بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
أحمدُ الله الذي لا إله إلا هو, وأشكرُه, وأثني عليه, وأستغفره, اللهم لا أحصي ثناء عليك, أنت كما أثنيت على نفسك.
إليك! وإلّا لا تُشـدُّ الركائبُ ** ومنك! وإلّا فالمؤمِّلُ خائبٌ
وفيك! وإلّا فالزَّمانُ مُضيَّعٌ ** وعنك! وإلّا فالمُحَدِّثُ كاذبٌ
لديك! وإلّا لا قرارَ يطيبُ لي ** إليك! وإلّا لا تسيلُ السواكبُ
وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كلّ شيء قدير, جَعَلَ الصلاة حبلاً واصلاً لمن وفّقهم بلُطف التّقدير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الشّاهدُ المُبَشِّرُ النَّذيرُ, والداعي إلى الله بإذنه, والسراجُ المنيرُ, صلوات ربّي وسلامه عليه عدد مخلوقات العليّ القدير, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بحسن تدبير. أما بعد:
تَبرّأتُ من حولي وطَوْلِي وقوّتي ** وإني إلى مولاي في غاية الفقرِ
له الفضلُ كلُّ الفضلِ أسلمت مُهجتي ** إليه فما لي حين أنساه من عذرِ
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ما يجتمع للعبد في الصلاة, لا يجتمع في غيرها من العبادات, كما عرفه أهل القلوب الحيّة, والهمم العالية" (الفتاوى: 16/512) وحيث أن الصلاة من الإسلام بالمحلّ الأرفع, والمقام الأجمع؛ فقد أحببتُ أن أُقرَّب لإخواني في الله وأبسط لهم رسالة شريفة سنيّة, خطّها يراعُ بحرٍ علّامة, وحبرٍ فهاّمة, إنه الحافظ شمس الدين محمد بن قيّمِ الجوزيّة, مَنْ سارت بركةُ علمه في الأمّةِ مسير الشمس, صبّ الله شآبيب الرحمات على ذيّاك الرّمس. قد لخّصتُها من أحد ذخائره, وهو كتاب: (الصلاة وحكم تاركها: 146_159) ولا أطيل في التقديم, فالموضوع من العَظَمَةِ غايةٌ, والكاتب من العلماء آيةٌ. قال رحمه الله تعالى:
"قال تعالى: "وأقيموا الصلاة" (البقرة: 43) فأمرنا بإقامتها, وهو الإتيان بها قائمة, تامّة القيام والركوع والسجود والأذكار. وقد علّق الله سبحانه الفلاح بخشوع المصلي في صلاته, فمن فاته خشوع الصلاة لم يكن من أهل الفلاح, ويستحيل حصول الخشوع مع العجلة والنقر قطعاً, بل لا يحصل الخشوع قط إلا مع الطمأنينة, وكلما زاد طمأنينة ازداد خشوعاً, وكلما قل خشوعه اشتدت عجلته, حتى تصير حركة يديه بمنزلة العبث الذي لا يصحبه خشوع, ولا إقبال على العبودية, ولا معرفة حقيقة العبودية, والله سبحانه قد قال: "وأقيموا الصلاة" (البقرة: 43) وقال: "الذين يقيمون الصلاة" (المائدة: 55) وقال: "وأقم الصلاة" (سورة هود: 114) وقال: "فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة" (النساء: 103) وقال: "والمقيمين الصلاة" (النساء: 162) وقال إبراهيم عليه السلام: "رب اجعلني مقيم الصلاة" (إبراهيم: 40) وقال سبحانه لموسى عليه السلام: "فاعبدني وأقم الصلاة لذكري" (طه: 14) فلن تكاد تجد ذكر الصلاة في موضع من التنزيل؛ إلا مقروناً بإقامتها, فالمصلون في الناس قليل, ومقيم الصلاة منهم أقلّ القليل, كما قال عمر رضي الله عنه: الحاج قليل والركب كثير.