يــاســر .. شــاب خـفـيـف المــعــشـر .. عــذب المنطــق .. علا على محيّاه
علامــات الصلاح .. وأمــارات الإستقامة .. عرفته في رحلة شبابية إلى منطقة
الجنــوب ..فكان أخاً باذلاً وخــلاًّ وفــيّا .. تــراه فتـذكر الله .. وتسـمـعـه فــإذا
هو يتفجـر با لحكمة .. كان صغيراً في سنّه كبيراّ في عقله ..
انتقل من المرحلة
المتوسطة إلى المــرحلة الثانوية .. شدّني كثيراً ذلك الموقف .. حينما عدنا من
منتزه الحبلة وقد قتلنا الإعياء والتعب .. فانصرف كلٌ إلى فراشه .. واستيقظت
على جلبة في الغرفة .. فرأيت أحـدهم قـــام .. انتظـرت عودته فتأخر .. قمت
لأرقـب الحـال .. فإذا هــو ياسـر .. يتقلـب في جنـان الدنيا يناجــي ربه .. وقد
أسبل دمعه خضوعا وخشوعا .. فكانت هذه العبارات ..]
دمعٌ ينساب كماء اللُجين .. بل أجمل
وفؤادٌ غسلته أنوار الحكمة .. وشآبيب الإنابة ..
وجسمٌ نحيل قتله حبُّ الليل .. ومداعبة سكونه ..
بالله .. أي خمرٍ تحتسي يا ياسر ..؟؟!!
حتى نلتَ هذا العشق وهذه النشوة ..
إيهٍ يا ياسر ..
دعِ الخطّان الأسودان يحكيان لنا مسيرة الدموع ..
مسيرة الخشوع ..
مسيرة الخضوع ..
مسيرة عُمْرٍ تقضّى في جوف الأسحار..
يبكي ويناجي ويبتهل ويتضرّع ..
قد أفلحَ القانتُ في جُنحِ الدّجى
فـقــائِــمــاً وراكعــاً وســاجداً
يَتلــو الكتـــابَ العَربيَ النَيّرا
مُتَبهـلاً مستَعْبــراً مُستغــفــِرا
دمعٌ لو ترقرق على وردٍ لاستطاب عبقه ..
ولو ترقرق على غصن ذاوٍ لأورَق ورقه ..
ولو ترقرق على زهرٍ لفاح شذاه ..
ولو تحدّر على أرض فلاة .. لاستحالت جنة الدنيا ..
أي نوع من البشر أنت يا ياسر ..؟؟
أوَ أنت من الخرافات ..؟؟
أو من الخيالات المستحيلات..؟؟
أسمعُ عن السلف ولم أرَهم ..
تُرى .. هل مضوا ونسوك ..؟؟
أم تُهت عنهم فأضاعوك ..؟؟
أم أُبقيت لتعلمنا دروس التنسّك والعبادة والربانية ..؟؟
ثــــم نـــاداه جهــــارا
لا تـــزمل بــالبجــــاد
وقــم الليــل اصطبارا
وتــــزود للـــمـــعــاد
واقترب واسجد مرارا
واجتنب طـول الـرقادِ
فظلام الـليــل جالــي
لـوجوه الـقـــائـمـينــا
فــاز من قـام الليالي
بصــلاة الخــاشـعـينا
دع عنك الأنانية ..!!
واتركنا نذق مما تذوق ..
ونرشف مما ترشف ..
ونعبّ من معينك الصافي ..
ومن منهلك العذب الزُلال ..
أم أن لهذا الليل سرٌّ لاندرك كنهَه ..؟!
و لانعرف حقيقته ..؟!
لقد أجبتني -يا ياسر- بلسان الحال ..
قبل لسان المقال ..
فلتسمني سوء العذاب ..
ولتتركني أبكي على حالي يا خلّي الوفيّ ..
فنياط القلوب .. قطّعتها سياط الذنوب ..
ولتتلذذ وحيداً غريباً يا ياسر ..
فكلنا لئام ..
كلنا نيام ..
..........
زرد
شبكة وثاب