إخواني الكرام!
..سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..
منذ زمن ليس بالبعيد, وقعت عيناي على ذلك الكتيب الصغير في حجمه, الكبير في نفعه! ..
وكان مدار الكتاب هو الحديث عن الصدق.. وإحسان النية بالعمل لله _ سبحانه وتعالى_...
فشرعت في قراءته,وبينا أنا أسير في جوانب ذلك الكتيب.. بل بعد أن أكملت قراءته, كانت هذه القصة قد سرت في داخلي وأستولت على مشاعري مما فيها
من الروعة والجمال!!
وبما أن هذه المشاركة هي الأحرف الأولى لأول موضوع يسكبه مداد قلمي بين مداد أقلامكم المباركة..
أحببت أن تشاركوني العيش في أفياء هذه القصة.. روعة بروعة.. وجمال بجمال!!
لم يكن عنوان القصة كما ترون هنا!! إنما كان "قصة العجوز, والثلاثة النفر"... هكذا كان!
ولكن اسمحوا لي أن أجعل العنوان هنا كما ترون..واسمحوا لقلمي أن يروي لكم تلك الحكاية ...
..(أبطال القصة)..
عجوز..وثلاثة نفر..
من هم؟
..العجوز..
هي عجوز, كريمة,صادقة..لم يترك لها البحث عن العيش مكاناً تستقر فيه, فكانت دارها كل صحراء يهطل عليها مطر, أو ينبت بأرضها كلأ!...
..أمّا الثلاثة النفر..
فهم شباب عاشوا في بيت النبوة, ودرجوا في رحاب الكتاب والسنة.. أشرافٌ,أحرارٌ,كرام...
الأول.. الحسـن بن علي بن أبي طالب _ رضي الله عنهما _
الثاني.. الحسين بن علي بن أبي طالب_ رضي الله عنهمـا _
الثالث.. عبدالله بن جعفر بن أبي طـالب _ رضي الله عنهما _
..."القِـــصَّــــة"...
في عام من الأعوام, عزم الثلاثة الشباب _أبناء العم_ على الحج إلى بيت الله الحرام.. فاستعانوا بالله و يمموا المسير.. و بدأت الرحلة وفارقوا الأوطان.. وأخذوا يقطعون المفاوز والبيد.. يطوون الأرض, ويطويهم الليل والنهار!! ساروا..وساروا.. وساروا.
..وفي مكان من الأمكنة..قدّر الله سبحانه أن يضلوا الطريق!.. وفعلاً حدث.
ذهبوا يميناً..وشمالاً.. نظروا إلى السماء.. علّهم يهتدون بالنجوم.. حاولوا اللقاء بأي إنسان يسألونه.. ولكن هيهات,هيهات..
بقوا على هذه الحال أياماً!!..
نفد الماء! والزاد! وساعات الهلاك تقترب!!
..تخيلوا..
صحراء بعيدة مقفرة.. ظمأ!.. جوع!.. تعب!.. حيرة!..
أسلموا أمرهم لعلاّم الغيوب.. وبقي الأمل يسير بما بقي فيهم من حياة.. لعّل الله يرسل لهم الفرج بما شاء وكيفما شاء..
وهنا يقترب الفرج.. من فارج الكربات.. لا إله إلا هو..
شيء بعيد يرونه من بعيد.. لا يعلمون ما هو! أسراب؟ أوهم؟ أخيال؟...
قرروا الإقتراب.. لعلّ وعسى.. فحتّى ولو ضرب الموت بساحتهم أطنابه, فإن الأمل بالله في قلوب الصالحين هو آخر الأشياء ارتحالاً!.
اقتربوا..واقتربوا..
هنا خيمة!.. هنا حياة!.. هنا إنسان!..
ألقوا السلام.. وإذا الرد يأتي..
خرجت من الخيمة عجوز.. إحدودب ظهرها, وأتعبتها السنين.. على وجهها تجاعيدٌ تحكي قصة الزمن الطويل!!
ردت عليهم السلام..
بادروها الكلام.. يا أمة الله! هل من ماء؟ هل من زاد؟ يرحمكِ الله...
هي لا تعرفهم, وهم لم يقولوا لها نحن فلان, وفلان, وفلان...
(سبحان من يسّر لها الإحسان لقرابة رسول رب العالمين وساقهم لها, وهي لا تعلم!)..
دخلت الخيمة وأتت بما في قربتها من ماء..
شربوا حتى ارتووا..
كان حالها ( من الفقر والعوز ) يغني عن المقال.. فليس في خيمتها إلاّ الماء اللذي شربوا.. وشاة وحيدة! بجانب الخيمة..
-أخبروها بشأنهم وأنهم لم يأكلوا منذ أيام...
-كانوا يستحون أن يسألوها الطعام وهم لا يرون سوى شاتها الوحيدة..
-كانت تعلم أن الجوع قد بلغ بهم ما بلغ!! وكانت تعلم أن زوجها الطاعن في السن, لا يملك سوى هذه الشاة.. وكيف لو علم حين يأتي وقد فقد شاته!!.. ما ذا سيفعل؟!
كانت هذه العجوز كريمة, مؤمنة, مشفقة... وقبل أن يتكلم القوم.. ومن دون النظر في ما ستأتي به معاتبة زوجها حين يأتي... دخلت خيمتها وأتت بالسكين وقالت هذه السكين ودونكم الشاة اللتي ترون.. إذبحوها, وهذا الحطب دونكم إيّاه فاطبخوها.. ووالله لا تذهبون من بيتي جياعاً وقد بلغ بكم الحال ما أرى!...
وهنا... طوّقتْ أعناق الرجال بفعلها وبكرمها.. وهي الفقيرة المعوزة!
-ذبحوا الشاة.. وطبخوها.. وأكلوا, وأبقوا لها ولزوجها شيئاً.. وملأت قربهم بالماء... ثم عزموا على الرحيل!!!
وهنا... كان يرى صنيعها من يعلم السر وأخفى.. أكرم الأكرمين.. اللذي أعطاها الجود والكرم.. اللذي كان يرى قرابة نبيه وهم يدعون لها.. ويشبعون ويروون في دارها!! اللذي يجازي الإحسان بالإحسان.. سبحاااانه!
-استأذنها القوم.. وقالو لها:نحن نريد مكة. فكوني في هذا الموضع حين نعود فإننا سنعود إليك ونفعل بكِ خيراً إن شاء الله.. قالت: نعم! إلاّ أن ترحل بنا الحاجة..
بعدما دلّتهم على الطريق... ارتحلوا...
بقيت العجوز وليس في دارها ماء ولا شاة!.. ذهب كل ما تملك.
مكث زوجها غير بعيد.. ثم أتى... حسَّ أنه كان في الخيمة أضياف.
سأل زوجته العجوز؟ قالت: نعم, مرّ بي ثلاثة نفر عليهم سيما الصالحين كان من شأنهم كذا وكذا وكذا..
وقد أطعمتُهم شاتنا, وأسقيتُهم الماء وزوّدتهم بما يصلح..
لم يكن راضياً!! وقال: أشاتنا الوحيدة؟ اللتي ليس لنا غيرها!.. ألسنا في الحاجة نحن؟.. ألسنا؟ .. ألسنا؟
قالت بلسان المؤمنة المتوكلة: لئن افتقرنا من الدنيا ومتاعها.. فقد أغنانا الله بالإيمان!! وسيعوضنا خيراً, والله المستعان...
وهناك.. أكمل الشباب الثلاثة مسيرهم وبعد أيامٍ طوال وصلوا مكة, ومكثوا حتى أدّوا حجهم .. وبقوا في مكة زمنا يصلحون فيه أحوالهم ويتزودون...
وما زالت تلك العجوز هي همهم الوحيد, حتى يعودوا إليها, ويحسنون إليها كما فعلت بهم.. ( وهذ ديدن الأحرار الكرام في كل زمان ومكان)...
مرّت أيام.. وأيام.. وأيام...
في تلك الصحراء.. هنالك حيث خيمة العجوز .. أجدبت الأرض.. وأبطأ المطر.. ولم يعد لديها هي وزوجها ما يبقيانِ من أجله هناك... ولم يكونا حقيقة ينتظران عودة أناس حتى يكافئوهم... فقد عملت العجوز لا ترجي في ذلك سوى فضل الله وحسب...
ارتحلت هي وزوجها بعيداً بعيداً...
وبعد مدة من الزمن وصل أصحابنا إلى مكان الخيمة ودار العجوز.. فلم يجدوا سوى الأطلال!!!
كل شيء هنا انتهى..
أُسْقِطَ في أيدي القوم... وعلموا أن الحاجة قد ذهبت بمن أكرمتهم هنا في يوم من الأيام!!
فأكملوا مسيرهم إلى حيث شاء الله...
إخواني.... أعضاء الملتقى الكرام!
أرجوا أن تغمضوا أعينكم هنا.. حيث تتوقف أحداث هذه القصة لما شاء الله من السنين والسنين..!!!
\
/
\
/
\
/
\
افتحوا أعينكم هنا.. فها نحن بعد مرور تلك السنين اللتي أنست العجوز أشكال أولئك الشباب وكادت أن تنسيها القصة بأكملها!..
( وهذه عادة المحسنين.. ينسون إحسانهم إلى الناس دائماً )...
افتحوا أعينكم.. لترون تلك العجوز وما زادتها الأيام إلا تعباً, وجهداً,وفقراً.
افتحوا أعينكم.. لترون أولئك الشباب بعدما كبروا وعملوا في تجاراتهم.. حتى أصبحوا يملكون القناطير المقنطرة من الأموال والنعيم...
.....
..وهنا..
تعالوا!.. نرى من وراء تلك السنين كلها! كيف سيكون التدبير الإلهي من فوق سبع سماوات.. كيف هو فعل أكرم الأكرمين.
كيف هو جزاء المحسنين عنده!!... كيف, وكيف, وكيف..
بلغ السن بتلك العجوز وزوجها أنهما لم يعودا قادِرَيْنْ على أن يواجها الحياة بالعمل والكسب والتنقل... لم يعد لهما إلا سؤال المحسنين!
فقررا الرحيل إلى المدينة النبوية... حيث هي عاصمة الإسلام..
وفيها المحسنين, والمتصدقين, والمنفقين..
في نفس الوقت... كان أصحابنا من كبار أهل المدينة شرفاً (بالطبع), وأكثرهم مالاً, وأنداهم يداً...
\
/
\
/
\
/
\
...والآن...
تتحقق الأمنية في لقاء الثلاثة باللتي أحسَنَتْ إليهم منذ زمن بعيد!
دخلت العجوز وزوجها إلى مدينة رسول الله_ صلى الله عليه ةسلم _
وأخذا يدوران على أبيات المدينة ولسان حالهم:
يا من يرجو ما عند الله, يا من يريد الله والدرا الآخرة,
الصدقة الصدقة.. الإحسان الإحسان..يا محسنين,يا محسنين...
ولعلّ بيت الحسن_ رضي الله عنه _في أول البيوت للداخل للمدينة حينها,
وكان جالساً إلى باب داره, وهو يسمع الصوت من بعيد.. وأخذت العجوز تقترب..وتقترب.. وهنا بدأ الحسن يتذكر ذلك الصوت! فلما اقتربت منه,
وإذا هي تلك العجوز!!!!!!!! يا الله...
هنا الحسن, عرفها تماماً..
ولكنها هي قد نسيت شكله فلم تعرفه إطلاااااقاً!!!..
فسألها حتى تتذكر: ءأنتي اللتي كنتي تسكنين الموضع ذاك في تلك البيداء في سنة كذا وكذا؟
قالت: نعم. فمن أنت؟ وكيف عرفتني؟ وليس يعرفني هنا أحد!
قال: هل تذكرين نفراً مروا بك في تلك السنة وقد ضلوا طريقهم لمكة.
قالت: لا.
قال: هل تذكرين الثلاثة اللذين أعطيتيهم الشاة فذبحوها وطعموا ولم يكن لكِ سواها! ودللتيهم الطريق. وقالوا لكِ لا تبرحي مكانكِ حتى نعود من الحج لعلنا نفعل بكِ خيراً؟
وهنا, تذكرت العجوز!!!!... وقالت: نعم لقد ذكرت!. فهل كنت منهم؟
قال:نعم! أنا أحدهم.. أنا الحسن بن علي! وصاحبيّ هما: أخي الحسين بن علي, وابن عمنا عبدالله بن جعفر! قرابة رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_.
والله يا أماه! لقد عدنا إليكِ واجتهدنا في البحث عنكِ حتى نكرمكِ كما أكرمتينا ونحسن إليكِ كما فعلتي بنا.. ولكنا وجدناكِ قد ارتحلتي.. وأعيتنا الحيلة في لقياكِ.. ولكننا والله ما نسيناكِ وما زلنا نذكر إحسانكِ ذلك اليوم لنا..ولكن اللذي أكرمنا بكِ في ذلك الزمان أعادكِ لنا الآن.. وهذا اليوم هو يوم وفاء وبر... ووالله لا تسألين أحداً اليوم غيرنا, وإنّ اللذي نعطيكِ إنما هو إكرامٌ لك, وليس صدقة عليك...
يا أماه! كما أكرمتينا بشاتكِ الوحيدة فإني أهب لكِ اليوم بها ألف شاة!!!!!!! وألف دينار!!!!!! معها...
ثم نادى غلامه.. يا غلام! إذهب إلى أخي الحسين وأخبره بأنها ضافتنا اللتي أكرمتنا وما زلنا نسأل الله أن يجمعنا بها..
فذهب بها الغلام من توّه لأخيه الحسين _رضي الله عنه_ واخبره الخبر وبما أكرمها أخاه الحسن..فعرفها ورحّب بها وحمد الله اللذي جمعهم بها وقال: وأنا أهب لك اليوم ألف شاة!!!! وألف دينار!!!! معها...
وأرسل بها الغلام إلى عبدالله_رضي الله عنه_ , فأخبره الخبر فعرفها ورحّب بها وقال الحمد لله اللذي أرسلكِ إلينا... ثم سأل الغلام كم أعطاها ابني عمي؟ فقال الغلام: كل واحد أعطاها ألف شاة!! وألف دينار!!
فقال: وأنا أعطيها ألفيْ شاة!!!!!!! وألفيْ دينار!!!!!!! ووالله لو ابتدأت بي لأتعبتهما!!!
ثم مكثت ما شاء الله في المدينة بعدما صارت تملك أربعة آلاف شاة!!!, وأربعةآلاف دينار!!! ثم ارتحلت هي وزوجها وهما من أغنى الناس!!...
ولدار الآخرة أكبر جزاءاً وعطاءاً... عند أكرم الأكرمين...سبحانه جلّ في علاه..
....والله أعلم وأحكم ....
..أسأل الله أن يجعلكم من عباده المحسنين..وأوليائه المتقين..
...وسلام الله عليكم عائداً كما بدا ورحمته وبركاته...
"وَفِيْ حِفْظِ رَبِيْ..إِخْوِةَ الْقُرْآَنِ"
منقول..
...: أختكم في الله ..
مسك الختام