بسم الله الرحمن الرحيم
مداخلة المداخلة
كنت قد زوّرت في نفسي كلاماً يتمحور حول مقال نُشر في موقع "الإسلام اليوم" بعنوان "استهداف المنشآت الحكومية...شرارة الاحتراب الداخلي" بتاريخ 18/11/1425 الموافق 30/12/2004 .. ولكن بعض الإخوة – جزاهم الله خيراً - نقلوا لي مقالة أخرى هي أجدر بأن يُعلّق عليها ، وهي بعنوان " مداخلة حول العنف والدعوة" كتبها الشيخ العلامة "سلمان بن فهد العودة" – حفظه الله – بتاريخ 20/11/1425 هـ الموافق 01/01/2005 للميلاد ..
لقد نقلت مقالة الشيخ بكاملها هنا وجعلت التعليق عليها متسلسلاً بترتيب مقالة الشيخ حتى يكون الكلام متناسقاً ، ولهذا طالت هذه المقالة ، وأنا أعتذر مقدماً عن الإطالة .. سأجعل كلام الشيخ بين معكوفين [...] ثم تكون المداخلة أسفل منها ، إن شاء الله تعالى ..
قال الشيخ حفظه الله [أحداث العنف التي تعيشها السعودية اليوم نمط مشابه إلى حد كبير لما كان يجري في مصر والجزائر قبل سنوات]
أقول : الذي حدث في مصر يا شيخ كان : اعتداء فراعنتها على أعراض المسلمين الذين أعلنوا الحرب على يهود ، ولا أظنك تجهل كم هُتكت من أعراض في تلك السجون ، ولا أظنك تجهل ما كان ينوي هؤلاء فعله بالسيدة الفاضلة "حميدة" أخت محمد وسيّد قطب رحمه الله ، ودونك محمد فاسأله .. الذي يحصل في الجزائر من القتل للمدنيين أغلبه من الجيش والمخابرات الجزائرية المدعومة من الحكومة الفرنسية والصهاينة ، فحكام الجزيرة يستعينون "بخبراء" المخابرات المصرية في تعذيب المجاهدين ، فإن كنت تقصد هذا الشبه فأنت محق ، وإن كنت تقصد غيره فنرجوا التوضيح ..
قال الشيخ حفظه الله [وإذا اختلفت الأسماء بين الجماعة الإسلامية والجهاد في مصر والجماعة المسلحة في الجزائر إلى تنظيم القاعدة؛ فالأمر كما قيل: تنوعت الأسماء ... والموت واحد!]
أقول : بل تنوّعت الأسماء ، والجهاد واحد ..
قال الشيخ حفظه الله [وقد تلتقي عند هذه الأعمال التدميرية آمال المحبطين واليائسين والمقهورين أو حتى المظلومين وأحياناً من لا يزالون في مقتبل سني حياتهم ولم يتلقوا من النظر العقلي الراشد أو من التجربة الحياتية الغنية ما يجعلهم يتقنون فن التقويم ويضبطون زاوية الرؤية. ]
أقول : أأنت يا شيخ أرشد من الشيخ حمود العقلا ، أو نظام الدين شامزي ، أو المولوي يونس خالص ، أو المولوي جلال الدين حقاني ، أم أنت أرشد وأعلم بالسياسة من أسامة بن لادن الذي خاض حرباً ضروساً ضد السوفييت ، فصيّر الله على يده ويد إخوانه هذه السوفييت إلى روسيا ، أم كل هؤلاء محبطين ويائسين !! إن هؤلاء اليائسين المقهورين المحبطين : هزموا السوفييت في أفغانستان والشيشان ، وهزموا الصرب والكروات في البوسنة ، وهزموا أمريكا في الصومال وأذاقوها – ولا يزالون – العلقم في الفلوجة وبغداد ، فلله درهم من يائسين من البشر ..
قال الشيخ حفظه الله [هذه الأعمال انتحار لأن أصحابها أغلقوا على أنفسهم المنافذ وسدوا الأبواب وأحكموا الحصار؛ فلم يعد أمامهم المزيد من الخيارات]
أقول : هذه مجازفة وتعميم كان ينبغي أن ينأى الشيخ بنفسه عنه ، فما مثله يقول هذا !! وأما كونها إنتحار قهذا يحتاج إلى دليل شرعي ، فمسألة الإنغماس في العدو ومسألة التترس من سنن الجهاد منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم !!
قال الشيخ حفظه الله [والمقطوع به في سجل الحياة أن الإنسان كلما وسّع الخيارات على نفسه كان أرشد وأوفق؛ لأنه قد يبدو له في الغد ما لم يكن اليوم له في حساب ورحم الله العقاد إذ يقول:
ففي كل يوم يولد المرء ذو الحجا .... وفي كل يوم ذو الجهالة يلحد]
أقول : أتريد من شباب الإسلام أن ينتظروا الغد !! بعد أن يُهتك العرض وتمتلئ بطون حرائر المسلمات من أبناء الزنا !! بعد أن ينتهي الصليبيون من هتك عرض الرجال والنساء والأطفال (كما حصل في أبو غريب) !! بعد أن يُدمّروا مدن الإسلام (كما فعلوا في الفلوجة) على رأس من فيها !!
ليس كل انتظار – يا شيخ – محمود ، فقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : من أكثر النظر في العواقب لم يشجع. وقال رضي الله عنه : انتهزوا الفرصة فإنها تمر مر السحاب ولا تطلبوا أثراً بعد عين .. وقد قال عنترة بن شداد :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد .... لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فبعض الإقدام في وقته خير من كثير من التأخير ، وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لما علم أن الروم يجمعون للمسلمين ، ولم ينتظرهم حتى يدهموا جزيرة العرب بجحافل جيوشهم : فيقتلوا النفس ويهتكوا العرض ..
قال الشيخ حفظه الله [وفي القول أو الفعل؛ أن تجعل لنفسك العديد من الخيارات فذلك أصوب من ركوب طريق قد تحملك عليه لجاجة أو غضب أو تؤزّك عليه نزوة تزول؛ فإذا أنت مكبّل اليدين في الدنيا عاجزاً عن التدارك أو معايناً للخسار في الآخرة ولات ساعة مندم.]
أقول : ومتى كان جهاداً فرضه الله من فوق سبع سموات ، وأجمع على فرضيته العينية أهل العلم قاطبة : خسارة !! قال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}(الصف : 10- 13) ، فما نعتّه أنت بالخسارة أخبرنا الله بأنه خير وتجارة .. ثم إن الجهاد إذا تعيّن كان فرضاً على كل قادر من الرجال : الخروج ، وهذا مُجمع عليه ، ولا تجتمع أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ، فأي خسارة في حكم أجمع عليه علماء الأمة قاطبة !! وإنما الخسارة أن تختار طريق غير الجهاد وقد تعيّن ، وهذا كمن دهمه وقت الصلاة فاختار أن يحفر بئراً للفقراء حتى خرج وقت الصلاة المفروضة عليه ، وكان يستطيع أن يصلي ثم يستأنف الحفر ، ولكنه ترك عبادة الوقت لعبادة أُخرى فكان مُخطئا آثما وهو يحسب أنه يُحسن صُنعا !!
قال الشيخ حفظه الله [وما بي هنا أن أدخل أحداً جنة ولا ناراً لكنه الحساب]
أقول : نعم ، إنه حساب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (التوبة : 38-39) ، وأي حساب !!
قال الشيخ حفظه الله [وقد تأملت سياسات الدول الكبرى فرأيتها لا تحكم بخيار واحد ولكنها تضع نفسها ما استطاعت في الدائرة التي تمكنها من تطوير خياراتها ومراجعة مسيرتها وعدم الاستئسار أو الالتزام بطريق لا محيد عنه. وهذا ممكن في حالات كثيرة ولكنه يعز على مَن حمل السلاح واحتكم إلى البندقية وأحرق السفن.]
أقول : ونحن تأملنا كتاب ربنا فوجدنا فيه {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (النساء : 75) ، وإنه والله يعز على رجالنا أن يسمعوا صراخ النساء والولدان واستنصار الرجال ثم يحيدوا عن السلاح !! إنما يكون هذا الخيار وهذا التراخي في جهاد الطلب الذي هو فرض كفاية ، أما جهاد الدفع فيتعيّن على المسلمين القيام به في وقته ، وقد حكم بفرضيته رب العزة من فوق سبع سموات ، ومن كان يظن بأنه أفقه في السياسة من خالق الأرض والسموات فهو مجنون ، والعبادات الموقوتة بوقت لا يجوز تأخيرها عن وقتها بغير دليل شرعي ، ولا دليل على تأخير الجهاد إذا دهم العدو بلاد المسلمين ، وليس تأخيره من السياسة بل هو من التثاقل إلى الأرض كما قال رب الأرض .. ولا فرق بين من يقول بتأخير الجهاد المتعيّن وبين من يقول بتأخير صيام رمضان إلى صفر حتى يستعد الناس للصيام ، فهذا لا يقوله عاقل !!
قال الشيخ حفظه الله [ثم هي أعمال تدخل في دائرة التدمير باعتراف أصحابها قبل غيرهم؛ فهي لا تبني بيتاً ولا تؤسس جامعة ولا تنشئ مدرسة ولا تقيم مصنعاً ولا تفتح شارعاً ولا تُعلِّم جاهلاً ولا تُرشد ضالاً، ولا تطعم جائعاً ولا تعالج مريضاً ولا تكسو عارياً...، ولا...، ولا.... ]
أقول : المدارس والجامعات والمصانع والشوارع هدمتها ودمرتها صواريخ الكفار {.... وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج : 40) ، أما الجاهل والضال والجائع والمريض فهؤلاء لا بقاء لهم إن تمكن العدو من بلاد المسلمين ، والشيخ أعلم الناس بكلام العلماء في مسألة المفاضلة بين الجهاد والجياع .. ثم من قال للشيخ أن لا يكسوا ولا يُعلّم ولا يُرشد !! إفعل ما بدى لك من المصالح ، واترك من لبّى نداء ربّه ليكفيك فرض عين عليك !!
قال الشيخ حفظه الله [إن جميع مشاريع البناء والتشييد والإعمار والتنمية عندها مفقودة أو مؤجلة على أقل تقدير ومؤجلة إلى متى؟!]
أقول : إلى متى !! عجيب - والله - هذا السؤال !! قال تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (الأنفال : 39) ، وقال تعالى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة : 29) .. {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...} (محمد : 4) ، إذا انتهت الحرب بيننا وبين أمريكا وخرج الكفار من بلاد المسلمين وأقيم شرع الله في البلاد جلس المجاهدون معك ليشيّدوا ما ينفع المسلمين .. أما ما يفعله رعاء الشاء عندك من التطاول في البنيان وصرف الملايين على أماكن اللهو والترفيه التي فيها من المنكرات ما فيها فهذا من السفه والتبذير وليس من العمران في شيء ، وإنما العمران والبناء هو بناء الإنسان ..
قال الشيخ حفظه الله [مؤجلة إلى المستقبل الذي جرت السنة الربانية أنه لا يجيء؛ لأنك لا تجني من الشوك العنب!]
أقول : قال تعالى {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (104 النساء) ، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (111 التوبة) ، فإن كان الشوك في سبيل الله فما أعذب ألمه وجرحه :
وهل أنت إلا إصبع قد دميت .... وفي سبيل الله ما لقيت !!
وسيأتي اليوم الذي يجني فيه المجاهدون - أو ابنائهم - ثمرة هذا الجهاد : بعز عزيز أو بذُلّ ذليل ..
قال الشيخ حفظه الله [وليس أحد -والله أعلم- خاض معركة إلا وهو يتوقع النصر في نهايتها ما لم تكن المعركة مفروضة عليه لكن هناك من يصدق توقعه؛ لأنه ينطلق من إمكانية واقعية صادقة مبنية على رؤية وتخطيط وهناك من يخذله ظنُّه لأنه بناه على حماس شاعل في قلبه أو شجاعة جاهلية أو غضبة مضرية. ]
أقول : هذه والله المجازفة !! وهل خرج هؤلاء من جزيرة العرب لبلاد الأفغان والشيشان : لنُصرة ربيعة أو مضر !! إن الذي يقرأ قوله تعالى { فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} لا يتوقّع النصر في كل معركة، وإن الذي يقرأ قوله تعالى {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} (التوبة : 52) لا يتوقع أن يرجع إلى أهله سالماً على كل حال ، بل يتمنى أن لا يرجع لما يعلم من أجر الشهيد ، ما هي الواقعية والإمكانية التي جعلت عمير بن الحمام يلقي بالثمرات وينغمس في الأعداء !! أليس هو الحماس لجنة عرضها السموات والأرض !! إن الجهاد في حد ذاته نصر في هذا الزمان لأنه أداء واجب شرعي أوجبه الله من فوق سبع سموات وتوعّد المتخلّف عنه ، ورغم كل هذه الأباطيل والأراجيف وكل هذا التخذيل ، يخرج شبلب من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُجاهدوا في سبيل الله ، فهل هناك نصر للحق أعظم من هذا النصر !!
إن الحماس الذي يزعج الشيخ هو الذي جعل المجاهدين يخرجون من بلاد العرب لنُصرة الأفغان في حربهم ضد السوفييت الذين كانوا ينوون غزو بلاد العرب بعد أفغانستان (كما أعلن برجنيف وجورباتشوف) ، ولولا فضل الله ورحمته أن هدى هؤلاء الشباب للجهاد في أفغانستان وصد السوفييت لكان علوج الروس الصليبيين يلعبون بفروج وأثداء نساء قحطان وعدنان ، ولباع هؤلاء بنات هاشم وتميم في سوق النخاسة العالمية ، فبدلاً من أن نعرف لهؤلاء المجاهدين حقهم ، ونشكر لهم سعيهم : نقابلهم بمثل هذا الكلام !! والله لو أن أحدنا بات سنوات يمسح القذى عن نعالهم لما وفاهم حقهم : فأي شيء يفعله أو يدفعه الإنسان لهؤلاء "المتحميسن" مقابل ذبهم عن عرضه !!
لقد صدق توقع هؤلاء المجاهدين وانتصروا على السوفييت والأمريكان والصرب والهندوس ، وسوف ينتصرون على الحكام المرتدين : بإذن رب العالمين .. والواقعية في حقيقتها : التوكل على الله حقيقة ، ثم بذل الأسباب حسب القدرة والإستطاعة ، ومن فعل هذا فقد "نصر الله" : والله لا بد ناصره ..
قال الشيخ حفظه الله [ولأنها الخيار الوحيد؛ فإن صاحبها لا يسمع فيها نصح ناصح ولا يعبأ باعتراض معترض.]
أقول : أيريد الشيخ من المجاهد أن يسمع قول المتخلّف والقاعد وقد قرر أئمة الإسلام كأحمد وابن المبارك وغيرهم بأن أهل الثغور أولى أن يُسألوا عن أمور الدين !! هل يعترض عاقل على أداء فرض عين !! وهل يُعقل أن يرى الإنسان ما يرى على شاشات التلفاز ثم ينصح غيره بعدم الحراك !! يقول ابن تيمية رحمه الله "ولن يقوم الدين إلا بالكتاب والميزان والحديد" ، فالذي يريد كتاب وميزان بدون حديد فإنه يجهل معنى قوله تعالى {.... وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحديد : 25) .. فالكتاب يحتاج إلى الحديد لنشره ، والعدل يحتاج إلى الحديد لفرضه ..
قال الشيخ حفظه الله [وكيف يسمع مثل هذا في أمر لم يعد أمامه طريق سواه إلا أن يكون لديه من البصيرة أو التقوى الشيء الذي لو كان لديه لما سلك هذا المضيق أصلاً وإن كنا لا نحجر واسعاً؛ فتوبة الله تعالى وسعت العائدين إلى رحابه من الكفار فمن دونهم حتى أولئك الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات قال ربهم سبحانه: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)، ولكني أقول عن معاناة مع العديد من أولئك الذين تشربت نفوسهم هوى الافتتان واختصروا طريق الحياة الطويل اللاحب المتشعب بطلقة من رصاص أو سيارة مفخخة.]
أقول : وهذا مما يحار العقل فيه !! كيف يصدر هذا عن مثل الشيخ سلمان حفظه الله !! قال تعالى { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } (التوبة : 16) ، أيريد الشيخ أن يتوب المجاهدون من الجهاد !! أيريد أن يموت شباب الإسلام حتف أنوفهم والثغور أمامهم والعدو قد دخل دارهم !! خطب عبد الله بن الزبير الناس لما بلغه قتل مصعب أخيه فقال : إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه. إنا والله لا نموت حتفاً ولكن نموت قعصاً بأطراف الرماح وموتاً تحت ظلال السيوف. وإن يقتل مصعب فإن في آل الزبير خلفاً منه. إنما سميت سورة التوبة بهذا لأن كعب بن مالك وأخويه لم يخرجوا للجهاد ، فعاتبهم النبي وأمسك عن كلامهم حتى ضاقت عليهم الأرض ، فاجتهدوا في التوبة إلى الله حتى أتى قرآن من فوق سبع سموات بقبول توبتهم وسُمّيت سورة كاملة بتلك النازلة ، فالتوبة تكون من ترك الجهاد لا إتيانه ، وكان الرجل إذا تخلف عن الجهاد وذكروه لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لهم : " دعوه ، فإن يكن فيه خير فسيلحقه اللّه بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم منه" ..