نقل الجبرتي أن نابليون عندما دخل إلى مصر جمع العلماء والمشايخ وألقى فيهم خطابًا تاريخيًا استفتحه بالبسملة, استشهد فيه بالآيات القرآنية قائلاً: (بسم الله الرحمن الرحيم.. لا إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.. أيها المشايخ والأئمة قولوا لأمّتكم أن الفرنساوية هم أيضًا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائمًا يحث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين).
فنابليون الذي خرب الأزهر الشريف واتخذ من أروقته اسطبلاً لخيول جنوده، وهو أول من بشر بوطن قومي لليهود في فلسطين قبل وعد بلفور الإنجليزي بعشرات السنين، يبدأ خطابه بالبسملة ويستشهد بالقرآن، بل يذهب أبعد ويدعي أنه خرب كرسي البابا في روما لأنه كان يدعو لقتال المسلمين.
وهذا حاكم عربي آخر كان يقول بأنه سيلقي العصابات الصهيونية في البحر وملأ الدنيا صياحًا بالشعارات القومية، وبعد هزيمته أمام إسرائيل هزيمة نكراء قتل على إثرها عشرات الآلاف من جنوده ودمر جيشه بالكامل حتى أنه ما من أسرة في بلاده إلا وقد فجعت في أحد أبنائها، عندها خرج عليهم في مسرحية خطابية مدروسة معتذرًا ومعترفًا، فنسي الناس كل خطاياه في حقهم وخرجوا في مظاهرات مطالبين باستمراره في الرئاسة.
وها هو أوباما الذي تعامل مع الإسلام كأنه تهمة أو تشهير به إبان الحملة الانتخابية، ضرب على نفس الوتر، وانتهج نفس النهج، وعلم طبيعة الشعوب والنخب العربية وكيف يتعامل معها، فخرج بخطاب لم يتجاوز الساعة حقق به نجاحات لم تكن تستطيع آلاف المعدات والآلات العسكرية تحقيقه، وكسب ود وتعاطف كثير من السذج، وغسل وجه أمريكا البغيض في العالم العربي بعد أن لوثته دماء الشهداء في العراق وفلسطين وأفغانستان، بل دماء السجناء في أبي غريب وجوانتنامو، وأعطى الليبراليين الجدد في العالم العربي مادة خصبة سيظلون يتحدثون عنها عشرات السنوات المقبلة، بل خرج علينا بعضهم بالمطالبة بإعطاء كل التنازلات المطلوبة لأوباما حتى لا نحرجه أمام معارضيه مقابل ما قدمه لنا من وعود، رغم أنه لم يقدم شيئًا إلا الخطابات والكلمات، ولم يتحقق شيء في الواقع إلا ما كان في مصلحة أمريكا ومخطط له من قبل، ولنا أن نلاحظ أن الاتفاقية الأمنية بشأن الخروج من العراق أقرت في عهد سلفه بوش.
مفكرة الاسلام