الحجاب الشرعي الذي كثر الجدل حوله هذه الأيام
لاشك أن المرأة قد نهيت عن إبداء زينتها إلا لمحارمها، قال الله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ } إلى قوله {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء }(31) سورة النــور، ومعلوم أن وجه المرأة هو محل الزينة، وهو مجمع المحاسن، وإذا أسفرت عن وجهها حصلت الفتنة غالبًا بالنظر إليها، وإذا لم يكن الوجه من الزينة فما المراد بالزينة التي تسترها عن غير المحارم؟ هل يقال إن الزينة هو الشعر؟ أو أن الزينة هي اليدان؟ أو أن الزينة هو الصدر، أو الظهر، أو الساق، ونحو ذلك؟ فالله تعالى أمرها بأن تستر زينتها، إلا لمحارمها، ومعلوم أنها لا تبدي لمحارمها باطن جسمها، كفخذها أو إليتها ونحو ذلك، فعلم أن المراد بالزينة الوجه الذي هو محل الزينة ومجمع المحاسن.
وقد أمر الله بستر فتحة الجيب بقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }، وذلك دليل على أن المرأة المسلمة تستر رأسها بالخمار، الذي يغطي رأسها، ثم تسدله على وجهها حتى يستر فتحة جيبها، فإن هذا هو مقتضى الضرب، أن تضرب بخمارها أي تدليه من رأسها ليستر الوجه، وليستر الجيب، وليس الفتنة بالجيب أشد من الفتنة بالوجه الذي هو مجمع المحاسن.
كذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }(59) سورة الأحزاب. ، والجلباب هو الرداء الذي تلتف به وتلتحف به، فتستر به جسمها ووجها وظهرها وصدرها وجميع بدنها، فإذا فعلت ذلك عرفت بالعفاف وبالبعد عن المحرمات، وذلك معنى قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }، يعرفها من رآها أنها متعففة بعيدة عن فعل الفاحشة أو الميل إليها، وقد نهى الله تعالى النساء عن الخضوع بالقول في قوله: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } (32) سورة الأحزاب، والخضوع معناه رقة الكلام الذين يكون فيه سبب لطمع المرضى بمرض الشهوة، هكذا جاءت هذه الأدلة من القرآن.
وأما قوله تعالى{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } (31) سورة النــور، فإن المراد ظاهر الزينة وهو اللباس، فإنها في الأصل هي الزينة، كما في قول الله تعالى{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } (31) سورة الأعراف، أي لباسكم، وجاءت السنة بالحث على التستر، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج النساء لصلاة العيد قالت له إحدى النساء: إحدانا لا تجد جلبابًا، فقال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها"، هكذا حث على التستر لخروج المرأة للصلاة ونحوها، ولما أذن للنساء بالصلاة في المسجد قال: "وليخرجن تفلات" أي غير مبتذلات ولا متبرجات.
والتبرج قد نهى الله عنه في قوله تعالى: { غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ } (60) سورة النــور، وذكرت عائشة رضي الله عنها أن نساء من المؤمنات يشهدن صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم متلفاف بمروطهن، المرط: هو الكساء الذي تلبسه على رأسها، فمعناه أنهن يصلين متلففات أو متلفعات، يعني قد يسترن جميع أبدانهن بهذه المروط التي هي الأكسية، ولو كن يكشفن الوجوه ونحوها ما ذكرت أنهن متلففات أو متلفعات.
وفي حديث محظورات الإحرام قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفاذين"، والنقاب هو الستر الذي يفصل على وجه المرأة، ويسمى البرقع، وفيه نقوب بحذاء العينين تنظر منهما المرأة، منعها من لبسه في الإحرام، وهذا دليل على أن لبسه معتاد في غير الإحرام، فقد كان النساء في الجاهلية وفي الإسلام يلبسن النقاب، ولا يتركنه أمام الرجال الأجانب.
هكذا تدل هذه النصوص على وجوب ستر المرأة وجهها بالنقاب والخمار وما أشبهه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }: (إن على المرأة أن تستر نفسها بالخمار أو الجلباب، وتبدي عينًا واحدة تنظر بها الطريق)، فهذا كله يدل على أن ستر الوجه كان معمولاً به في الإسلام، وإنما الجاهلية قد يتساهلون بذلك، كما قال تعالى{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } (33) سورة الأحزاب.
ولما كثر مجيء النصارى إلى البلاد الإسلامية، وأمروا نساءهم بكشف الوجوه، خيل إلى من يعظمهم أن هذا من التقدم، وأن التشبه بهم فيه ترفع عن العادات القديمة، فاعتقدوا أن النقاب والخمار واللثام والجلباب أمور تقليدية ليست من الإسلام، فحملوا على النساء، وألزموهن بنزع الخمار ونزع الحجاب، الذي أمر الله به نساء المؤمنات في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ } (53) سورة الأحزاب، فالحجاب هو ستر المرأة نفسها، وبالأخص محاسنها، لئلا تحصل الفتنة، فإن النظر إلى المرأة في حال تكشفها سبب لانتشار الفواحش وتمكنها، ولذلك أمر النساء والرجال بغض البصر، في قوله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} (30) سورة النــور، ثم قال: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} (31) سورة النــور ، هكذا جاء الإسلام بإبعاد المرأة عن الفتنة وعن وسائلها وأسبابها، حتى روي عن فاطمة رضي الله عنها قالت: (خير ما للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال).
والأدلة على هذه المسألة كثيرة مشهورة، لا يقدر هؤلاء على ردها، ذكر أكثرها الشيخ/ حمود التويجري في كتابه: ((الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور)، وكذلك الشيخ/ بكر أبو زيد، والشيخ/ ابن باز، وكثير من العلماء الذين كتبوا في هذا الموضوع، ولا يستطيع دعاة التبرج أن يردوا تلك الأدلة، وإنما يتعلقون بواقع الناس، وبما عليه الأكثرون، ولا عبرة بالأكثرية. والله أعلم.
قاله وأملاه
عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين
14/10/1427هـ