لم يكن للمرء عقل يقوده *** فيوشـك أن يلقـى حسـاماً يقـده
لعمري لقد ولى الشباب وحل بي ***من الشيب خطب لايطـاق مــرده
فأي نعيم في الزمان أورمه *** وأي خـليـل لـلـوفـاء أعــده
وكيف الوم الناس في الغدر بعدما ***رأيـت شـباب قـد تغـير عهـده
وأبعد مفقود شباب رمت به *** صـروف الليـالي عـند مـن لايرده
فمن لي بخل صادق استعينه على *** أمـلي أو نـاصــر اسـتـمـده
صحبت بني الدنيا طويلاً فلم أجد *** خليـلاً فـهل مـن صاحب استجده
فأكثر من لاقيت لم يصف قلبه ***واصـدق مـن واليـت لم يغـن وده
أطالب أيامي بما ليس عندها ***ومن طلـب المعـدوم اعيـاه وجـده
فما كل حي ينصر القول فعله ***ولا كل خل يصـدق النقـص وعـده
وأصعب مايلقى الفتى في زمانه ***صـاحبة من يشـفي من الـداء فقـده
محمود سامي البارودي