تنبيه : هذه روابط الحلقات السابقة :
الحلقة الأولى والثانية :
<div align="center">
http://www.ala7ebah.com/upload/index.php?s...?showtopic=5833
الحلقة الثالثة ( وفيها تذكير بطريقة التفسير هنا ) :
http://www.ala7ebah.com/upload/index.php?s...?showtopic=6062
الحلقة الرابعة / الآيات ( 16-22 )
<font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font> وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font>
{16} يخبر تعالى ، أنَّه المتفرد بخلق جنس الإنسان ، ذكورِهم وإناثِهم ، وأنَّه يعلم أحواله ، وما يُسِّرُّه ، وتوسوس به نفسه [ من الخير والشر ] ، وأنَّه <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>أقرب إليه من حبل الوريد<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان ، وهو العِرق المكتنف لثغرة النحر [ فكيف يخفى علينا شيء مما في قلبه ؛ والذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد ، لا حاجة له لكتب الأعمال ، لأنه عالم بها لا يخفى عليه منها شيء ، ولكنه سبحانه أمر الملكين بكتابة الأعمال لحكم أخرى ، منها : إقامة الحجة على العبد يوم القيامة ، كما في قوله سبحانه : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ( الإسراء :13-14 ) ] .
وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه ، المطَّلِع على ضميره وباطنه ، القريبِ إليه في جميع أحواله ، فيستحي منه : أن يراه حيث نهاه ، أو يفقده حيث أمره .
{17} وكذلك ينبغي له أن يجعل الملائكةَ الكرامَ الكاتبين منه على بال ، فيجلُّهم ويوقِّرهم ، ويحذر أن يفعل أو يقول ما يُكتَب عنه مما لا يرضي ربَّ العالمين ، ولهذا قال: <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي: الملكان اللذان يكتبان عمل الإنسان يتلقيان عن العبد أعمالَه كلَّها عند صدورها منه ويكتبانها ، <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>واحدٌ عَنِ الْيَمِينِ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> يكتب الحسنات <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>و<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> الآخر <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>عن الشِّمَالِ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> يكتب السيئات ، وكل منهما مقيّدٌ [ في نسخة : ( قعيد ) بدل ( مقيد ) ] بذلك متهيئ لعمله الذي أعد له ، ملازم له . [والقعيد : من يقعد معك ؛ والمعنى : عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، أي : مترصد ] .
{18} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> [ ما ينطق الإنسان بنطقٍ ولا يتكلم بكلامٍ ] ، خيرٍ أو شرٍّ <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي: مراقب له ، حاضر لحاله [ يكتب ما يصدر منه من قول أو فعل ] ، كما قال تعالى: <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> [ قال بعض العلماء : يكتب عليه كل شيء حتى الأنين في المرض ] .
{19-22} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> .
{19} أي <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَجَاءَتْ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> هذا الغافل المكذِّب بآيات الله <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> [ من فراق الدنيا ولقاء الله ] الذي لا مردّ له ولا مناص [ فكشفت له اليقين الذي كان يمتري فيه ] <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font> ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي: تتأخّر وتنكص عنه [ وتفرّ منه وتهرب عنه ؛ فالإنسان يحيد عن الموت ويفرّ منه بكل ما يمكنه من محافظة على نفسه ، بوقاية أو علاج ، وغير ذلك من وسائل السلامة .
ومما يبين معنى هذه الآية : قول الله عز وجل : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ؛ وقول الله عز وجل : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> فالمعنى في أظهر أقوال أهل العلم : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>بل ادارك علمهم<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : تكامل علمهم في الآخرة ، عند معاينتهم لما كانوا ينكرونه من البعث والجزاء ، بما كانوا يجهلونه في الدنيا ، و يعمون عنه مما جاءت به رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم ، ويزول شكهم ولكن بعد فوات الأوان ؛ كما قال الله تعالى : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : ما أسمعهم وما أبصرهم للحق الذي كانوا ينكرونه ، <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>يوم يأتوننا<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ، أي : يوم القيامة ؛ ومثله في المعنى : الآية الآتية : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ] .
{20} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي : اليوم الذي يلحقُ الظالمين ما أوعدهم الله به من العقاب ، والمؤمنين ما وعدهم به من الثواب [color=blue] [ وهو يوم القيامة ] .
{21} <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِق<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> [ قال المفسرون : مَلَكٌ ] يسوقُها إلى موقف القيامة ، فلا يُمكنها أن تتأخّر عنه ، <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وَشَهِيدٌ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> [ مَلَكُ ] يشهدُ عليها بأعمالها ، خيرِها وشرِّها ، وهذا يدلّ على اعتناءِ الله بالعباد ، وحفظِه لأعمالهم ، ومجازاتِه لهم بالعدل .
{22} فهذا الأمر ، مما يجب أن يجعله العبدُ منه على بالٍ ، ولكن أكثر الناس غافلون ، ولهذا قال: <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> أي: يقال للمعرض المكذِّب يوم القيامة هذا الكلام ، توبيخًا و لومًا و تعنيفًا ؛ أي : لقد كنت مُكذِّباً بهذا [ اليوم يوم القيامة ] ، تاركاً للعمل له <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>فـ<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> الآن <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>كشفنا عَنْكَ غِطَاءَكَ <font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font>: الذي غطّى قلبَك ، فكثر نومُك ، واستمرَّ إعراضُك ، [ بمعاينتك أمور الآخرة ] فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ قوي ] ينظر ما يزعجه ويروِّعه ، من أنواع العذاب والنَّكال [ ويبصر ما لم يبصره من قبل ، ولكن حينئذ لا مجال للمراوغة والتكذيب ] . أو هذا خطاب من الله للعبد ؛ فإنَّه في الدنيا ، في غفلةٍ عمّا خُلِقَ له ، ولكنَّه يوم القيامة ، ينتبه ويزول عنه وَسَنُه في وقتٍ لا يُمكِنُه أن يتداركَ الفارطَ ، ولا يَستدرِك الفائتَ .
وهذا كلُّه تخويفٌ من الله للعباد ، وترهيبٌ بذكر ما يكون على المكذِّبين ، في ذلك اليوم العظيم .
قال مقيده عفى الله عنه :
فائدة عظيمة :
من أسماء الله عز وجل ( القريب ) ، كما في قول الله سبحانه : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> ؛ وقربه سبحانه وتعالى على نوعين :
النوع الأول : قرب عام ، وهو إحاطة علمه بجميع الأشياء ، وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ، فهو على هذا بمعنى المعية العامة .
النوع الثاني : قرب خاص بالداعين والعابدين والمحبين ، وهو قرب يقتضي المحبة والنصرة والتأييد للعابدين ، كما قال سبحانه : <font color=#990033><font face='traditional arabic' size=4>﴿</font>وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان<font face='traditional arabic' size=4>﴾</font></font> الآية .
ومن فهم هذين المعنيين لـ ( القرب ) ، علم أنه لا تعارض بين هذا وبين ما هو معلوم من استواء الله عز وجل على عرشه – استواء يليق بجلاله وعظمته لا يستطيع البشر إدراك كيفيته – فسبحان العليِّ في دنوه القريب في علوِّه ] .
فائدة أخرى :
روي عن الإمام أحمد أنه كان يئن ، فبلغه عن طاووس أنه قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين ، فلم يأن أحمد رحمه الله حتى مات !
والله تعالى أعلم .</div>