{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}
يالله! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم. هذا إبراهيم الشيخ. المقطوع من الأهل والقرابة. المهاجر من الأرض والوطن. ها هو ذا يرزق في هرمه بغلام. طالما تطلع إليه. فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم. وها هو ذا ما يكاد يأنس به، وصباه يتفتح ويبلغ معه السعي، ويرافقه في الحياة. حتى يرى في منامه أنه يذبحه. ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية. فماذا؟ إنه لا يتردد، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم. يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب: {قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك. فانظر ماذا ترى}. والأمر شاق ما في ذلك شك. وهو مع هذا يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه! فماذا يكون من أمر الغلام، الذي يعرض عليه الذبح، تصديقاً لرؤيا رآها أبوه؟ {قال : يا أبت افعل ما تؤمر. ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين}. إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب. ولكن في رضى كذلك وفي يقين. {يا أبت}. في مودة وقربى. {افعل ما تؤمر}. فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه. ثم هو الأدب مع الله، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة: {ستجدني إن شاء الله من الصابرين}.