المشتاقون للجنة
المشتاقون إلى الجنة، ارتفع قدرها عندهم، حتى لم يرضوا لها ثمناً إلا أرواحَهم التي بين جنوبهم. ولماذا لا يبذلون للجنة ذلك وأكثر وهي الدار التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأقل أهلها نعيماً، وأدناهم ملكاً فكان له في ذلك نبأ عجيب. ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " آخر من يدخل الجنة: رجل فهو يمشي على الصراط مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين. فترتفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها ؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره، لأنه يرى مالا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: يا رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها ؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها أن تسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظلَّ بظلها وأشربَ من مائها لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب أدخلنيها فيقال له: ادخل الجنة فيقول: رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقول الله : يا ابن آدم ما يرضيك مني؟ أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب فيقول: لك ذلك ومثله، ومثله، ومثله، ومثله فيقول في الخامسة: رضيت رب. فيقول الله تعالى: لك ذلك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذّت عينك ثم يقول الله تعالى له: تمن، فيتمنى، ويذكره الله: سل كذا وكذا، فإذا انقطعت به الأماني ثم يدخل بيته ويدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فيقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك فيقول: ما أعطى أحد مثل ما أعطيت... )
فـسبحان من غرست يداه جنة الفردوس عند تكامل البنيان ويداه أيضا أتقنت لبنائها فتبارك الرحمن أعظم بان. المشتاقون إلى الجنة، قد يذنبون ويخطئون، فكل بني آدم خطاء، لكنهم يسرعون إلى التوبة والاستغفار، ويغلبهم الخوف من العزيز الجبار...
أورد ابنُ الجوزي في صفة الصفوة أن رجلا من الصالحين اسمه أبو قدامة الشامي قال: كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات، فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو ورغبتهم في الثواب، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها. ثم تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان. فمضيت ولم أجب. ما هكذا كان الصالحون، فوقفت، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية. فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها مكتوب: إنك دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب، ولا قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن ما في، وهما ضفيرتاي وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي. فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه وقلت: يا فتى غلام غر راجل ولا آمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا فقال: أتأمرني بالرجوع؟ وقد قال الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير" سورة الأنفال: الآيتان 15 و16. فحملته على هجين كان معي فقال: يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم فقلت: أهذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت بشرط: إن من الله بالشهادة أكون في شفاعتك، قال: نعم. فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهماً في قوسه وقال: السلام عليك يا أبا قدامة. ورمى به فقتل رومياً. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رومياً. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك سلام مودع. فجاءه سهم فوقع بين عينيه فوضع رأسه على قربوس سرجه. فتقدمت إليه وقلت: لا تنسها. فقال: نعم ولكن لي إليك حاجة: إذا دخلت المدينة فأت والدتي وسلم خرجي إليها وأخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك، وسلم عليها فإنها العام الأول أصيبت بوالدي، وفي هذا العام بي ثم مات. فحفرت له ودفنته. فلما هممنا بالانصراف عن قبره قذفته الأرض فألقته على ظهرها. فقال أصحابي: إنه غلام غر ولعله خرج بغير إذن أمه. فقتل: إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا. فقمت وصليت ركعتين ودعوت الله عز وجل فسمعت صوتاً يقول: يا أبا قدامة اترك ولي الله. فما برحت حتى نزلت عليه طيور فأكلته، فلما أتيت المدينة ذهبت إلى دار والدته فلما قرعت الباب خرجت أخته إلي فلما رأتني عادت وقالت: يا أماه هذا أبو قدامة ليس معه أخي، فقد أصبنا في العام الأول بأبي، وفي هذا العام بأخي. فخرجت أمه إلي فقالت: أمعزياً أم مهنئاً؟ فقلت: ما معنى هذا؟ فقالت: إن كان مات فعزني، وإن كان استشهد فهنئني. فقلت: لا بل مات شهيداً. فقالت: له علامة فهل رأيتها؟ قلت: نعم لم تقبله الأرض ونزلت الطيور فأكلت لحمه وتركت عظامه فدفنتها فقالت: الحمد لله. فسلمت إليها الخرج ففتحته فأخرجت منه مسحاً وغلاً من حديد، وقالت: إنه كان إذا جنه الليل لبس هذا المسح وغل نفسه بهذا الغل وناجى مولاه، وقال في مناجاته: أحشرني من حواصل الطيور. فقد استجاب الله دعاءه.
اللهم اجعلنا ممن يطلبون الشهادة بحقها.. آمين.
الحب دليل.. الحب إمام.. لنحيا بالحب وللحب ومع الحب..
[glint]أخوكم:[/glint]""أبو العرفان أنس""