أخلاق النبي - عليه الصلاة والسلام-: موقف المسلمين من الاعتداء على نبيهم:
كان الرسول الأكرم محمد - صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في حُسن الخلق الذي استطاع من خلاله أن يملك العقول والقلوب، واستحقّ بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عزَّ من قائل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم، وكان منطقه تعبيراً واضحاً عن عظمة رسالته حيث يوصي أصحابه بحسن الخلق وحسن معاشرة الناس بشتى أصنافهم حتى في الحروب.
إن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي أوحاها الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم- هي نفسها شاهدة على كذب هؤلاء الدجالين الحاقدين، بل نقول لهم: لولا ما حرَّفتم وبدَّلتم فيما أنزل الله من الكتب على رسلكم - عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام- فإن صفات هذا النبي الكريم وحقيقة ما يدعو إليه وكيفية دعوته هل هي بسفك الدماء وإرهاب الناس؟ وهل أتباعه يورث ما ادعيتموه ظلماً وعدواناً؟ كل ذلك موجود عندكم منذ أن بشر به إخوانه الأولون من الأنبياء والمرسلين، قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ}(6) سورة الصفً . وقال جل ثناؤه: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
كان النبي عليه الصلاة والسلام في تعامله مع الأعداء فضلا عن تعامله مع المسلمين قدوة فلم يكن فاحشاً ولا بذيئاً بل كان القدوة الحسنة لمن حوله يعفو ويصفح عمن أساء إليه، ولقد علم وربى الأمة على تلك الفضائل، ولقد كان يأتيه الأعرابي الجلف ويشد عنقه عليه الصلاة والسلام ويقول: "اعطني من مال الله ليس من مال أبيك ولا من مال أمك" فيتبسم له -عليه الصلاة والسلام- ويعطيه وما يعنفه. وكان يعلم الناس في الحروب مع الكفار أن لا يؤذوا امرأة ولا شيخاً كبيراً ولا صبياً ولا متعبداً في صومعته، بل علمهم الرفق بالحيوان يا من تدعون أن رفقكم قد اهتم بالحيوانات! والواقع يكذبكم في تعاملكم مع الإنسان، يقول-عليه الصلاة والسلام- معلماً أمته:"إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته"( 3) ،لم يكن يعلم الناس ما ادعاه هؤلاء المتغطرسين من إراقة الدماء وإرهاب الآمنين، بل كان عليه الصلاة والسلام رحيماً حتى بمن ليسوا بمسلمين إذ كان يتمنى إسلامهم لينقذهم بذلك من عذاب الله لأن الله أرسله رحمة لكل الناس - عليه الصلاة والسلام-يقول عنه الله في ذلك: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107)سورة الأنبياء
إنك لو نظرت إلى ادعاءات الغربيين في النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين أتباعه نجد أن ما لفقوه فينا وادعوا أننا نتعبد الله به من قتل للأبرياء وغير ذلك مما يصورون أنه من أخلاقيات المسلمين لقلت إنهم هم الكاذبون!
ولو نظرنا إلى يحدث في كثير من بلدان المسلمين من قتل وتشريد وأكل ثروات الأمة المسلمة واغتصاب للأراضي وهتك للأعراض،، من يفعل كل هذا؟ أليس ذلك من فعل الغرب النصراني؟ سل عن فلسطين وما فيها من ظلم وتعذيب ..سل عن العراق والحرب عليها ودمارها بحجج كاذبة.. سل عن أفغانستان وما حل بها من دمار وتشريد، من قام بهذا كله ؟ أهو محمد وأتباعه؟ أليس الفاعل لهذا كله هم من يتشدقون بالسلام العالمي الذين ليس لهم إلا الكيل بمكيالين! ثم هم ينسبون أعمال الدفاع عن النفس إلى الإرهاب، ويسخرون بمحمد -صلى الله عليه وسلم- بتلك الرسوم التي بها يتهكمون على الإسلام ونبيه. أين العقلاء المنصفون منكم يا أهل الغرب؟ أين ما تتشدقون به من العدل؟؟ لكن قد قال الله: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} (46) سورة النساء .
موقف المسلمين من الاعتداء على نبيهم:
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(4).
هذا الحديث الشريف نداء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحاب الغيرة ممن حملهم الله أمانة هذا الدين المتمثلة في إقامة شريعة الله والتي منها شعيرة الدفاع عن ذات الله من الانتقاص والتقول عليه بغير علم، وكذا الدفاع عن ملائكته وكتبه ورسله الذين منهم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-. يجب على كل صاحب فطرة سليمة، وعقيدة إسلامية غيورة أن يقف في وجه كل من حاول أو يحاول المساس بمقدساته سواء كان مسجدا أو أرضا أو أي شعيرة من شعائر الدين ومن ذلك الدفاع عن الذي شرع الشريعة والذي أتى بها ..نعم ..يجب الدفاع باليد وباللسان وكل بقدر استطاعته، وليعلم كل من لم يحرك ساكنا ولم يغر على نبيه - محمد صلى الله عليه وسلم- وهو يسمع جهارا نهارا شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في فطرته غبش وفي تدينه خلل وعور وهو على خطر عظيم فليراجع دينه. نعم الدفاع وتبيين الحق واجب على جميع المسلمين ذكورا وإناثا، علماء وولاة أمر وعامة، بالقول وبالفعل، كل بحسب قدرته واستطاعته، أدناها بالقلب، ثم باللسان، ثم باليد، لما ورد في الحديث الآنف الذكر.
إن الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي من النصرة الواجبة له التي علق الله الفلاح بها بقوله سبحانه: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف. وأي منكر أعظم من العدوان على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحق دفعه؟!. فلماذا لم نسمع للناس حسا أو صوتاً، ولم نر من يرد على المبطلين إلا من رحم الله؟؟ هل ماتت الغيرة وهل صار التدين عند المسلمين مجرد شعارات تردد؟! يقول الله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} (72) سورة الأنفال.
إذا كان المسلمون مطالبين بنصرة إخوانهم المسلمين عند الحاجة، أليس رسول الله أولى بالنصرة وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور؟ قال سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (164) سورة آل عمران. وقال عز وجل: {رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (11) سورة الطلاق.
انظر أيها المسلم إلى هذا النموذج من المسلمين الأوائل الذي يعبر حقيقة عن حبه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ويرى ويعتقد أن نفسه لو قدمت فداء لرسول الله هي أهون من أن يصاب رسول الله بشوكة في قدمه، إنه خبيب بن عدي -رضي الله عنه- كان قد قتل خبيب بن عدي أبناء المشركين الذي قتلوا يوم بدر، فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب نادوه وناشدوه: أتحب محمداً مكانك؟ فقال: لا والله العظيم ما أحب أن يفديني بشوكة يشاكها في قدمه(5).
ليكن هؤلاء قدوتنا أيها المسلمون إن كنا في إيماننا صادقين. ومن أراد أن ينصره الله في الدنيا والآخرة فعليه بنصر دين الله لأن النصر والفلاح معلق به، ونصرة عرض رسول الله من نصر دين الله، قال سبحانه: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقال عز وجل: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (157) سورة الأعراف.
وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله على محمد واله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
------------------
1-رواه البخاري برقم3340 (3/1299). ط : دار ابن كثير ، اليمامة - بيروت
2- جامع الصحيح المختصر للبخاري، (3/1299). ط : دار ابن كثير ، اليمامة - بيروت.
3-رواه مسلم رقم57 (3/1548)وأبو داوود رقم 2815(2/109)والترمذي رقم1409(4/23).
4-رواه مسلم رقم (78) (1/69)ط: دار إحياء التراث العربي.
5- انظر المعجم الكبير للطبراني (5/259)ط: مكتبة العلوم والحكم - الموصل 1404-5
منقول