رد الشيخ حامد العلي عن الإختلاط
فضيلة الشيخ انتشرت فتوى جديدة تبيح الإختلاط في التعليم وتستدل بنصوص في كتب الحديث أن المجتمع الإسلامي في عهد النبوة كان فيه إختلاط وأن الإختلاط لايوجد نص يحرمه فما هو الرد بارك الله فيكم ؟
السائل: زائر
التاريخ: 11/12/2009
السؤال: فضيلة الشيخ انتشرت فتوى جديدة تبيح الإختلاط في التعليم وتستدل بنصوص في كتب الحديث أن المجتمع الإسلامي في عهد النبوة كان فيه إختلاط وأن الإختلاط لايوجد نص يحرمه فما هو الرد بارك الله فيكم ؟
جواب الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ،
وبعـد ، فقد اطلعت على الفتوى المذكورة ، وما اشتملت عليه من التدليس ، والتضليل ، وتحريف دلائل الشرع عن الهدى ، نسأل الله أن لايجعل مصيبتنا في ديننا.
ومعلوم أنَّ الفتاوى المضلـِّة على وجهيـن : أحدهمـا أن يعمد المفتى إلى نصوص لاتصح ، وفتاوى شاذة ، فيعتمد عليها مفتـياً بما يخالف الشرع .
والثاني : أن يستدل بالنصوص الصحيحة ، لكنْ ينزلهـا على غير منازلها ، ويضعها في غير مواضعها ، وهذا الثاني أشـدّ خطورة من الأول ، لأنَّ الشبهة فيه أعظم .
وعندما أطلعت ما تضمنته هذه الفتوى المضلـِّة التي تبيح الإختلاط بين الجنسين في التعليم في مرحلة الشباب ، وقـد نُشرت عندنا في بعض الصحف ، وفرح بهـا دعاة الإفساد ، وأفراخ التغريب ، وصبيان العلمنة .
تذكـَّرت ما قاله العلامة الرافعي رحمه الله : ( أتدري يا ولدي ما الفرق بين علماء الحق ، وعلماء السوء ، وكلُّهم آخذ من نور واحد لايختلف ؟ أولئك في أخلاقهم كاللوح من البللور ، يظهر النور من نفسه ، وهؤلاء بأخلاقهم كاللوح من الخشب ، يظهـر النور حقيقته الخشبية لا غيـر ، وعالم السوء يفكـِّر في كتب الشريعة وحدهـا ، فيسهل عليـه أن يتأوَّل ، ويحتـال ، ويغيـِّر ، ويبدِّل ، ويظهـر ، ويخفـي ، ولكن العالم الحـق يفكِّـر مع كتب الشريعة في صاحب الشريعة ، فهو معه في كلِّ حالة ، يسألـه : ماذا تفعل ؟ ومـاذا تقـول ؟ ) الرافعـي في "وحي القلم "
كما ذكّرنـي إستدلاله بالنصوص التي تدل على أنَّ المجتمع الإسلامي الأوَّل كان يقع فيه ما يقع في كلِّ المجتمعات الإسلامية عبر العصور ، من إختلاط عابـر في الحيـاة العامـة بين الرجال ، والنساء ، على أنَّ خلط الشباب من الجنسين في مراحل التعليم ، مباحٌ في شريعة الإسلام ، ذكـَّرني إستدلاله الضال هذا ، بإستدلال ذلك المسترضع من أمّ الجهالة ـ لاسهل الله عليه ـ برضاع سهلة بن سهيل لسالم مولى أبي حذيفة ـ وهو حديث صحيح ـ على جواز أن ترضع الموظفة زميلها في العمل ليباح لهما الخلوة !!
كما ربطت أيضا بين هذه الفتوى ، وفتوى المدعو : شحرور الذي ـ وأستسمح القارىء عذراً ـ أنـزل نصوص القرآن في شأن الحجاب ، علـى لباس القطعتين ـ قطع الله أنفاسه ـ أما القطعة الواحدة عنده فيبدو أنها عنده مبالغة في الستر !
والبلوى في الفتوى التي وردت أوَّل السؤال ، أنها جمعت بين ثلاث مصائب :
أحدها : الإفتراء على الله تعالى ، وشريعته المطهرة ، وهذا يكفي في بطلانها .
الثانية : أنَّ مفتيها يعلـم يقينا أنهـا ستستخدم ، وتُنـزَّل على واقع سيفتح أبواب الشـرّ على مصراعيه ، لأنها ستترجم عمليـّا إلى مفسدة عظيمة ، إذ يستحيـل واقعـاً وضع أيِّ ضابط يحمي شباب المسلمين من مفاسد الإختلاط في التعليـم ، بل إنَّ من يسمح بـه ، إنما يرمي إلى هذه المفاسد أصـلا ، فهي غايته العظمى.
والثالثة : أنَّ هذه الفتـوى وأشبهاها ، إنما يجري توظيفهـا ليُقتحـم بها مجتمـعٌ يعيش أعرافا إسلامية سامية في الأعـمّ الأغلـب ، وبيئة محافظـة تقدس العفَّـة في الجمـلة ، وقـد حمتـه هذه البيئة المحافظـة من الشرور التي تموج في غيره من البلاد موج البحار ،
يُقتحم بهـا هذا المجتمع لتفسده ، وتجتثّ فضائله ، وتخـرّب أخـلاقه .
وأيضا هي توظَّـف في ضمن مشروع تغريبي ، علماني ، ليس هدفه وضع المرأة حيث الحاجة إلى ذلك البتـة ، ولكن وضعها حيث تفسد قيمها ، وقيم الأسـرة المسلمة ، والمجتمـع الإسلامي.
تماما كما قال الدكتور المصلح محمد محمد حسين رحمه الله أول ما طارت حمى الدعوة إلى الإختلاط في التعليم ، والوظائف في القرن الماضي ، قال رحمه الله : ( ويستطيع الدارس المتأمل أن يرى بوضوح أن المرأة لاتوضع حيث الحاجة ـ صحيحة كانت أو مزعومة ـ إلى أن توضع ، ولكن توضع لإثبات وجودها في كل مكان ، ولإقحامها على كل ما ينادي العقل ، والعرف ، بعدم صلاحيتها له ، فليس المقصود سد حاجة موجودة ، ولكن المقصود مخالفة عرف راسخ ، وتحطيم قاعدة قائمة مقررة ، وإقامة عرف جديد في الدين ، وفي الأخلاق ، وفي الذوق ، وخلق المقررات ، والمبررات ، التي تجعل إنسلاخنا من إسلامنا ، وعروبتنا ، أمـراً واقعـا ، كما تجعل دخولنا إلـى دين الغرب ، ومذاهب الغرب ، وفسق الغرب ، أمرا واقعا كذلك ) أزمة العصر.
ولاريب أنَّ هذه الفتوى المضلّة ، إنما وضعت لإرضاء من يريد تحقيق هذا الهـدف ، لا لتعظيم شريعة الله ، ولا إبتغـاء الدار الآخـرة .
كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : (كلُّ من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبّها ، فلابد أن يقول على الله غير الحق ، في فتواه ، وحكمه ، وخبره ، وإلزامه ، لأن أحكام الرب سبحانه ، كثيرا ما تأتي على خلاف أغراض الناس ، لاسيما أهل الرياسة ، و الذين يتبعون الشهوات ، فإنهم لاتتم لهم أغراضهم ، إلاّ بمخالفة الحق ، ودفعه كثيراً )
وأنها داخلة في دلالة قـول النبي صلى الله عليه وسلم : ( غير الدجال أخوفني عليكم ، الأئمة المضلون ) رواه أحمد وغيره
وللدارقطني مرفوعا ذكر أشد الناس عذابا يوم القيامة : ( رجل قتل نبيَّا ، أو قتله نبيُّ ، وإمام جائر يضلُّ الناس )
وقال عمر رضي الله عنه لزياد بن حدير : ( هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا ، قال : يهدمه زلة عالم ، وجدال المنافق بالكتاب ، وحكم الأئمة المضلين ) رواه الدارمي
وقال الحسن : عقوبة العلماء موت القلب ، وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة
وأنشــدوا :
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ** ومن يشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه **بدنيا سواه فهو من ذين أعجب
ورحم الله شيخ الأزهر محمد الخضر حسين الذي قال : ( فمن أهل العلم من يرى ذا جاهٍ ، أو رياسةٍ ، يهتك ستر الأدب ، أو يعيث في الأرض فساداً ، فيتغابى عن سفهه ، أو بغيه ، ويطوي دونه التذكرة ، والموعظة ، ابتغاء مرضاته ، أو حرصا على مكانة ، أو غنيمة ينالها لديـه.
ومن البليّة أنَّ المترفين ، ومن ينحو نحوهم في الزيغ والغرور ، لا يكتفون ممن يسوقهم الزمن إلى نواديهم أن يسكت عن جهلهم ، ويتركهم وشأنهم ، وإنما يرضيهم منه أن يزين لهم سوء عملهم ) أ.هـ .( الدعوة إلى الإصلاح )
وإنما عاب الله تعالى على أحبار السوء بقوله : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم ، وأكلهم السحت ، لبئس ما كانوا يصنعون ) لأنهم كانوا يشهدون الأمر بالمنكر ، والنهي عن المعروف ، والسعي في الفساد ، فلاينهون عن ذلك ، ويرون حقَّ الله مضيِّعـا ، ومال الله يُؤكـل ظلما ، فلا يحذّرون من ذلك ، رغبةً فيما عند أهل الدنيا من العرض الآفل ، والمنزل الزائـل ، ومداهنة في دينهم .
،
والعجيب في شأن هذه الفتوى ، أن مفتيها ـ أيا كان ـ لايقول بدلالة ما فيها !
،
فالنصوص التي استدلَّ بها كلُّها يحملها ـ في حياته الخاصة ـ على محاملها الصحيحة ، بينما هـو قد حرَّف دلالتهـا لإباحة الإختلاط في التعليم ، لتغرير بنات وشباب المسلمين لإيقاعهم في الفتنة ، والفساد !
فمعلوم قطـعا أنـَّه لا ، ولـن يسمح بأن تتوضَّـأ زوجته مع رجل أجنبي في إناء واحد فـي وقـت واحـد ! تغسل وجهها حتى تشرع في الرأس ، وتمسح شعرها ، و تكشف عن ساعديها ، وتغسل قدميهـا حتى تشرع في الساق ! ، كما استدل بالنص محرفاً دلالته !
كما أنه لايقـول بجواز أن تختلط زوجتـه ، وبناته ، مع شباب الحيِّ في مجلس يتبادلون هموم الحياة ، والدراسة ..إلخ ، ثـم تقوم إحدى بناتـه بخدمـة الشباب !! بل هو يمنع الإختلاط على هذا الوجه ، ويراه يجـرُّ إلى مفاسد عظيمة ، وأنه أعظم مطعن في الرجولة ، وعلامة على الدياثة ! فإن احتجّ محتجّ عليه بما أروده من نصوص ، بيّن أنها وردت على غير هذا النحو المفضي إلى الفتن ، وأسباب الإغواء .
،
فياللعجـب :
يا واعظَ الناسِ قد أصبحتَ متهماً إذ عبتَ منهم أموراً أنتَ تأتيها
أصبحتَ تنصحُهم بالوعظ مجتهداً فالموبقـات لعمري أنت جانيها
هذا .. ولاريب أنه لم يأتِ تحريمٌ مطلقٌ للإختلاط بين الرجال والنساء في النصوص ، ولا وقع في التاريخ الإسلامي فصلٌ تام بينهما في الحياة ، ولو كانت الشريعة تأمر بذلك ، لكان من قبيل التكليف بما لايطاق أصلا .
غير أنّ هذه المسألة التي يكثر حولها الجدل ، ترجـع إلى أربع قواعد شرعيّـة :
الأولى : أنَّ كلَّ مالم يرد فيه نص ، فهو من قبيل المباح ، مالم يفـضِ إلى محرّم فيأخذ حكم الحرام .
الثانية : إذا تعذّر توفير الضوابط التي تمنع إفضاء المباح إلى محـرم مفسدته أعظم ، فالمباح يمنـع سداً للذريعــة.
وليتأمَّل العاقـل ـ مثلا ـ كيف يحرِّم بعض الساسة كلَّ الوسائل السلمية لإصلاح السلطة ، لأنها ـ عندهم ـ قـد تفضي إلى فتنة ! عملا بهذه القاعدة !
وقـد يوقعون بمن يدعوا إلى وسائل الإحتجاج السلمي على فساد السلطة أشد العقوبة ،
بينما لايعملون بهذه القاعدة هنا في مسألة الاختلاط في التعليم لسدّ فتنة الأخلاق !!
الثالثة : الأمور تتبيّن بعواقبها ، فالخيـر في موضعه ، عواقبـُهُ الرشد أبداً ، والشرّ عواقبه الغـيّ دائمـا .
الرابعة : كلّ ما كان الأمر أشـدّ ضرراً على المجتمع ، كان الاحتراز منه أوجب ، ومحاربته ينبغي أن تكون أشــدّ.
أما القاعدة الأولى ، فكما نص الفقهاء على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمــراً.
وأما الثانية ، فكما ذكر الفقهاء تحريم بيع السلاح وقت الفتنة ، لأنّه حتى لو زُجـر الناس عن قتل المسلم ، فلا يمكن ضبط ذلك والناس في حال الفتنة ، فيُفتى بتحريمه مطلقا .
أما الثالثة ، فدلت عليها نصوص كثيرة جدا، فالله تعالى جعل عاقبة طاعته خيرا ، (هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) ، وجعل عاقبة معصيته الخسران المبين : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ) .
فإذا تبين أنَّ عاقبة أمر من الأمـور ، هـو الشرّ والسوء ، فهو معصية لله ، والضدّ بالضدّ .
أما الرابعة : فكما نرى نصوص القرآن ، والسنة ، قـد شددت في التحذير من مداخل الشرك ، والقتل ، والزنا ، وهي أعظم ثلاث جرائم.
فحرمت الشريعة كلَّ ذرائع الشرك : كالصلاة في المقابر ، وتعليق التمائم ، وصنع التماثيل ، وغيرها حتى تلك التي في الألفاظ كقول القائل ماشاء الله وشئت ، والحلف بغير الله .. إلخ.
كما حرمت الشريعة في صيانة دم المسلم ، كلّ الطرق المفضية إلى الاستهانة به ، فحرمت حتَّى سباب المسلم ، وترويعه ، سداً لكلِّ طرق العدوان التي قد تفضي إلى القتل ، أو الإستخفاف بدم المسلم .
وفي الذرائع المفضية إلى الزنا ، حرَّمت على المرأة الخلوة مع الرجل ، والتعطّر أمام الرجال ، والسفر بغير محرم ، وأمرتها بالحجاب ، وأمرت بغض الأبصار ، ونهت المرأة عن الخضوع بالقول عند مخاطبة الرجل الأجنبي ، حتى لقد حـُرّم عليها ضربها بخلخالها لتُعلم زينتهـا .
ولانجد مثل هذا الذرائع كثرةً ، وتأكيداً في غير تلك الجرائم الثلاث.
ثـم إذا نظرنا إلى الاختلاط يبن الرجال ، والنساء من هذا المنظار الشرعي ،
وجدناه ينقسم إلى قسمين :
أحدهما : اختلاط عابـر يتعذر الإحتراز منه ، أو في موضع لايخشى منه الفتنة ، في الغالـب ، كاشتغال الجمع بعبادة مثلا ،كصلاة النساء في المسجد خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلَّم ، والطواف في الحج ..إلخ
ومثل الأماكن العامة التي يشقّ تخصيصها لأحد الجنسين .
وسائر مرافق الحياة العامة التي لابد فيها من إشتراك الجنسين في الإستفادة منها .
وكلُّ النصوص التي استدل بها في الفتوى المضلـِّة المذكورة في سؤال السائل ، هـي من هذا القبيل فحسب ، وإنما أُخرجت من سياقها ، ووضعت في غير موضعها تضليلاً للنَّاس كما بيَّنـا .
والقسم الثاني : اختلاط يفضي إلى الفتنة المحققـَّة غالبا ، ولايمكن توفير ضوابط الاحتراز منها ، وعاقبته شرورٌ عظيمة واضحة ، وضررُه على المجتمع بالغ السوء بشهادة الواقع المحسوس ، وذلك مثل الاختلاط في الدراسة ، وفي أماكن العمل ، حيث تمكث الفتاة ، أوالمرأة فترة طويلة بين الرجال ، في أجواء داعيةً إلى التعارف ، وتكوين العلاقات ، بماتقتضيه الجبلّـة الإنسانية ، من الإنجذاب الفطري بين الذكر ، والأنثى.
فلو قيل للشاب الذي يخالط الشابات في فصل دراسي طيلة أعوام الدراسة : لاتنظر إلى ما ترغـب نفسك النظر إليه من مفاتن المرأة ، ولا تشتهي ما يشتهيه الرجل من المرأة ، ولا تحاول أن تتعرّف على من تعجبك منهـنّ ، ولا تبني علاقة معها ، ويُقال للفتاة مثل ذلك ، لكان من يقول مثل هذا للشباب ، مع توفير أسباب الفتنة لهم : كمن يسعى في إفساد الناس بكل ما أمكنه ، وهو يأمرهم بلسانه بالصلاح ، والعفّة !!
وهذا التناقض القبيح في العقل ، والمنطق ، لايمكن أن تأتي به الشريعة الكاملة.
حتى إنَّ بعض الجهّال ، أفتى بجواز الاختلاط في الأعراس ، استدلالا بأن النساء كنّ يصلِّين ، خلف صفوف الرجال في عهد النبوة!!
مع أنَّ النبيَّ صلى الله عليه جعل صفوفهنّ بعيداً ، خلف الصبيان ، كما جعل مصلَّى النساء في العيد ، معزولاً عن مصلى الرجال ، وجعل خير صفوفهن آخرها ، وشرّها أوّلها ، وكلُّ ذلك لتخفيف الفتنة قدر المستطاع ، مع أنـَّه في موضع العبادة تؤمن فيه الفتـنة غالبـا ، فكيف بغيره ؟!!
وعلى أية حال فكلُّ عاقل يعلم أنَّ ثمة فرقاً كبيراً بين القسم الأوّل ، والثاني ، وأنّ الاستدلال بجواز الأول ، على جواز الثاني ، من قبيل التلبيس ، والخلط ، وسوء الفهم ، أو إرادة الإفساد في الأرض .
وذلك كمثل من يستدل على جواز بيع السلاح في الأحوال العادية ، مع إمكان أن يُقتل به مسلمٌ ، على جواز بيعه في فتنة بين المسلمين يقتل بعضهم بعضها !
ولا يخفى على عاقل متجـرّد من الهوى ، أنَّ الاختلاط في التعليـم ـ من القسم الثاني ـ مفضٍ إلى فساد عريض ، وهاهي المجتمعات التي ينتشر فيها هذا الاختلاط ، تعاني ما تعانيه من الآثار المدمـّرة لإنتشار الزنى ، والعلاقات المحرمة بين الجنسين .
وإذا كان هذا الفساد في جزيرة الوحـي ، وفي مجتمع قائم على نظام فصل الجنسين في التعليم ، وعرفه الجاري هو هذا العرف الحسن المحمود ، فمن أفتى بجواز الإختلاط في التعليـم ، أو حرض عليه ، فهو داخل في قوله تعالى ( ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحهـا ) ، وهو من الداعين إلى الفساد ، الآمرين بالمنكر ، الناهين عن المعـروف ، نسأل الله تعالى أن يعافينا من العماية ، وسبل الغواية آمين .
وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصيـر