عندما كنا صغارا، كنا نحسب أن الكبار يفهمون كثيرا بقدر ما هي عليها أجسامهم من طول وعرض، ولما كبرنا وجدنا كثيرا من هؤلاء ما هم إلا أطفال قد كبروا، ولم تكبر عقولهم، بل اختلفت الأدوات التي يلهون بها، فمثلا كان جُلّ اهتمام الطفل أن يلعب بسيارة مثلا، في الوقت الذي لا يعلم فيه شيئا عن هموم عائلته وأهله وقومه وأمته. ولما كبرنا وجدنا جل اهتمام بعض الناس سيارة فخمة تقف أمام بيته، لا يرتفع مستوى فهمه عن سقف سيارته. وكنا نحسب الكبار هم الذين يحموننا ويدافعون عن الأوطان، لكننا وجدنا الكثير ممن إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لهم كأنهم أجسام من خشب لا حياة فيها.
وعندما كبرنا وجدنا أن مِنْ ذوي العقول مَنْ هم على علم واسع، وخبرة طويلة، لكنهم يعيشون في دوائر شخصية ضيقة، لا يخرجون عنها إلى ما هو أبعد منها، مثل دائرة الأمة وهمومها وآلامها. بل وجدنا من يتاجر بأجزاء من وطنه، أو أجزاء من أمته ودينه مع الأعداء أو عملائهم، للحصول على الربح فقط. تَرى الواحد منهم يود أن يحقق ذاته ويتفوق على جاره، أو صديقه، أو حتى على أخيه الأكبر.. إنه قصير النظر، لا يرى إلا ما تعد أصابعه من دولارات أو قطع ذهبية.. لا يرى الأمة تُهاجَم من جميع الجهات، وعلى جميع الأصعدة، بل هو مستعد لأن يتاجر مع أعدائها، وهي فرصة ينتهزها قبل جاره وأخيه، ابن أمه وأبيه، مهما كانت الأثمان، ومهما كانت النتائج.
ليترفع الشرفاء عن الخوض في المياه الآسنة.. وليترفع الأغنياء عن التجارة بغير ما أحل الله.. وليجعلوا الأولوية للأقرب من البلاد الإسلامية. إنما الأعمال بالنيات، وإن على رجال الأعمال أن يكونوا ذوي نياتٍ حسنة، يرفعون بها أعمدة هذه الأمة.
عندما يتحرك الدينار الخليجي إلى تركيا وماليزيا وإندونيسيا ويعود للمغرب وتونس ومصر والسودان والأردن و... إلخ، يفرح به طفل خليجي وتركي وإندونيسي ومغربي و... إلخ. أما إن ذهب الدينار إلى الغرب ولم يعد؛ نَعِمَ به أهل الغرب وأولادهم، وأقاموا المصانع والمنتزهات والمسابح. فكيف هذا الحرمان لأطفال المسلمين؟ لا يجدون ما يأكلون، وإن كبروا لا يجدون عملا أو وظيفة؛ لعدم وجود المصانع أو المعامل، وعليهم أن يهاجروا علناً أو خلسةً في الزوارق السرية، وبين قطعان الماشية، ثم يموتون في عرض البحر.
هناك أكثر من 800 مليار دولار مسلم في دول الغرب، لا تفيد أي مسلم على سطح الأرض، بل قد تعود عليه بالويل والثبور على شكل طائرات وزوارق حربية، تحصد له زرعه وبيته وأولاده، وتعود عليه بأمثال شارون وبريمر!
إننا نناشد أصحاب الـ800 مليار دولار أن تعود للأرض الإسلامية، حتى تُبنى المصانع، وتُزرع الأرض، وتُقام المشاريع، ويَعمل الشباب، وتشرق الشمس من جديد. لا تخافي أيتها المليارات من الحرائق التي تشعلها أمريكا في أراضينا، فالمشاريع المدروسة لا تفشل بإذن الله.. والنوايا الحسنة يحرسها الله وحده.
إننا نخشى على رجال الأعمال من الحساب يوم القيامة، وننصحهم كما ننصح أنفسنا بالانتباه والخروج من الدائرة الضيقة، وإن سقف السيارة ليس هو السقف الأعلى على سطح الأرض، بل إن السماء أعلى، ورب السماء يعلم ما يصنعون داخل سياراتهم وفي نواديهم.
فهل تقدّم توبة بفرح الله تعالى بها؟ ولم لا؟ ذلك بيدك، فلا تتأخر. ابدأ بالشعور بالرضا الغامر، تجمعه من فرحة أبناء الأمة بك. ندعو الله أن يوفقك لخير الأمة، وأن تكون سندا لها، اللهم آمين.
منقول