ذنوبنا تفجرنا
تعد الذنوب والمعاصي من الأسباب الجالبة للفتن والشرور في الدنيا والآخرة، بل سبباً رئيسياً في هلاك الأمم والشعوب. وإن المتأمل في حال الأمة اليوم وما وصلت إليه من الضعف والهوان، وتسلط بعضها على بعض، يدرك أن سبب ذلك كله يرجع إلى الذنوب والمعاصي، ولا مخرج لهذه الأمة مما هي فيه إلا بالرجوع لكتاب ربها وسنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
كلام ابن عثيمين في آثار الذنوب على المجتمعاتإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله! في مثل هذه الظروف الخطيرة، والأحداث المتلاحقة التي تمر بها بلادنا وبلاد المسلمين، نحتاج إلى وقفة صادقة مع أنفسنا ومع الآخرين. لا بد من عودة ودعوة؛ فنحن لا نحتاج إلى أن نقول: إن هذه الأفعال التي تحدث من تفجيرات ومواجهات أخطاء، فكلنا يعلم ذلك، ولا يقر ولا يرضى بذلك عاقل من العقلاء. إن في مثل هذه الظروف نحتاج إلى كلام طبيب يرى الأعراض ويصف الدواء، ومن له الحق أن يتكلم في مثل هذه الظروف والأحوال، هل عامة الناس، أم العلماء؟ قال الله: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[النحل:43]، إن مسألة الأمن من أخطر المسائل التي تمس الأمة، لأنها تمس الجميع، لذا كان لا بد من الرجوع إلى العلماء الربانيين في مثل هذه الأمور الخطيرة، قال الله: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا[النساء:83]. ومن أنا حتى أقول لكم: رأيي كذا وكذا؟ لذا قد اخترت لكم كلاماً نفيساً بديعاً لعالم رباني جليل ودَّع الأمة بعد أن ترك فيها أثراً سيستمر إلى يوم الدين، إنه محمد بن عثيمين عالم الأمة الرباني، العالم بأحوالها وأمراضها ودوائها، فهيَّا نستمع معاً لكلام العالم الرباني الجليل، والطبيب المتخصص، والعالم بالمرض والعلاج، قال رحمه الله: لقد قال الله عز وجل مبيناً تمام قدرته وكمال حكمته وأن الأمر أمره، وأنه المدبر لعباده كيف يشاء من أمن وخوف ورخاء وشدة، وسعة وضيق، وقلة وكثرة، قال الله: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[الرحمن:29] فلله تعالى في خلقه شئون، يمضي حكمه فيه على ما تقتضيه حكمته وفضله أحياناً، وعلى ما تقتضيه حكمته وعدله أحياناً أخرى، ولا يظلم ربك أحداً: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ[الزخرف:76]. أيها المسلمون! إننا نؤمن بالله وقدره، إن الإيمان بقدر الله هو أحد أركان الإيمان، إننا نؤمن أن ما يصيبنا من خير ورخاء فهو من نعمة الله علينا فيجب علينا أن نشكر مسديها وموليها بالرجوع إلى طاعته، وباجتناب ما نهى عنه، وفعل ما أمر به، إننا إذا قمنا بطاعة الله ونحن شاكرون لنعمه حينئذٍ نستحق ما وعدنا الله وتفضل به علينا من مزيد هذه النعمة، يقول الله عز وجل: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ[النحل:53]، ويقول تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7]. ثم واصل كلامه رحمه الله قائلاً: إننا في هذه المملكة نعيش -ولله الحمد- في أمن ورخاء، ولكن هذا الأمن والرخاء لن يدوم أبداً حتى نقوم بطاعة الله عز وجل، وحتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وحتى نعين من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ لأن هؤلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر هم واجهة الأمة، هم الذين يذبون عنها أسباب العقاب والعذاب؛ فعلينا أن نناصرهم، وعلينا أن نكون في صفهم، وعلينا إذا أخطئوا أن نعرف الخطأ وأن نحذرهم منه، وأن نرشدهم إلى ما فيه الهداية، لا أن نجعل ما أخطئوا فيه سبباً لإزالتهم وإبعادهم عن هذا المنصب، إن هذا الدرب ليس بجيد. وقال: إنما أصاب الناس من ضر و ضيق مالي أو من ضر وضيق أمني -فردياً كان أو جماعياً- فبسبب معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل، ونسيانهم شريعة الله، والتماسهم الحكم بين الناس من غير شريعة الله الذي خلق الخلق وكان أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم، وكان أعلم بمصالحهم من أنفسهم، يقول الله عز وجل مبيناً ذلك في كتابه حتى نحذر وحتى نتبين، قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ[الشورى:30]، ويقول تعالى: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ[النساء:79] وما أصابنا من حسنة من الخيرات والنعم والأمن فإنه من الله، وهو الذي تفضل به أولاً وآخراً، وهو الذي تفضل علينا فقمنا بأسبابه، وهو الذي تفضل علينا فأسبغ علينا نعماءه. وأما ما أصابنا من سيئات من قحط وخوف وغير ذلك مما يسوءنا فإن ذلك من أنفسنا، ونحن أسبابه، ونحن الذين ظلمنا أنفسنا وأوقعناها في الهلاك. أيها الناس! إن كثيراً من الناس اليوم يعزون المصائب التي يصابون بها سواء كانت المصائب مالية، اقتصادية، أمنية، سياسية، يعزون هذه المصائب إلى أسباب مادية بحتة، أو إلى أسباب سياسية، أو أسباب مالية، أو أسباب حدودية، ولا شك أن هذا من قصور أفهامهم، وضعف إيمانهم، وغفلتهم عن تدبر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. أيها المسلمون المؤمنون بالله ورسوله! الراضون بدين الله شرعاً ومنهاجاً! إن وراء هذه الأسباب أسباب شرعية لهذه المصائب أقوى وأعظم وأشد تأثيراً من الأسباب المادية، لكن قد تكون الأسباب المادية وسيلة لما تقتضيه الأسباب الشرعية من المصائب والعقوبات، قال عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ[الروم:41]......