الإخلاص
إنَّ الإخلاص هو حقيقة الدين ، ومفتاحدعوة المرسلين .. قال سبحانه : { وَ مَنْ أَحْسَنُ دِينَاً مِمَنْأَسْلََمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِن } .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك،من عمل عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلّم : ( من تعلَّمعلماً مما يُبتغى به وجه الله عزَّ وجل لا يتعلَّمه إلاَّ ليصيب بهعَرَضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة ـ يعني ريحها ـ يوم القيامة ) رواهأبو دواد
فأقول : لقد تنوَّعت تعاريف العلماء للإخلاص ، ولكنها تصبُّ في معين واحد
ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في سكناتهوحركاته وعباداته الظاهرة والباطنة خالصة لوجه الله تعالى لا يريد بهاشيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس .
قال الفضل بن زياد : سألت أبا عبد الله ـيعني الإمام أحمد بن حنبل ـ سألته عن النية في العمل ، قلت : كيف النية ،قال : يعالج نفسه إذا أراد عملاً لا يريد به الناس ..أن يعالج نفسه فإذاأراد عملاً لا يريد به إلا وجه الله تبارك تعالى ..قال أحد العلماء : نظر الأكياس في تفسيرالإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته للهتعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا
.عباد الله
إنَّ شأن الإخلاص.. إنَّ شأن الإخلاصمع العبادات بل مع جميع الأعمال ، حتى المباحة لعجيب جداً
..
فبالإخلاص يعطي الله على القليل الكثير ، وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئاً ، ورُبَّ درهم سبق مئة ألف درهم ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل ... والنوع الواحد من العملقد يفعله الإنسان على وجه يكمن فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر الذنوب ، كما في حديث البطاقة
وحديث البطاقة كما أخرجه الترمذي وحسنَّهالنسائي وابن حبَّان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسولالله صلى الله عليه وسلّم : ( يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يومالقيامة .. يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامةفيُنشرله تسعة وتسعين سجلاً كل سجِّلٍ منها مدَّ البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذاشيئاً !! أظلمك كتبتي الحافظون !! فيقول : لا يا ربي ، فيُقال : أفَلك عذرأو حسنة فيها ؟! فيقول الرجل : لا يا ربي ، فيُقال : بلى .إنَّ لك عندناحسنة ..إنَّ لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيُخرج لهبطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول : يا ربّي ما هذه البطاقة !.. ما هذه البطاقة، وما تصنع مع هذهالسجلات من الذنوب ! ، فيُقال : إنك لا تظلم اليوم . فتوضع السجلات في كفةو البطاقة في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة ) صححه االذهبي رحمه الله .
قال ابن القيم رحمه الله : فالأعمال لاتتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضلها في القلوب ، فتكون صورةالعملين واحدة ، وبينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض
ومن هذا أيضاً : حديث الرجل الذي سقىالكلب .. وفي رواية بغيٌ من بغايا بني إسرائيل ـ زانية ـ فعن أبي هريرةرضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال بينما رجل يمشيبطريق اشتدَّ عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ، ثم خرج فإذا كلبيلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثلالذي قد بلغ مني ، فنزل البئر فملاً خفه ماءً ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقىالكلب ، فشكر الله له فغفر له )
، قالوا : يا رسول الله إنَّ لنا فيالبهائم أجراً ، فقال : ( في كل كبدٍ رطبة أجر ) متفق عليه .
وفي رواية البخاري ( فشكرالله له فغفر له فأدخله الجنة ).
قد ترى أنَّ العمل بسيط ، لكن خالط من العمل الإخلاص الشيء الكثير .
ومن هذا أيضاً ما رواه مسلم عن عبد اللهبن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد رأيت رجلاً يتقلَّب فيالجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) ، وفي رواية : ( مرَّ رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال : والله لأنحينَّ هذا .. والله لأنحينَّ هذاعن المسلمين لا يؤذيهم فأُدخل الجنة ) ..
بعمل بسيط أخلصه لله ربِّ العالمين كان سبباً في دخوله الجنة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله معلقاً علىهذا الحديث ـ حديث البغي التي سقت الكلب ـ ، وحديث الرجل الذي أماط الأذىعن الطريق .. قال رحمه الله : فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبهافغفر الله لها ، وإلا فليست كل بغي سقت كلباً يُغفر لها .
فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإجلال ..
إنه سرُّ الإخلاص الذي أودعه الله قلوب عباده الصادقين..
رزقنا الله الإخلاص في القول والعمل