(1)
آداب النصيحة
آداب النصيحة
يُحكى أن الحسن والحسين مرَّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء. فاتفقا على أن ينصحا الرجل ويعلماه كيف يتوضأ، ووقفا بجواره، وقالا له: يا عم، انظر أَيُّنا حسن وضوءًا. ثم توضأ كل منهما فإذا بالرجل يرى أنهما يحسنان الوضوء، فعلم أنه هو الذي لا يحسنه، فشكرهما على ما قدماه له من نُصح دون تجريح.
***
النصيحة دعامة من دعامات الإسلام. قال تعالى: {والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر].
وقال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [متفق عليه]. وعن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. [متفق عليه].
وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح.
آداب الناصح:
الإخلاص: فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله.
الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [_النحل: 125].
عدم كتمان النصيحة: المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه، يقدم له النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم ست).
قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته) [مسلم].
أن تكون النصيحة في السر: المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
وما أجمل قول الإمام الشافعي:
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا. وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه جبلا، ولا ترسلوه جدلا، والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان.
الأمانة في النصح: فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد، ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر وأمانة.
آداب المنصوح:
أن يتقبل النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه.
عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [_البقرة: 206].
أخذ النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله لأرشد أموره) [الطبراني].
شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
http://www.marinamool.com/encyclopedia/index.php?book=2&id=23
http://www.8o8o8.com/encyclopedia/index.php?book=2&id=23
(2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
أما بعد
أيها الأخوة والأخوات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكر أن يحيى بن يزيد النوفلي كتب إلى أخيه في الله مالك بن أنس رضي الله عنها ، النصيحة
الآتية :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على رسوله محمد من الأولين والآخرين ، من يحيى
بن يزيد إلى مالك بن أنس ، أما بعد :
فقد بلغني أنك تلبس الدقاق ، وتأكل الرقاق ، وتجلس على الوطيئ ، وتجعل على بابك حاجباً ،
وقد جلست مجلس العلم ، وقد ضربت إليك المطي ، وارتحل إليك الناس ، واتخذوك إماماً ،
ورضوا بقولك ، فاتق الله تعالى يا مالك ، وعليك بالتواضع ، كتبت إليك بالنصيحة مني كتاباً ما
اطلع عليه غير الله سبحانه وتعالى ، والسلام " .
فكتب إليه مالك :
" بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، من مالك بن
أنس إلى يحيى بن يزيد ، سلام الله عليك ، أما بعد :
فقد وصل إليّ كتابك ، فوقع مني موقع النصيحة ، والشفقة والأدب ، أمتعك الله بالتقوى ،
وجزاك بالنصيحة خيراً ، وأسال الله تعالى التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
فأما ما ذكرت لي أني آكل الرقاق ، وألبس الدقاق ، وأحتجب وأجلس على الوطيئ ، فنحن نفعل
ذلك ، ونستغفر الله تعالى ، فقد قال الله تعالى :
( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيَّبَاتِ مِنَ الرَّزْقِِ ) الأعراف : 32
وإني لأعلم أن ترك ذلك خير من الدخول فيه ، ولا تدعنا من كتابك فلسنا ندعك من كتابنا ،
والسلام " .
من وحي هذا المثل الرائع في النصح تتبدى لنا أمور . . تنتصب منارات هداية ، وعلامات
رشد . . تضبط السلوك وتوجهه ، وتحسن الأداء وترشده ، وتسعى إلى تماسك الوشائج ،
وتمتين العلاقات والروابط ، كما ينبغي أن يكون ذلك كله بين الإخوان . . وفق المنهج الرباني
السديد ، الذي اختطه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
ونضع الدروس المستفادة هنا ، من هذا المثل الرائع في مجموعتين ، الأولى تخص الناصح ،
والأخرى تخص المنصوح ، علّنا بهذا ندرك جانباً مهماً من فقه " النصيحة " التي تداخلت فيها
المتشابهات ، وتشابكت بها المتباينات ، واشتطّ بها البعض عن طريقها ، وأخرجها عن نطاقها
، ولم يبق منها غير الرسم والإسم ، الذي بات للأسف يشكل استفزازاً عند المنصوح ، ذلك أن
الناصح اتخذها سبيلاً للقدح والتشهير . . لهذا سقنا هذا المثل بين علمين من سلفنا الصالح ،
علّنا نهتدي إلى الصواب . . وننتقي الطيب المستطاب . . فللأخ الناصح ، وللأخ المنصوح ، هذه
الشروط والضوابط ، المستفادة من واقع هذا المثل .
أولاً : في الناصح :
- لا بد أن يكون واضحاً في نصحه ، صريحاً في تحديد القضية .
- أن يعتمد الاختصار والإيجاز وعدم الإطالة ، مع الجزالة في
اللفظ ، والقوة في السبك ، بعيداً عن التقعّر والتكلّف .
- أن يذكر المحاسن التي عرف بها المنصوح ، وأن يشير إلى مكانته . . كمقدمة سريعة للدخول
إلى قلبه .
- أن يحرص على سرية النصيحة وكتمان أمرها .
ثانياً : في المنصوح :
- الرضا والقبول بمبدأ النصيحة ، وعدم التبرم بها . . ما دامت
في إطار النصيحة وتوافرت لها شروط ذلك .
- الدعاء للناصح بما يليق بشرف عمله هذا .
- إظهار الحرص على ضرورة استمرار التناصح بين الإخوان .
- الاعتراف بمضمونها إن كان حقاً ، وإن لم يكن الرأي الراجح .
- تأخير بيان الرأي الآخر في المسألة بعد كل ما ذكرنا ، حرصاً على استمرارية نهج المناصحة
في الدين والدنيا ، بين الإخوان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أملنا أن يحيا " فقه النصيحة " ، بصورته الصحيحة ، بين الإخوان حتى لا نفقد الخير العميم .
. الذي حتماً سيغيب حين تغيب " النصيحة " من حياة الدعاة إلى الله ، أو حين تؤدى بشكل
خاطيئ .
. بل النصيحة مقصود أعظم في الدعوة . .
إن لم تكن هي الدعوة كلها .
ولكن المراد هنا الإشارة إلى آداب النصيحة كمظهر من مظاهر
الحكمة في الدعوة ، وبخاصة إذا حاولنا البعد بالنصيحة عن
أن تكون تشهيراً وفضيحة .
يوضح ذلك في ما ذكره الحافظ ابن القيم - رحمه الله -
حين يقول:
( والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة
والشفقة عليه والغيرة له ، وعليه فهو إحسان محض يصدر
عن رحمة ورقَّة ، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان
إلى خلقه . . . . .) .
فهي دعوة إصلاح يجب أن يتمخض فيها الإخلاص لله ،
مع المحافظة على مشاعر المنصوح
على نحو ما سبق في المعالم السابقة
لئلا ينقلب النصح مخاصمة وجدالاً وشراً ونزاعاً .
ويؤكد جانب الدقة في هذا الأمر أن ذكر الإنسان بما يكره هو
أصل التحريم . . وقد قيل لبعض السلف : ( أتحب أن يخبرك
أحد بعيوبك ؟ فقال : إن كان يريد يوبَّخني فلا ) .
ولا يكاد يفرق بين النصيحة والتعبير إلاَّ النية والباعث
والحرص على الستر ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن
يثرب أمته - أي يلومها على ذنبها - فقال عليه الصلاة
والسلام : ( إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا
يثرب ...... ) الحديث . متفق عليه .
يقول الفضيل : ( المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك
ويعيَّر ) وكانوا يقولون : ( من أمر أخاه على رؤوس الملأ فقد
عيَّره ) .
ذلك أن الناصح الصادق ليس له غرض في إشاعة عيوب من
ينصح له , وإنما غرضه إزالة المفسدة , وإخراج أخيه من
غوائلها .
وشتان بين من قصده النصيحه , ومن قصده الفضيحة , ولا
تلتبس إحداهما بالأخرى .
وكما قالت أم الدرداء : ( من وعظ أخاه سراً فقد زانه , ومن
وعظه علانية فقد شانه ) .
النصيحة في الدين مكانتها عظيمة، ومنزلتها عند الله عالية رفيعة،
وحاجة الإنسان، كل إنسان للنصح لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب و الهواء، لذلك حصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الدين فيها فقال: "الدين النصيحة" ثلاثاً، لأنها بها قوامه
و صلاحه؛ وعندما قيل له: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين،
وعامتهم."
(3)
ثالثا: الدين النصيحة
1-وجوب النصيحة:
أما قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث : (( وإذا استنصحك فانصح له)). فهذا أدب ثالث يبينه عليه الصلاة والسلام لنا، وهو شعار المحبة، وهو الواجب الشرعي علينا بعضنا لبعض.
فالنصيحة واجبة عند أهل العلم، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند مسلم. : (( الدين النصيحة ، فقلنا: لمن؟ قال : لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
وقد قال صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين ، وهذا من باب النصيحة : (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلنا: يا رسول الله، ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال : ترده عن الباطل فإن ذلك نصره)).
فالواجب علينا أن نتناصح فيما بيننا ، والإنسان لا يسلم من الخطأ والنسيان، ونحن جميعاً يعترينا النقص والخطأ في كثير من تصرفاتنا، لأن العصمة لرسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فالواجب علي الأخ إذا رأي أخاه قد أخطأ في مسألة، أو في اجتهاد أو في تصرف، أو في أسلوب، أن يذهب إليه وينصحه، ولن يجد الناصح إلا الحب والدعاء والبشر والاستقبال الحسن. يقول علي ـ رضي الله عنه ـ : (( المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة)).
فإذا رأيت الإنسان ينتقد إخوانه وينالهم في المجالس، ويتعرض لأعراضهم، ثم لا ينصحهم في وجوههم، فأعلم أنه غاش لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم وللمؤمنين.
ومن علامة المؤمن إذا أراد أن يقوم أخاه أن يذهب إليه، ويأخذه علي حدة، وينصحه ويوجهه، ويحن عليه، ويتعاطف معه، ويتلطف به حتى يقومه إن كان يريد النصح حقاً، وإن كان يريد التشهير بأخيه المسلم فالله يتولاه، والله حسيبه، والله من رواء قصده.
وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ في كتابه طريقة الأنبياء في الدعوة، وأنها قامت علي النصيحة، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية62) ويقول لهم ـ أيضاً ـ )وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ)(هود: الآية34) وهذا نبي الله صالح عليه السلام يقول لقومهك )َ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية79). وقال شعيب: ) يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُم)(لأعراف: الآية93) فهؤلاء هم أنبياء الله ـ عز وجل ـ وصفوة خلقهن ومن تشبه بقوم فهو منهم.
3-آداب النصيحة:
للنصيحة آداب ثلاثة: الأول: الإخلاص، الثاني اللين ، والثالث: الإسرار بها.
وكثيرا ما يخطي العبد، فنحن لسنا معصومين من الخطأ ، وغني اكرر ذلك ليعلم الناصح أن الخطأ والنسيان شيء عادي مركوز في أصل الجبلة، فلا يتعصب في نصيحته. يقول الشاعر:
من ذا الــــذي ما ساء قط
ومـــن لــه الحسنى فقط
ويقول الآخر:
تــريد مهذباً لا عيب فيه
وهل عودة يفوح بلا دخـــــان!!
ويقول ثالث:
ولســـت بمستبق أخاً لا تلمه
علي شعث أي الرجال المهذب؟!
ويقول رابع:
من ذا الذي ترضي سجاياه كلها
كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه
وإن الإسرار بالنصيحة من هديه صلي الله عليه وسلم فإن النصيحة علي رءوس الأشهاد فضيحة.
قال الشاعر:
تغمدني بنصحك في انفراد
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضي استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري
فلا تجزع إذا لم تلق طاعــه
وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: (( رحم الله امرأً أهدي إلي عيوبي، وكان يستمع للصحابة وهم ينصحونه)).
***
أدخل هذا الرابط للشيخ عائض القرني فيه توجيهات كثيرة ومفيدة
(4)
: طبيعة النصيحة:
النصيحة من أهم خصائص الداعية فهي عبارة عن أداة جوهرية للإثراء الحقيقي والمخلص في المجتمع. وقد عرّف النبي عليه السلام الدين بأنه النصح للمسلمين بقوله: "الدين النصيحة" قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم".
إن أهمية هذه الصفة تتضح من حقيقة أن النبي عليه السلام قد أخذ البيعة من جرير بن عبد الله وغيره من الصحابة على ثلاثة أفعال: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتقديم النصح لكل مسلم. وتعني عبارة "كل مسلم" الحاكم والمحكوم.
فإذا ما ادعينا أننا نحب إخواننا المسلمين فإن أحد معايير هذا الحب هو ذلك القدر من النصح المخلص الذي ننقله إليهم. إذا لم نفعل ذلك فإن حبنا سيكون سطحيًا، وسيكون ادعاؤنا كلامًا وليس شعورًا دافئًا من القلب.
لقد كان تقديم النصيحة هو رسالة كل رسل الله؛ فقد ورد على لسان هود (عليه السلام): "أبلغكم رسلات ربي وأنا لكم ناصح أمين".. وكذلك نبي الله شعيب (عليه السلام): "… لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم" (سورة الأعراف: 93).
ثانيا: النصيحة كوسيلة لمعرفة الذات:
إننا كبشر نؤدي أعمالنا بدون ملاحظة أنفسنا أثناء ذلك، وهذا يمثل من دون شك تحديدًا لقدراتنا، لكن الله سبحانه وتعالى عوضنا عن هذا التحديد بأن جعل المؤمنين مرآة بعضهم لبعض. ومن خلال إخواننا يمكننا أن نراقب أعمالنا عندما نؤديها.
ووفقًا للتعاليم النبوية فإن المؤمن مرآة أخيه.
فالمرآة تعطينا صورة حقيقية لا أكثر ولا أقل، وعلينا أن نفعل الأمر نفسه حينما ننقل الصورة إلى إخواننا عن طريق النصيحة.
إن الإنسان الحكيم يستفيد من النقد الموجه إليه وذلك بتصحيح الأخطاء التي يراها الآخرون فيه ولا يلحظها هو. وفي الحقيقة، فإن الصديق المخلص الذي ينقل النصيحة يعد صديقًا لا يمكن الاستغناء عنه في هذه الحياة. وقد دعا عمر رضي الله عنه ربه مرة فقال: "رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي" والنصيحة هي اتصال ذو اتجاهين؛ ذلك أن على الشخص المنصوح أن يرحب بالنصيحة بقلب سمح وعقل منفتح ووجه مبتسم وتعبير بالامتنان والتقدير يتبعه تصميم وعزم على الشروع في العمل نحو تحقيق التحسن المطلوب.
ومن جهة أخرى، فإن المرء الناصح عليه أن يكون صبورا وحاذقا في استخدام الكلمات المناسبة والجو النفسي المناسب، ويجب ألا يتقاعس أو يثبط من عزمه إذا لم يكتشف حدوث تغيير فوري في موقف مَن وجه إليه النصيحة أو في سلوكه، إنّ مثل هذه التغييرات عادة ما تحتاج إلى فترة زمنية تنقضي بين الاقتناع ثم العزم والتنفيذ
.
وحتى يكون الناصح أكثر فعالية وتأثيرا عليه أن يظهر الحب ويبدي الود والإخلاص، كما أن نغمة النصيحة يجب ألا تنم عن شعور بالتفوق والاستعلاء أو عن لوم أو سخرية أو اتهام، وطبقا للتوجيهات الإسلامية يجب أن تؤدى النصيحة سرًا وليس علنًا لمنع إظهار أي شعور سيئ. إن الهدف من النصيحة هو تصحيح العيوب لدى الأفراد وليس إشاعة أفعالهم السيئة أو فضحهم.
وبينما يتعين علينا فتح صدورنا لتلقي النصيحة يجب أن نحترس من أن يخدعنا أحد، مثلما أزلّ الشيطان أبوينا وأخرجهما من الجنة.. "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" سورة الأعراف، أو كما مكر يوسف بأخيهم: "وإنا له لناصحون" سورة يوسف.
ثالثا: النصيحة كواجب
إن تقديم النصيحة واجب علينا، بغضّ النظر عن الطريقة التي يتم تلقيها بها، إذ قد لا تلقى النصيحة قبولا طيبا:
"لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين" سورة الأعراف: 79، ولقد ذكرنا النبي عليه الصلاة والسلام بأمم هلكت لإهمالها النصيحة، والأهم من ذلك هو ضرورة تقديم النصيحة لوجه الله سبحانه وتعالى وحده وليس لأي غرض دنيوي.
وفي هذا الصدد على كل داعية أن يكون قدوة حسنة للممارسة الصحيحة لهذه الفضيلة، ويجب ألا نصاب بالإحباط من الذين يَبدون غير مكترثين عن تلقيها في وقت ما كانوا مقدّرين وممتنين تماما في قلوبهم فيما بعد.
وثمة كلمة تحذير: إن إسداء النصيحة إلى شخص لا يعني بالضرورة أن رأينا حول هذه القضية رأي صحيح وسليم، قد نكون نحن على خطأ ويكون الشخص الذي نوجه إليه النصيحة على صواب، في مثل هذه الحالات فإن ممارسة النصيحة يجب ألا تتحول إلى جدال عقيم، بل يجب أن تكون بمثابة النقاش الأخوي، هذه هي المسئولية التي يتشاطرها كل من الناصح والمنصوح.
دعونا نوجز فيما يلي المبادئ القرآنية حول هذه القضية:
1- إن إسداء النصيحة كان على الدوام رسالة الرسل.
2- إن النصيحة لا تلقى القبول الطيب في بعض الأحيان.
3- يتعين علينا أن نحتاط حتى نتجنب أن ننخدع بالنصيحة.
4- إن مسئوليتنا هي تقديم النصيحة، لكن النصيحة لا تؤتي ثمارها إلا بإذن الله سبحانه وتعالى.
رابعا النصيحة في مجال التطبيق
أ- من العموميات إلى الخصوصيات:
يقول الله سبحانه وتعالى: "وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" سورة الذاريات.
إن التذكرة ليست هي التعليم لأنها تفترض أن المعرفة متوافرة بالفعل، والمعرفة واجبة ولكنها ليست كافية، إننا في بعض الأحيان ننسى وفي أحيان أخرى لا نعي سلوكنا، وعندما نؤدي عملا ما لا نرى أنفسنا، لكن الآخرين يروننا، وإذا لم يخبرونا بالكيفية التي نتصرف بها فإننا نظل غير مدركين لعناصر القوة أو نقاط الضعف فينا، ويعتبر هذا عائقا لدينا، لكن الله سبحانه وتعالى أوضح لنا أن الحل يأتي من اشتراكنا في مجتمع الذكرى والتذكير.
أولا: هناك التذكير المستمر لله سبحانه وتعالى: لقد نظّم الإسلام ذلك من خلال أداة الذكر: "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار" سورة آل عمران.
ثانيا، المستوى السلوكي للمؤمنين، وهذا يأتي في الحديث عن طريق: "المؤمن مرآة المؤمن".
في المرآة العادية يرى المرء نفسه بدقة وتتحدث المرآة إليه حديثا بصريا مرئيا، أما في المرآة الأخوية فإن على المؤمن أن يتحدث بصوت عال إلى أخيه، وهنا مكمن الإخفاق والفشل، إن إخواننا غالبا ما يرغبون في تصحيح أخطائهم إذا ما عرفوها، لكن إذا كان الأخوة المراقِبون لا يحددون لهم أخطاءهم فإن المخطئ سيواصل تكرار الخطأ، وفضلا عن ذلك، فإنه لا يكفي أن نخبر أحدا بأن يكون نظيفا لأنه يعرف أنه يتعين عليه أن يكون نظيفا.. عليك أن تنتقل من العموميات إلى الخصوصيات، وعليك أن تبين له مثلا أن رائحة كريهة تنبعث منه أو أن رائحة فمه غير طبيعية أو أن ملابسه قذرة، إلى غير ذلك من التفصيلات المحددة، لكن بأسلوب مهذب رقيق لئلا تكون النتيجة عكسية.
ب- من المعرفة إلى السلوك:
في العمل الميداني علينا أن ننتقل من مستوى العموميات إلى مستوى الخصوصيات كلما سنحت الفرصة، وبهذه الطريقة فإن الشخص الذي يتلقى النصح يدرك أين تكمن المشكلة ويبدأ بالتصحيح، وهكذا، فبمجرد أن نحدد الخطأ يصبح واجبنا بيانه، وإلا فإن الأخ الذي يتعين النصح له سوف يجعلنا عرضة للحساب يوم القيامة.
وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي مرّ علينا سابقا: (رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي) يبين أن عمر يفهم تذكيره بعيوبه على أنها هدايا تُهدى إليه، وأنها في الواقع ليست هدايا قيمة فقط ولكنها هدايا ضرورية -إضافة مني بسيطة مع الاعتذار(وتكمن أيضا هنا في كلمة هدية الطريقة التي تُقدّم بها النصيحة فقد شبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تقديم النصيحة يكون مثل تقديم الهدية في الأسلوب الجميل وفي الأدب الجم الذي تُقدّم به الهدية إلى المهدى إليه والذي يجعل من ننصحه يزيد حبه واحترامه تجاهنا لا أن يغضب منا للأسلوب الذي قدمت به النصيحة إليه. والله أعلم))) -لا يمكن الاستغناء عنها ولا سيما في الوقت الحاضر؛ إذ فقدنا هذه الممارسة الجميلة.
إن هذه الممارسة تنبع من حبنا للآخرين واهتمامنا بهم، فإذا أنت أحببتهم فيتعين عليك أن توضح لهم أخطاءهم لا أن تفضحها للآخرين، ويتعين عليهم أن يتبادلوا معك ذلك، وإلا فإن الإيمان يصبح موضوع تساؤل وفقا للحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
وهذا هو نقيض الأنانية التي نجدها في المجتمعات المادية لأن الناس فيها يهتمون بأنفسهم فقط، إن غايتهم هي الحرية الشخصية للتمتع بالشهوات والانقياد وراء الرغبات، وهم بذلك غير ملزَمين أن يخبروا الآخرين ما لا يودّون سماعه.
إن هدفنا هو إقامة الحق في المجتمع حتى لو أدى ذلك إلى إخبار الآخرين بما لا يودون سماعه، وعلينا أن نبدأ حالا، ففي المرة القادمة عندما ترى أخاك يرتدي قميصا فَقَدَ بعض أزراره، أو يضع رباط عنق معوجا أو فتحة سرواله مفتوحة، أو أن تجد الطعام على وجهه ولحيته أو أن حذاءه غير مربوط بإحكام، أو أنه يتحدث بصوت عال -أن تذكره على انفراد وعلى الفور.. وعلى الشخص الذي وجهت أنت إليه النصيحة أن يكون شاكرا لك هذه الهدية العظيمة التي أهديتها إليه.
والله تعالى أعلم.
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?pagename=IslamOnline-Arabic-Ask_Scholar/FatwaA/FatwaA&cid=1122528612846 (5)
: معلوماتٌ منهجيَّة:
في منهجيَّة الكتابة في النصيحة، أرى ضرورة أن تشتمل على النقاط التالية:
1- معلوماتٌ أساسيَّة: معنى النصيحة لغةً وشرعا- فضل النصيحة- تاريخ النصيحة "الأنبياء أنصح الخلق للخلق"- حاجة الناس إليها- النصيحة العامَّة والنصيحة الخاصَّة- جهات النصيحة .
2- فرضيَّة النصيحة: النصيحة واجبة، فكلُّ ابن آدم خطَّاء، وما دام الأمر كذلك فترك التناصح خطر.
3- آداب النصيحة: التثبُّت- التماس العذر وافتراض الناصح الخطأ في فهمه هو- قبول المنصوح للنصيحة- سريَّة النصيحة.
4- متى نتوقَّف عن النصيحة؟
5- علاقة النصيحة بكلٍّ من:
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذ تدخل النصيحة في هذا الباب.
* أدب الاختلاف: إذ أدب الاختلاف تناصحٌ في الأساس، ويجب أن يكون للتناصح لا للتفاضح.
6- معنى النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم "الحديث".
القسم الثاني: كتبٌ وروابط:
- كتبٌ في النصيحة:
* الفرق بين النصيحة والتعيير للإمام ابن رجب الحنبلي.
* تجنُّب الفضيحة في تقديم النصيحة للإمام أبي بكر الحنبلي.
* النصيحة ومكانتها في الإسلام للأستاذ الأمين محمَّد أحمد.
* النصيحة شروطها وآدابها للأستاذ عبد الربِّ نوَّاب الدين.
* النصيحة شروطها وضوابطها للأستاذ عبد العزيز بن أحمد المسعود.
* أسلوب النصيحة في الكتاب والسنَّة للأستاذ محمَّد الأمين.
* النصيحة الدين للأستاذ عبد الرحمن السند.
* فصل "النصيحة لكلِّ مسلم" من كتاب "السلوك الاجتماعيِّ في الإسلام" للشيخ حسن أيُّوب.
- روابط في النصيحة:
* وجوب التناصح "مقالةٌ للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى":
وجوب التناصح
* النصيحة: لأخيك –بالسر –للولاة "محاضرة للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين":
النصيحة
* آداب النصيحة "من إعداد لجنة تحرير الفتوى بموقعنا":
آداب النصيحة
* ما النصيحة؟ وكيف تكون؟ "خطبة للأستاذ ابن رحال عبد القادر":
ما النصيحة؟ وكيف تكون؟
* معنى النصيحة، ومكانتها في الإسلام، وخطورة غيابها "خطبة للأستاذ محمَّد أحمد الفرَّاج":
معنى النصيحة ومكانتها في الإسلام
* النصيحة وآدابها "خطبة للأستاذ هشام عقدة":
النصيحة وآدابها
* النصيحة والفضيحة "خطبة للأستاذ محمد علي السعوي":
النصيحة والفضيحة
ختاماً أخي أحمد، هذا ما استطعت الحصول عليه أرجو أن يكون وافيا.
وأختم بما بدأت: أهلاً بك دائماً يا صديقنا الدائم.