بسم الله الرحمن الرحيمالعتابـي والبقـر
قصص عربية حكيمة
قال عمر الورّاق: رأيتُ كلثوم بن عمرو العتّابي الشاعر يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام. فقلت له: ويحك! أما تستحي من الناس؟ فقال: أرأيت لو كنا في مكان فيه بقر، أكنت تحتشم أن تأكل والبقر يراك؟ فقلت: لا. فقال: فاصبر حتى أريكَ أن هؤلاء الناس بقر. ثم قام فوعظ وقصّ ودعا حتى كثر الزحام عليه، فقال لهم: رُوي لنا من غير وجه أنه من بَلَغَ لسانُه أرنبةَ أنفه لم يدخل النار! فما بقى أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه ليرى هل يبلغها أولاً. فلما تفرقوا قال لي العتابي: ألم أخبرك أنهم بقر؟ من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي.
الصـوم والحـر
كان الحجاج بن يوسف الثقفي، على ما به من صلف وتجبر وحب لسفك الدماء، جواداً كريماً، لا تخلو موائده كل يوم من الآكلين، وكان يرسل إلى مستطعميه الرسل، ولما شق عليه ذلك، قال لهم: رسولي إليكم الشمس إذا طلعت، فاحضروا للفطور، وإذا غربت، فاحضروا للعشاء. وحدث أن خرج يوماً للصيد، وكان معه أعوانه وحاشيته، ولما حضر غداؤه، قال لأصحابه، التمسوا من يأكل معنا، فتفرقوا كل إلى جهة، فلم يجدوا إلا أعرابياً، فأتوا به، فقال له الحجاج: هلم يا أعرابي فَكُلْ، قال الأعرابي: لقد دعاني من هو أكرم منك فأجبته، قال الحجاج: ومن هو؟ قال الأعرابي: الله سبحانه وتعالى، دعاني إلى الصوم فأنا صائم. قال الحجاج: صوم في مثل هذا اليوم على حره؟ قال الأعرابي: صمتُ ليوم هو أحرُّ منه، قال الحجاج: فأفطر اليوم وصم غداً، فقال الأعرابي: أَوَيضمن لي الأمير أن أعيش إلى غد؟ قال الحجاج: ليس لي إلى ذلك سبيل. قال الأعرابي: فكيف تطلب مني عاجلاً بآجل ليس إليه سبيل؟ قال الحجاج: إنه طعام طيب. قال الأعرابي: والله ما طيَّبه خبازك ولا طباخك، ولكن طيبته العافية. قال الحجاج: أبعدوه عني.
الشــمعة
وفد على الخليفة عمر بن عبد العزيز رسولٌ من بعض الآفاق. فلما دخل دعا عمرُ بشمعة غليظة فأُوقدت. وكان الوقت ليلاً. وجعل عمر يسأله عن حال أهل البلد، وكيف سيرة العامل، وكيف الأسعار، وكيف أبناء المهاجرين والأنصار، وأبناء السبيل والفقراء، فأنبأه الرسول بجميع ما عَلِمَ من أمر تلك المملكة. فلما فَرَغَ عمر من مسألته، قال الرسول له: يا أمير المؤمنين كيف حالُك في نفسك وبَدَنك، وكيف عيالك؟ فنفخ عمر الشمعة فأطفأها، وقال: يا غلام، عَلَيّ بسراج. فأتى بفتيلة لا تكاد تضيء فعجب الرسول لإطفائه الشمعة وقال: يا أمير المؤمنين، فعلتَ أمرًا حيّرني. قال: وما هو؟ قال: إطفاؤك الشمعة عند مسألتي إياك عن حالك؟ قال: الشمعة التي أطفأتُها هي من مال الله ومال المسلمين، وكنت أسألك عن أمرهم وحوائجهم وهي موقدة، فلما صرتَ لشأني وأمر عيالي أطفأتُ نار المسلمين! من كتاب "سيرة عمر بن عبد العزيز" لعبد الله بن عبدالحكم.