المشهد الثاني والثلاثون المواجهة المرة والمفاجأة المحزنة
تضمن المشهد وصول الأخوة إلى أبيهم ، ومواجهته عليه السلام بالخبر الذي يحمل سحبا من الحزن وإجابته عليهم ؛التي تضمنت عدم تصديقهم لما يقولون ؛ حيث سبق أن قالوا غير الواقع في أمر يوسف عليهما السلام ؛ قلا يبعد أن يقولوا غير الواقع في أمر بنيامين ؛ قال لهم ذلك وثقته بالله تعالى لم تصب بأي ترهل رغم المدة الطويلة التي تجسر فيها الفراق بينه وبين يوسف عليهما السلام ، ومع أن بنيامين قد لحق بعده قال عسى ربي أن يأتي ..قال ذلك ثم أعرض عنهم ،وتأسف على يوسف وأخيه ، فلم يرقُّوا لحاله، ولم يحزنوا لحزنه ، بل عاتبوه؛ كونه ما يزال يذكر يوسف أبد الآبدين حتى يكون حرضا أويكون من الهالكين ! فما كان منه إلا أن عرى جهلهم بما يعلمه هو عن الله تعالى ، وظنه به ، ظني بعبدي كظن عبدي بي . ثم تلطف إليهم وقال لهم اذهبوا و تحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون . والآيات التي تتحدث عن المشهد هي قوله تعالى :
{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ(84)قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ(85)قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(86)يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ(87)) }( )
وينتهي المشهد ،وقد تلاحى في نهايته قنطرة ليأخذ الذهن نصيبه منها ؛ فيبقى حيا طليقا يؤدي وظيفته التي خلقه الله من أجلها ، ويسجل لمسات وإيحاءات وأفياء تربوية منها:الثقة التي كانت تربط يعقوب عليه السلام بالله تعالى ؛إنها قوة لا تقف تجاهها قوة بشرية مهما كانت ،فلم يستطع أصحاب القوة المادية أن يزيحوا هذه القناعة بأن الله تعالى هو القادر على كل شيء ،وبذلك تهون قوى الأرض أمام من أضحت هذه الثقة متمثلة بين جوانحهم متشربة بها نفوسهم .
إن القائم بالاتصال بحاجة ماسة إلى أن يتمتع بهذه الثقة كي يؤدي رسالته كاملة إلى النهاية دون أن يصده عنها الصادون.