بقلم اخوكم محبرة الداعي
بسم الله الرحمن الرحيم
أي شرف هذا ؟!
كثيرة هي الأحداث التي تمر بالإنسان؛ بيد أن ثمة أحداث لا يمكن تجاوزها , فقد تكون كما يقال نقطة تحول أو مفترق طرق في حياة المرء !
هذه الأحداث لا يمكن للإنسان أن ينساها , وأنَّى له نسيانها وقد كانت في يوم من الأيام حديثه الذي لا يمل منه ؛ فيذكره في كل مجلس , ومع كل أحد , ويسعد بسؤال الناس له !
والناس يختلفون في هذا , كما هي الأحداث فإنها تختلف , وحديثنا عن حدث يعتبره الإنسان شرفاً ! فبعض الناس يعتبر وقوفه بين يدي عالم من العلماء الراسخين شرفا , وبعضهم يعده في أصحاب الأموال , وبعضهم في الوزراء أو الرؤساء أو الملوك !
وليسأل كل منا نفسه من الشخص الذي يعتبر وقوفه أمامه شرفا !
وبعض الناس كذلك يعد زيارته للأهرامات أو سور الصين العظيم أو متاحف تركيا أو جنان ماليزيا أو .. أو .. من الآثار السياحية يعده شرفا يفخر به ويذكره ولا ينساه !
وفي هذا نوع حق ! لكن ثمة أمر يكون عند بعضنا يحزّ في النفس , وإن كان العذر فيه أن كثرة المساس تقلل الإحساس إلا إنه لا يُسلَّم له به !
طرأ لي عمل ليوم واحد لزم منه السفر إلى المدينة المنورة , تلك المدينة الطيبة على ساكنها أفضل صلاة وأزكى تسليم , وفي الطريق إليها تنظر إلى الجبال العجيبة , وتسأل نفسك : أيُعقل أن الإنسان الذي هو كالذر عندما يقف بجوار أحدها , يقرأ القرآن مرة تلو أخرى ولا يتأثر ! بينما لو نزل هذا الكتاب على هذه الجبال لتصدعت من خشية الله ! أم هذه الجبال التي كادت أن تكون هدّا عندما نُسِبَ إلى ربها الولد وتجد بعض أقوامنا يريد بنا السير سيرهم , ويفخر بذلك !
وصلت إلى الحرم , وذهبت للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه , وفي الطريق إلى الحجرة الشريفة كنت أتأمل , ولاسيما أن السير بطيء نوعا ما , حتى وصلت إليها وسلمت وخرجت .
فقلت: سبحان الله؛ أي شرفٍ هذا الذي نلته بأن تقف في مكان ليس بينك وبين أشرف الخلق وأحبهم إلى خالقهم إلا بضع أمتار !
هذا الذي يسجد تحت العرش , ويشفع للخلق ! من كلّمه ربه وأسرى به إلى سدرة المنتهى ! من لم يأذن الله تعالى أن يفتح باب الجنة لأحد قبله فيكون أول من يدخلها !
وأي شرف هذا الذي نلته بأن جعلك الله من أمة الإسلام , فتدخل هذا المكان , بينما أكثر من خمسة مليار إنسان محرمون وممنوعون من دخوله !
وأي شرف هذا الذي نلته بأن تأتي لهذا المكان بينما قرابة نصف مليار مسلم يتمنون زيارته ولا يجدون إليه سبيلا !
ثم إني تعجبت لأمرين :
الأول : قدم عهد بعض المسلمين بالمسجد النبوي – مع تعاهدهم لبعض الدول – مع قربهم منه ويسر حالهم ! حتى إنه ليُخيَّل لك أن المسجد لا يوجد فيه إلا إحدى الطوائف لكثرتهم – لا كثرهم الله - ! فأين أهل السنة والمذهب الحق ؟! فحضورهم له وتعاهدهم , له أثره لو كانوا يعلمون !
الثاني : الزيارة البدنية عند زيارته , فلا تجد أن النفس تتغير , ولا الروح تطيب , ولا القلب يسعد , ولا الحب يزداد عند بعض المسلمين , وكأنهم لم يعلموا أنهم في مكان فيه أشرف الخلق , ومنه انطلق نور الإسلام , وإليه يأرز الدين , وفيه نزل الوحي , وعنه أبعد الدجال , ولها دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة !
فالله اسأل أن يصلح الحال والبال , والعباد والبلاد , وأن يكفي أمة الإسلام الشرور والفتن وأن يجعل كيد من أراد بها كيدا في نحره وأن يجعل عاقبة أمره خسرا ,,
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ...