السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه المقالة من موقع طريق الإسلام قسم المقالات
صفحة الشيخ عبد الملك القاسم
[line]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فإن المرأة المسلمة تتعبد لله- عز وجل- بما أمرت به، فمن أمر بالصلاة والصيام والزكاة والحج، هو الذي أمر كذلك بالحجاب والستر والعفاف.
وحتى ينشرح قلب المسلمة، ويهنأ بالها، وترى الحجاب إشراقة عفة وطهارة وطاعة واستجابة.. هذه بعض ثمار لباس الحجاب الشرعى؟ قلائد تجمل حياتها وترفع درجاتها.. جعلها الله تقية نقية.
عادة أم عبادة؟
لابد أن يتساءل المرء. هل الحجاب عادة أتت من تقاليد الشعوب وعاداتها أم أنها عبادة أمر الله- عز وجل- بها؟.
فإن كانت عادة من عادات الشعوب، فأنت أحق وأولئ بالبقاء علئ العادات والتقاليد الموروثة من آبائك وأجدادك؟ لأئها رمز الشعوب، وكل أمة تفخر بذلك.
لكن حجابك ليس من ذاك الموروث الأوروبي أو الأفريقي أو العربي، أتى متوارثا من أجيال متعاقبة، بل هو تشريع سماوي من رب العالمين.
فهل تنقاد المسلمة لتقاليد وعادات؟ أم تسر وتفرح بأمر الله- عز وجل- وطاعته؟.
أختي المسلمة:
هذه خواطر سريعة ذات ثمار يانعة وقطوف دانية.. قلائد ناصعة، لك في قراءتها زاد ومغنم، وسرور وبشر..
القلادة الأولى
أجمل القلائد وأولها وانصعها.. قلادة العبادة، فالحجاب عبادة من العبادات التي تتقربين بها إلى الله- عز وجل- آية تخالط شغاف القلوب.. فالخطاب لأزواج الرسول وبناته ولك أنت: { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } [الأحزاب: 59]. قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: " أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلاليب ". فكلما جعلت الحجاب الشرعي على رأسك وأسدلت الغطاء على وجهك، ولم يظهرمنك شيء فاعلمي أنك في طاعة وعباد؟، تزيد كلما التزمت أكثر، وتنقص إن فرطت وضيعت، وقد قال الإمام أحمد- رحمه الله-: "ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبن منه شيئاً ولا خفها".
وقد ذكر الداعية/ أحمد الصويان قصة قريبة العهد حيث قال: "كنت في رحلة دعوية إلى بنجلاديش، مع فريق طبي أقام مخيماً لعلاج أمراض العيون، فتقدم إلى الطبيب شيخ وقور ومعه زوجته بتردد وارتباك، ولما أراد الطبيب المعالج أن يقترب منها، فإذا بها تبكي وترتجف من الخوف، فظن الطبيب أنها تتألم من المرض، فسأل زوجها عن ذلك، فقال- وهو يغالب دموعه- إنها لا تبكي من الألم.. بل تبكي؟ لأنها ستضطر أن تكشف وجهها لرجل أجنبي لم تنم ليلة البارحة من القلق والارتباك، وكانت تعاتبني كثيراً: أترضى لي أن أكشف وجهي..؟! وما قبلت أن تأتي للعلاج إلا بعد أن أقسمت لها أيماناً مغتظة بأن الله- تعالى- أباح لها ذلك للاضطرار، والله- تعالى- يقول: { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم } [البقرة: 173]
فلما اقترب منها الطبيب، نفرت منه، ثم قالت: هل أنت مسلم؟
قال: نعم، والحمد الله!!
قالت: إن كنت مسلمأ.. إن كنت مسلما.. فأسألك بالله ألا تهتك ستري، إلا إذا كنت تعلم يقينا أن الله أباح لك ذلك.
أجريت لها العملية بنجاح، وأزيل الماء الأبيض، وعاد إليها بصرها بفضل الله- تعالى- حدث عنها زوجها أنها قالت: لولا اثنتان لأحببت أن أصبر على حالي، ولا يمسني رجل أجنبي: قراءة القرآن، وخدمتي لك ولأولادك ".
القلادة الثانية
يا عفيفة: قري بحجابك عيناً، فلك أجر الرضا والتسليم، والامتثال والطاعة لله- عز وجل- فإن ما تقومين به إنما هو طاعة لله- عز وجل- ورسوله، فليهنك القبول والعمل؛ امتثالاً واستجابة لقول الله- عز وجل-: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } [الأحزاب: 36].
جلس موسى بن إسحاق قاضي الري في الأهواز ينظر في قضايا الناس، وكان بين المتقاضين امرأة ادعت على زوجها أن عليه خمسمائة دينار مهرا، فأنكر الزوج أن لها في ذمته شيئا، فقال له القاضي: "هات شهودك؟ ليشيروا إليها في الشهادة"
فأحضرهم. فاستدعى القاضي أحدهم، وقال له: " انظر إلى الزوجة؟ لتشير إليها في شهادتك " فقام الشاهد، وقال للزوجة: "قومي "، فقال الزوج: "وماذا تريدون منها؟ " فقيل له: "لابد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك وهي مسفرة؛ لتصح معرفته بها". فكره الرجل (المدعي) أن تضطر زوجته إلى الكشف عن وجهها للشهود أمام الناس فصاح: "إني أشهد القاضي على أن لزوجتي في ذمتي هذا المهر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها! "
فلما سمعت الزوجة ذلك أكبرت في رجلها أنه يضن بوجهها على رؤية الشهود، وأئه يصونه عن أعين الناس، فصاحت تقول للقاضي: "إنني أشهدك أنني قد وهبت له هذا المهر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة!.
القلادة الثالثة
قلادة تقربك من مولاك فالحجاب قربة لله- عز وجل- تمتثل فيه المسلمة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم « والمرأة عورة » [رواه البخاري].
قال العلماء: " وفي هذا الحديث دلالة على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب ". لذا فهي تطيع، وترضى، ولا تخالف ولا تعصي.
وقد حدثني قريب لنا: أن امرأة عجوزا طاعنة في السن، أصابها ألم في الأذن، وألم الأذن شديد لا يطاق، ولما أتي بالطبيب على رفض منها وعدم موافقة، وأصبحت أمام الأمر الواقع، أخرجت أذنها وغطت باقي وجهها كاملا، فلم يظهر إلا الأذن فقط. تعجب الطبيب من فعلها، واستغرب صنيعها وقال: يا أمي.. أنا طبيب.. اكشفي عن وجهك! قالت له وهي واثقة من طاعة ربها: أنت لا تريد إلا أذني أخرجتها لك. أما وجهي فلا والله.
القلادة الرابعة
تهادي بهذه القلادة فرحا فأنت تنالين أجر الصبر على العبادة وما تلاقينه من تعب ونصب، واستهزاء وسخرية، فلك أجر الصبر والاحتساب. ومن أعظم أنواع الصبر:
الصبر على أداء الواجبات، والبعد عن المحرمات، قال- تعالى -: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } [ الزمر:10]. وقال- عز وجل- { والله يحب الصابرين } [ آل عمران: 146].
القلادة الخامسة
بحجابك الشرعي تقتدين بأمهات المؤمنين ونساء الصحابة، وهن من هن في الصلاح والتقى والسنا والرفعة، قالت عائشة- رضي الله عنها- "إن لنساء قريش لفضلا، وإني ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله، ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } فانقلب رجالهن إليهن، يتلون عليهن ما أنزل الله إليهن فيها، ويتلو الرجل على امرأته، وابنته، وأخته، وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا وقامت إلى مرطها المرحل (أي الذي نقش فيه صور الرحال وهي المساكن) فاعتجرت به (أي سترت به رأسها ووجهها)؛ تصديقا وإيمانا بما أنزل الله في كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجرات، كأن على رؤوسهن الغربان ".
وعلى هذا قال الإمام ابن حجر- رحمه الله- في الفتح: "لم تزل عادة النساء قديما وحديثا أن يسترن وجوههن عن الأجانب ".
القلادة السادسة
بالحجاب الشرعي يكثر سواد المسلمات، فالحجاب مظهر واضح للمرأة المسلمة، تميزت به عبر الأزمنة والعصور.
وقد رأيت ذلك التميز ظاهرا وواضحا في أفريقيا، وفي لبنان، واليمن، وغيرها من بلاد المسلمين- ولله الحمد-.
وقد ذكر أحد الدعاة القصة التالية بقوله: "كنت في زيارة لأحد المراكز الإسلامية في ألمانيا، فرأيت فتاة متحجبة حجابا شرعيا ساترا قل أن يوجد مثله في ديار الغرب، فحمدث الله على ذلك، فأشار علي أحد الإخوة أن أسمع قصة إسلامها مباشرة من زوجها، فلما جلست مع زوجها قال: زوجتي ألمانية أبا لجد، وهي طبيبة متخصصة في أمراض النساء والولادة، وكان لها عناية خاصة بالأمراض الجنسية التي تصيب النساء، فأجرت عددا من الأبحاث على كثير من المريضات اللائي كن يأتين إلى عيادتها، ثم أشار عليها أحد الأطباء المتخصصين أن تذهب إلى دولة أخرى لإتمام أبحاثها في بيئة مختلفة نسبيا، فذهبت إلى النرويج، ومكثت فيها ثلاثة أشهر، فلم تجد شيئا مختلفا عما رأته في ألمانيا، فقررت السفر للعمل لمدة سنة في السعودية.
تقول الطبيبة: "فلما عزمت على ذلك أخذت أقرأ عن المنطقة، وتاريخها وحضارتها، فشعرت بازدراء شديد للمرأة المسلمة، وعجبت منها كيف ترضي بذل الحجاب وقيوده؟! وكيف تصبر وهي تمتهن كل هذا الامتهان..؟!
ولما وصلت إلى السعودية علمت أنني ملزمة بوضع عباءة سوداء على كتفي، فأحسست بضيق شديد وكأنني أضع إسارا من حديد يقيدني ويشل حريتي وكرامتي. ولكنني آثرت الاحتمال رغبة في إتمام أبحاثي العلمية.
لبثت أعمل في العيادة أربعة أشهر متواصلة، ورأيت عددا كبيرا من النسوة، ولكني لم أقف على مرض جنسي واحد على الإطلاق؛ فبدأت أشعر بالملل والقلق.. ثم مضت الأيام حتى أتممت الشهر السابع، وأنا على هذه الحالة حتى خرجت ذات يوم من العيادة مغضبة ومتوترة، فسألتني إحدى الممرضات المسلمات عن سبب ذلك، فأخبرتها الخبر، فابتسمت وتمتمت بكلام عربي لم أفهمه، فسألتها: ماذا تقولين؟ فقالت: إن ذلك ثمرة الفضيلة، وثمرة الالتزام يقول الله- تعالى- في القرآن الكريم: { والحافظين فروجهم والحافظات } [الأحزاب: 35].
هزتني هذه الآية، وعرفتني بحقيقة غائبة عني، وكانت تلك بداية الطريق للتعرف الصحيح على الإسلام، فأخذت أقرأ القرآن العظيم والسنة النبوية، حتى شرح الله صدري للإسلام، أيقينت أن كرامة المرأة وشرفها إنما هو في حجابها وعفتها.. وأدركت أن أكثر ما كتب في الغرب عن الحجاب والمرأة المسلمة إنما كتب بروح غربية مستعلية لم تعرف طعم الشرف والحياء..
إن الفضيلة لا يعدلها شيء، ولا طريق لها إلا الالتزام الجاد بهدي الكتاب والسنة، وما ضاعت الفضيلة إلا عندما استخدمت المرأة ألعوبة بأيدي المستغربين وأباطرة الإعلام.
القلادة السابعة
أبشري يا محجبة بالرفعة في الدنيا والآخرة؟ قال صلى الله عليه وسلم: « إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة... » [ رواه البخاري].
دخل إبراهيم الخواص على أخته ميمونة- وكانت أخته لأمه- فقال لها: إني اليوم ضيق الصدر.
فقالت له: من ضاق قلبه ضاقت عليه الدنيا بما فيها، ألا ترى الله يقول: { حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم } لقد كان لهم في الأرض متسع، ولكن لما ضاقت عليهم أنفسهم؛ ضاقت عليهم بما فيها الأرض.
القلادة الثامنة
إذا النساء جعلن قلائد من ذهب وفضة والماس.. دونك قلادة الدعوة.. فالحجاب دعوة صامتة إلى هذا الدين بالالتزام بالأوامر، فكم من امرأة أسلمت عندما رأت تمسك المسلمة بالحجاب وتساءلت: ما هو هذا الحجاب؟. وتتبعت حتى هداها الله- عز وجل-.
وكم من امرأة كافرة سألت وهي ترى التفاوت في أنواع الحجاب: هل هؤلاء مسلمات؟ تلك شعرها يراه الغادي والرائح، والأخرى وجهها مكشوف، والثالثة النحر باد، والرابعة لا يرى منها شيء؛ فلها الحق أن تتساءل أليس كلهن مسلمات؟!.
القلادة التاسعة
قلادة عز وفخر، وفرح وسرور أن تكون لك عقبى الدار، جزاء صبرك على الحجاب والتمسك به؛ ابتغاء وجه الله، قال - تعالى-: { والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنققوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرءون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار } [ الرعد: 22].
قال عبدالرحمن بن زيد بن جابر: قلت ليزيد بن مرثد: مالي أرى عينك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عنها؟ قلت: عسى الله أن ينفعني به، قال: يا أخي، إن الله قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني إلا في الحمام لكنت حريا أن لا تجف لي عين، فقلت له: فهكذا أنت في خلواتك؟ قال: وما مسألتك عنها، قلت: عسى الله أن ينفعني به، فقال: والله، إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي، فيحول بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي فيعرض لي، فيحول بيني وبين أكله، حتى تبكي امرأتي ويبكي صبياننا، ما يدرون ما أبكانا.
القلادة العاشرة
بالحجاب تنالين الأجر والمثوبة على التعب والمشقة في الحر وعند المشي التزاما بما أمر به الله- عز وجل-، ولك أجر آخر هو أجر الصبر عن معصية الله. { وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } [الإنسان: 12].
قال ابن كثير- رحمه الله-: "أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم جنة وحريرا، أي منزلا رحبا وعيشا رغيدا ولباسا حسناً"
وأذكر أن معلمة رأت طالبة خارجة من باب المدرسة ويدها اليمنى تمسك بعباءتها حتى لا يحركها الهواء الشديد وتظهر يدها، فقالت لها: "هذه اليد في عبادة عظيمة".
قال داود الطائي: "ما أخرج الله عبدا من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر".