حين تصرخ من قسوة الظلم
فلا تسمع سوى صدى صوتك .
وتتأوه من شدة الألم
فلا تجد غير رجع الأنين .
وتنهمر من عينيك العبرات من واقع القهر
فاعلم أنك تمتلك سهاماً نافذة
يغفل عنها الظالمون
ولا يغفل عنها رب الظالمين
تنطلق من قوس دعائك
لحظة أن تصدح بهتاف .. يارب .
حين تشكل ذنوبك سداً
يحول بينك وبين النور,
وحين تمثل آثامك قيداً
يمنعك من المسارعة في الخيرات ,
وحين يعلو الران وتستحكم الأقفال ,
فأعلم أن لك رب يغفر الذنوب جميعا
إذا سمع منك ابتهالات هتاف . . يارب
حين يضطرب الموج وتهيج العاصفة
وتطيش العقول ويعلو الصراخ ,
ويفتضح الضعف ويعترف الناس
بعجزهم .. وقدرته
وفقرهم.. وغناه
عندها تلهج الألسنة
في استماتة وضراعة
باستنجادات هتاف . . يارب
حين تحل النكبة وتستحكم البلية
وتتكسر النصال على النصال
وتربط حبال الخطوب عقدها ,
وتكون ظلمات بعضها فوق بعض ,
فتيقن أن نوراً عظيما
يبدد ديجاجير الظلمات ,
يشرق من ثنايا هتاف . . يارب
حين يستند الغني إلى ماله ,
ويعتمد القوي على بطشه ,
ويركن صاحب الجاه إلى نفوذه وسلطانه
فإن المؤمن يطرح كل هذه القوى بعيداً ,
ويستند إلى ربها وموجدها
ويأوي إلى ركن شديد ,
حينما تنطلق من أعماق أعماقه
استغاثات هتاف . . يارب
***(فضائل الدعاء)***
- أكرم شيء على الله
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
( ليس شيء أكرم على الله من الدعاء )
رواه البخاري
وسبب هذه الكرامة :
أن الدعاء معناه الضمني
هو تأكيد الإنسان لإنسانيته
بكل ماتحتويه من ضعف
وعجز وجهالة واعترافه
بقدرة الله وعظمته وقيموميته
أي إقراره بإن الرب رب والعبد عبد
2- لايرد القدر إلا الدعاء
باب الملك مفتوح وأبواب العبيد مغلقة ,
فإذا طرق عبد المغلق وترك المفتوح
وآثر إفلاس المفاليس
على غنى الغني فتعجب من حاله .
رأى أصحاب نور الدين محمود زنكي
كثرة إنفاقه على الفقراء والمساكين
ولا سيما طلبة العلم منهم
وشدة طلبه الدعاء منهم
فعوتب في ذلك
وقال " والله إني لا أرجو النصر
إلا بأولئك كيف
أقطع صلات قوم
يقاتلون عني وأنا نائم
على فراش بسهام لاتخطئ
( يقصد الدعوات )
وأصرفها إلى من لايقاتل عني
إلا إذا رآني بسهام
قد تصيب وقد تخطئ "
3- دعاء الذليل أفضل الطاعات
وبذلك أخبر الني صلى الله عليه وسلم:
فقال " أفضل العبادات الدعاء "
وما نال الدعاء ذلك الفضل
إلا لأن العبد فيه يرمي بنفسه
بين يدي خالقه ,
خارجا من حوله وقوته
إلى حول الله وقوته
مقراً بالإساءة العجز والجهالة ,
مسلما بكمال الله وقوته
يقول ابن قيم الجوزية
" دخلت على الله
من أبواب الطاعات كلها
فما دخلت باب إلا رأيت عليه الزحام ,
فلم أتمكن من الدخول فيه
حتى جئت باب الذل والإفتقار
فإذا و أقرب باب وأوسعه
لا مزاحم فيه ولامعوق "
فضائل أخرى
قال صلى الله عليه وسلم:
" ما من داع يدعو الله
إلا أتاه بها إحدى ثلاث :
إما أن يعجل له حاجته ,
وإما أن يعطيه من الخير مثلها ,
وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها "رواه الترمذي
فربما لم يجبك:
لكنك لاتعلم ما ردّه الدعاء
عنك من بلاء
وربما لم يجبك:
لأنه سبق في علمه
أن كفة حسناتك لن ترجح يوم القيامة
إلا أن يوزن فيها
أجر دعائك المؤجل إلى الآخرة ,
فإذا رأيت يوم القيامة
أن ما أجبت فيه قد ذهب
ومالم تجب فيه قد بقي ثوابه
قلت ليتك يارب لم تجب لي دعوة قط . .
وربما لم يجبك:
لسابق علمه أن الخير
في صرف هذا المطلوب عنك
فهو وحده المطلع على الغيب
ولذا فهو الأدرى بما ينفعك ويصلحك
فإن كان المطلوب مالا
فلربما أطغاك وأفسدك
وإن كان ولدا فلربما كبر عاقا
فأعياك وأجهدك
وإن كان عملا أو وظيفة
فلربما فتحت بابا للحرام
أرداك وضيعك
فكم من محبوب في مكروه
ومكروه في محبوب
ولا يعلم ذلك إلا الله
وربما لم يجبك:
لأنك أدخلت الحرام في رزقك
وأسكنت شهوة في قلبك
فيكون عدم الإجابة بمثابة
لفت نظر لتصحيح ماسبق
وتستدرك مافات
وربما لم يجبك:
لأنه أراد أن يصل حبالا قطعتها
ووشائج هجرتها
فألجأك إليه
حتى يسمع همسك في الأسحار
عقوبة من ترك الدعاء
1- غضب الله عليه
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" من لم يسأل الله يغضب عليه "
رواه البخاري
2- ووكله إلى نفسه
فقد أجمع الصالحون
على أن الخير كله
في أن يكلك الله إليه
والهلاك كل الهلاك
في أن يخلي بينك وبين نفسك
وهي عاجزة لاتملك من أمر نفسها
فضلا عن أمر غيرها شيئا
ظالمة تورد صاحبها المهالك
وتلحق به المعايب جهولة
لاتعرف مايضرها وما ينفعها
3- وصار أعجز الناس
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" وأعجز الناس من عجز عن الدعاء "
سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
كم بين السماء والأرض ؟
قال " دعوة مستجابة "
شروط إجابة الدعاء
1- الخضوع والتذلل
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
صيحة استغاثة أطلقها
يونس عليه السلام:
من أعماق قلبه الغارق في دياجير الظلم :
ظلمة بطن الحوت
وظلمة البحر
وظلمة الليل ,
أطلقها
وقد ملأته مشاعر الخوف
والوحشية والوجل والرهبة
وقد تملكته حالات الخضوع
والتذلل والتضرع
لذا استجيب دعاؤه ,
ولذا كان بديع الزمان سعيد الدين النورسي:
يردد دائما ( عجزي كنزي )
وهذا من علمه وفقهه
ونفاذ بصيرته الإيمانية رحمه الله
2- أحضر قلبك
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" أعلموا أن الله لايستجيب دعاء من قلب غافل لاه " رواه الترمذي
ولحضور القلب علامات
إذا ظهرت فهي فرصة سانحة
فاغتنمها ولا تضيعها
وليلهج لسانك عندها بالدعاء
فإنك مجاب بإذن الله ,
فإن لم يجب دعاؤك
فاسأل نفسك وواجهها :
هل وجدت قلبك ؟
هل أقشعر جلدك ؟
هل فاضت عيناك ؟
3- قدم العمل الصالح
إن غاب العمل الصالح
لم يرتفع الدعاء
فوق رأس صاحبه شبراً
وإن حضر استجاب الله دعاءه
قبل أن يغادر لسانه ,
قال بعض السلف :
" الدعاء بلا عمل كالقوس بلا وتر "
قيل لأنس بن مالك رضي الله عنه:
يا أبا حمزة أدع الله لنا
قال " الدعاء يرفعه العمل الصالح "
4- كن على يقين من الإجابة
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة "
رواه الترمذي
أي جازمون بالإجابة
لأن الداعي إذا لم يكن جازما
لم يكن رجاؤه صادقا
وإذا لم يصدق الرجاء لم يخلص الدعاء
إذ الرجاء هو الباعث على الطلب
5- أمر بالمعروف وانه عن المنكر
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف
ولتنهون عن المنكر
أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم
عقابا من عنده ثم لتدعنه
فلا يستجيب لكم "
رواه أحمد والترمذي
6- لا تستعجل الإجابة
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" يستجاب لأحدكم مالم يعجل
يقول : قد دعوت فلم يستجب لي "
والمستعجل
بمنزلة من بذر أو غرس غرسا
فجعل يتعاهده ويسقيه
فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله
7- جدد توبتك
تشكل ذنوب العبد سدا ً حائلاً دون نفاذ دعائه
فإذا تخلص منها بتوبته
أو غسلها بدمعته
أو أحرقها بندم
هدم الجدار
ووصل دعاؤه مباشرة
وجاءه الرد والإجابة
8- أشهد مجالس الخير
فإن الله يستجيب دعاء
شاهد مجلس الخير
ويغفر له ببركة جلوسه معهم
فيقول لملائكته
" فأشهدكم أني قد غفرت لهم:
" فيقول ملك من الملائكة "
فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة
" فيقول :
" هم القوم لا يشقى بهم جليسهم "
9- تأدب مع الله
ادع الله وأنت على طهارة مستقبلا القبلة
رافعا يديك حذو منكبيك
حتى يرى بياض إبطيك
وابدأ الدعاء بحمدلله والثناء عليه
بما هو أهله
ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وكرر دعاءك ثلاثا
وألح فيه
ولاتدع بإثم
ولا قطيعة رحم
وسأل الله بعزم
ولا تقل اللهم اغفر لي إن شئت
أو أدخلني الجنة إن شئت
وتجنب السجع في الدعاء
والتكلف فيه
وليكن صوتك بين المخافتة والجهر
وأحرص على جوامع الدعاء
من القرآن الكريم والسنة
فهو أرجى للإجابة
وعموم الدعاء جائز
بأي شكل من الاشكال
مالم يكن فيه مخالفة شرعية
10- كن من هؤلاء
يستجيب الله:
للمضطر إذا دعاه
وللمظلوم
ولو كان فاجراً
أو كافراً
ولمن يدعو لأخيه بظهر الغيب
وللوالدين على ولدهما
وللإمام العادل
وللمسافر حتى يرجع
وللمريض حتى يبرأ
وللصائم حتى يفطر
فإذا استطعت
أن تكون واحداً من هؤلاء فافعل
11- لا تأكل إلا الحلال
قال ابن الجوزي:
( مثل المجتهد في الدعاء
مع الاغتذاء بالحرام
كمثل الرامي بالسهام
في هدف من رخام )
ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:
" الرجل يطيل السفر
أشعث أغبر
يمد يديه إلى السماء
يارب يارب
ومطعمه حرام
وملبسه حرام
ومشربه حرام
وغذي بالحرام
فأنى يستجاب له "
رواه مسلم
قال واعظ الدنيا في زمانه
أبو الفرج ابن الجوزي:
( من الحرام يتولد عمى البصيرة
وظلام السريرة
فاكسب مالا حلالا
وأنفق في قصد
واجتنب الحرام في أهله
ولا تجالسهم
ولا تأكل طعامهم
ولا تصحب من كسبه بالحرام
إن كنت صادقا في وعدك
ولا تضيفن أحداً على الحرام
فيأكله هو وتحاسب أنت عليه
ولا تعنه على طلبه
فإن المعين شريك
واعلم أنما يتقبل الله من الأعمال
من أكل حلال )
12- تخير وقت الطلب
إن كان من توفيق الله لك
أن يقيمك بين يديه
ويقذف فيك روح الإقبال عليه
لتدعوه وتناجيه
فإن كمال التوفيق
يتمثل في معرفة أوقات الإجابة ,
كيوم عرفة من أيام السنة
وشهر رمضان من بين الأشهر
ووقت السحر من ساعات الليل
كما يجاب الدعاء أيضا:
بين الأذان والإقامة
ودبر الصلوات المكتوبة
وأثناء السجود
وعند صعود الإمام المنبر يوم الجمعة
وآخر ساعة من يوم الجمعة . . .
علامة استجابة الدعاء
الخشية والبكاء والقشعريرة
وربما تحصل الرعدة
والغشي والغبية
ويكون عقيبه سكون القلب
وبرد الجأش
وظهور النشاط باطنا
والخفة ظاهراً
حتى يظن الداعي
أنه كان على كتفيه
حمل ثقيل فوضعه عنها
وحينئذ لا يغفل عن التوجه
والإقبال والصدقة
والإفضال والحمد والابتهال
وأن يقول الحمد لله
الذي بنعمته تتم الصالحات
[/gdwl]