بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ | محمدالحصم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فهذه -بحمد الله- الطبعة الثانية لكتاب "الرد على العنبري"، وقد زدت فيها بعض الزيادات المهمة، فأضفت أقوالاً أخرى لبعض العلماء حول تحكيم القوانين الوضعية، كما أضفت ردوداً أخرى حول بعض القضايا التي أثارها العنبري كما في تفسير قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً}،
وقوله تعالى: {فلاوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}. وفي مسألة التفريق بين الكفر المعرف باللام والكفر المنكر في الإثبات، وغير ذلك.
وقد قمت بقراءة الكتاب على صاحب الفضيلة العلامة الشيخ عبدالله ابن محمد الغنيمان -حفظه الله ورعاه- وطلبت منه إبداء رأيه فيه،فتفضل مشكوراً بتقريضه، فأسأل الله سبحانه أن يجزيه خير الجزاء، وأن يبارك فيه وفي علمه. وعرضت الكتاب أيضاً على فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان -وفقه الله-، فتفضل بقراءته، وإبداء بعض التصحيح والتعليق عليه، فجزاه الله خيراً وبارك فيه وفي علمه.
والله المسؤول أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يجعله خالصاً لوجهه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد الله رب العالمين.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين،ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد.. فهذا رد موجز ومناقشة سريعة لكتاب "الحكم بغير ما أنزلالله وأصول التكفير" لمؤلفه خالد بن علي العنبري، فقد خاض هذا الكاتب -هداه الله- بما لا يحسن، وقرر ما لا يعلم، واختلق أقوالاً على أناس لم تخطر ببالهم، وأساء فهماً بأقوال آخرين، وزعم أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يكون كفراً إلا بالإستحلال كسائر المعاصي، فلم يفرق بين صورة وصورة، فلم يفرق بين المشرع وغيره، بل عمم القول على ذلك، بل تجرأ وزعم الإجماع على ذلك، وهذا غاية في الإستخفاف بالعقول اضطرالكاتب معها إلى الكذب والتدليس وإغفال بعض الأقوال وبتر بعضها كما سيظهر.
أضف إلى ذلك ما ابتلي به هذا المسكين من الثناء على نفسه وبحثه، فنسأل الله العافية، فخذ مثلاً قوله عن كتابه (10): "ولا أحسب أن في الكتب المعاصرة من نسج على منواله في التجرد والموضوعية، والوقوف على النصوص القرآنية والحديثية بفهم سلف الأمة وأئمة أهل السنة"، وخذ أيضاً قوله (19): "لا ينبغي لمؤمن أن يخوض في مسائل التكفير من قبل أن يقف على أصوله، ويتحقق من شروطه وضوابطه، وإلا أورد نفسه المهالك والآثام وباء بغضب الرحمن، وذلك أن مسائل التكفير من أعظم مسائل الدين وأكثرها دقة لا يتمكن إلا الأكابر من أهل العلم الواسع والفهم الثاقب. وهذه أهم أصوله وضوابطه وشروطه:..". إلى غير هذه من العبارات التي يشير بها الكاتب إلى سعة علمه واطلاعه، وكأنه بهذا يخاطب عمياً صماً لا يفهمون الخطاب ولا يدركون مواطن الخلل، ولقد أحسن القائل:
<H4>ودعوة المرء تطفي نور بهجته هذا بحق فكيف المدعي زللا
فنسأل الله العافية. ولم أقصد في هذا الرد تتبع كل ما في كتاب العنبري من أخطاء والرد عليها،وإنما اقتصرت على أهم مسألة تطرق لها الكاتب وهي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله،وإلا فهناك مسائل أخطأ الكاتب في تقريرها وتناقض فيها كما في كلامه على كفر العمل وزعمه أنه لا يخرج من الملة إلا إذا دل الجحود والتكذيب أو الاستخفاف والاستهانة والعناد (قـال الشيـخ سليمان بن علوان -حفظه الله-: "وهذا مذهب غلاة المرجئة والجهمية كما تراه مبينا في كتب أئمة أهل السنة، كالسنة للخلال، والإبانة لابن بطة،ومؤلفات ابن تيمية، وغيرها كثير. ومن قبل قد كتب بعضهم كتابا أسماه "إحكام التقريرلأحكام مسألة التكفير"، فخاض بما لا يحسن، وقرر ما لا يعلم، وزعم أن تارك جنس العمل لا يكفر، فخالف بذلك الكتاب والسنة وما عليه أئمة السلف، والعجيب أنه نسب ما في كتابه من محض الآراء ومذاهب أهل الإرجاء إلى أئمة السلف حتى كاد ينقل الإجماع عليه،فانتدب لرد أباطيله وكشف تلبيساته وبيان جهله في هذه المسألة الكبيرة مجموعة منطلبه العلم، كما أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشادب رئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -حفظه الله- بيانا في خطورة هذا الكتاب وتحريم بيعه وشرائه لما يشمل من العقائد الفاسدة، وتقرير مذهب المرجئة ولبس الحق بالباطل") وغير هذه من المسائل. وقبل الشروع في الرد لا بدأن أبين أموراً ثلاثة: * الأول: إن منهج السلف أنمن كفر أحداً من هذه الأمة وهو مجتهد في تكفيره ومستدل بالنصوص وبأقوال أهل العلمفإنه مأجور على كل حال، وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ -رحمه الله- في كتاب (الإتحاف في الرد على الصحاف) (30): "وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه، وقد رأى كفراًبواحاً كالشرك بالله وعبادة ما سواه، والإستهزاء به تعالى أو بآياته أو رسله أوتكذيبهم أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق، أو جحود الحق أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور، مطيع لله ورسوله" ا.هـ. فإذا عرفت هذا عرفت ضلال من يحكم على مخالفه في هذه المسألة بأنه خارجيأو تكفيري أو مبتدع، ويفسد بين شباب الأمة ويثير الفتن ويعقد الولاء والبراء على ذلك، بل بعضهم لا يفتأ يذكر ذلك حتى على صفحات الجرائد، ثم يزعم بعد ذلك ظلماًوجوراً وبهتاناً أنه على منهج السلف والسلف ومنهجهم منه براء، كما قال الشاعر:
راحت مشرقة ورحت مغربافمتى لقاء مشرق ومغرب