بن حميد :الحوادث والقوارع توقظ قلوباً غافلة لتراجع توحيدها
خطيبا الحرمين يوجهان رسالة للمسلمين بالعودة إلى الله والتوبة
واس (سبق) مكة المكرمة - المدينة المنورة:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل، وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم "لقد قضت سنة الله عز وجل أن تبتلى النفوس في هذه الدنيا بالخير والشر والأمن والخوف والمنح والمحن والأقربين والأبعدين وأن هذه الابتلاءات بأنواعها تستجيش مذخور القوى وتستثير كوامن الطاقات وتفتح في القلوب منافذ وفي النفوس مسارب ماكان ليتبينها أهل الإيمان إلا تحت مطارق هذه التقلبات " .
وأضاف فضيلته يقول" يذكر الراصدون ويتحدث الإحصائيون عن تكاثر المتغيرات الكونية على هذه الأرض وتتابع الحوادث والكوارث في هذا العصر حتى قالوا إن الزلازل في السنوات القليلة الماضية أكثر منها أربع مرات مما لم يحصل مثله سوى مرة واحدة طوال عشرين سنة أو أكثر في أوائل القرن الماضي ويقولون إنه كلما تقدمت السنوات زاد عدد الزلازل وأنواع الكوارث ولعل المتأمل والناظر بعين راصدة وقلب يقض يسترجع بعض هذه الآيات والحوادث والكوارث والنذر ليجدها مابين موج عاتٍ وماء طاغٍ وخسف مهلك وزلزال مدمر ووباء مميت يرسل الله الجراد والقمل والضفادع والدم والطيور بأمراضها والأعاصير برياحها والفيضانات بمائها في آيات مفصلات ، أمراض مستأصلة وأوبئة منتشرة تحملها طيور وتنقلها حيوانات ، حمى الضنك وحمى الخنازير والهزات الأرضية والزلازل ، أمراض وأوبئة لايملك أحد ردها ولا يستطيع صدها ولا السيطرة عليها مهما أوتي من علم في مكتشفاته ومختبراته ومخترعاته وراصداته إنها جنود من جنود الله في البر والبحر والجو وما يعلم جنود ربك إلا هو جنود غير متناهية لأن قدرة الله غير متناهية فالكون كله بأنسه وجنه وأرضه وسمائه وهوائه ومائه وبره وبحره وكواكبه ونجومه وكل مخلوقاته ما علمنا منها وما لم نعلم كلها مسخرة بأمره سبحانه يمسك ما يشاء عمن يشاء ويرسل ما يشاء إلى من يشاء وكيف لا تدرك عظمة الجبار جل جلاله وضعف جبابرة الأرض مهما أوتوا من قوة كيف لا تدل على عظمة الجبار ومنها ما يهلك أمما ويدمر ديارا في ثوان وأجزاء من الثواني ومنها ما ينتقل عبر الماء ومنها ما يطير في الهواء ومنها ما يرى ومنها ما لا يرى نذر وآيات وعقوبات وتخويفات لا تدفعها القوى ولا تطيقها الطاقات ولا تقدر عليها القدرات ولا تتمكن منها الإمكانات ولا تفيد فيها الراصدات ولا التنبؤات لا تصل إليها المضادات ولا المصدات من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون.
وأردف فضيلته يقول "إنها آيات الله وأيامه نذر تظهر فيها عظمة ذي الجلال وقدرته وقوته وعظيم سلطانه وعزته وتمام ملكه وأمره وتدبيره أن هذه الحوادث والقوارع توقظ قلوباً غافلة لتراجع توحيدها وإخلاصها فلا تشرك معه في قوته وقدرته وسلطانه أحداً ويفيق بعض من غرتهم قوتهم فيتذكروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وبخاصة أولئك المستكبرين ممن غرتهم قوتهم وطال عليهم الأمد فرحوا بما عندهم من العلم>
وبين فضيلته أن من مواقف العبر والإدكار هي هذه الآيات والنذر ما يرسل الله فيها من التخويف والتحذير كما قال سبحانه "وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً" وقوله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس وخسوف القمر "إنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده" .
وأشار فضيلته إلى أنه كم من إنسان يرى آحاد الناس من حوله يتخطفون ويقتلون وهي من آيات الله لكنه لا يعتبر فإذا ما رأى من هذه الآيات الكبار المخوفات تذكر وأذكر فهي ذكرى لمن كان له قلب يستوي في ذلك من حضرها وشاهدها ومن وقع فيها ونجا منها ومن سمع بها أعاصير وزلازل وفيضانات وانهيارات وأوبئة وأمراض من آيات الله وجنوده تذكر الغافلين وتنذر الظالمين وتوقظ المستكبرين ويعتبر بها المؤمنون ويرجع بها المذنبون .
وذكر فضيلته بهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وخوفه من ربه مع أن الله سبحانه وتعالى قد جعله أمنة لأصحابه "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ومع هذا كان إذا هبت الريح الشديدة عرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم وحين ينعقد الغمام في السماء ويكون السحاب ركاما يرى عليه الصلاة والسلام يقبل ويدبر ويدخل البيت ويخرج فتقول له عائشة رضي الله عنها ما بك يا رسول الله فيقول "ما يؤمنني أن يكون عذاباً إن قوماً رأوا ذلك فقالوا هذا عارض ممطرنا فقال الله (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم)" حتى إذا نزل المطر سري عنه عليه الصلاة والسلام .
وأوضح فضيلته أن من المواقف في هذه الآيات والابتلاءات ما يبتلي الله به عباده القادرين الموسرين فينظر كيف يعملون هل ينفقون من مال الله الذي آتاهم وأن يسارعون في نجده أم تراهم يقبضون أيديهم ينسون ربهم وينسون إخوانهم ويعيشون في غفلتهم وفي هذه الابتلاءات حدث ولا حرج من أنواع الإغاثات التي يبذلها الموفقون من غذاء وكساء وعلاج وتعليم وإيواء وأنواع من المساعدات لا تقع تحت حصر مع حسن معاملة وشفقة وإحسان في القول والعمل ومن رحم أهل الأرض رحمه رب السماء فلله الحكمة البالغة في خلقه وأمره وتدبيره وصنعه وفي آياته وابتلاءاته .
ولفت فضيلته النظر إلى أن هذه الآيات والحوادث والكوارث ولو عرفت أسبابها المادية وتفسيراتها العلمية فلا ينبغي أن يظن أنها لا صارف عن كونها آيات وتخويفات والنظر فيما وراء الأسباب والتعليلات من أقدار الله وحكمه وحكمته فهي آيات الله ومقاديره يقدرها متى شاء ويرسلها كيف شاء ويمسكها عمن يشاء يعجز الخلق عن دفعها ورفعها مهما كانت علومهم ومعارفهم واحتياطاتهم واستعداداتهم .
وقال فضيلته "إن مما يخشى أن يكون الركون إلى التفسير المادي والاستكانة إلى التحديث العلمي والبعد عن العضة والذكرى من تزيين الشيطان عياذا بالله ، عباد الله تهتز البحار وتتصدع الجبال وتهلك النفوس ولا تهتز القلوب وترتجف الديار ولا ترتجف الأفئدة وتعصف الرياح ولا تعصف النفوس وتتزلزل الأرض ولا يتزلزل ابن آدم المخذول" .
وأشار فضيلته إلى أن المتأمل لأحوال بعض الناس ومواقفهم ومسالكهم يرى أمورا مخيفة فيهم جرأة على حرمات الله وانتهاك للموبقات وتضييع لأوامر الله وتجاوز لحدوده وتفريط في المسئوليات في العبادات والمعاملات وإضاعة للحقوق محذرا فضيلته من مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن حميد أن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط وإذا أراد الله بعبده خير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده شر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ، بهذا جاءت الأخبار عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالاعتبار بآيات الله والرضا ببلائه لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب والفرار من قدر الله إلى قدر الله فينبغي العناية بما يوجه به ولاة الأمر والمسئولون من الحذر والحيطة والالتزام بالتعليمات والتوجيهات الوقائية محافظة بإذن الله على الأنفس والأهل والأموال والممتلكات ثقة بالله سبحانه وتعالى واعتمادا عليه وإيمانا بأقداره ثم التصرف بهدوء والخروج من الأماكن ذات الأضرار المحتملة والابتعاد عن مواقع الخطر وحسن التعامل مع الآلات والأدوات وتحري السلامة والتصرف بحكمة وأناة والاستماع إلى الإرشادات فهذا من يقي من الأخطار بإذن الله ويقلل من الأضرار ويعين على نوائب الحوادث والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأوصى فضيلته المسلمين بتقوى الله والصبر والاعتبار وأخذ الحذر والاعتصام بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير والإكثار من الاستغفار والرجوع وإظهار الندم والتوبة فهو سبحانه يبعث النذر والآيات ليرجع العباد إلى ربهم وحتى لا يؤخذوا على غرة ومحاسبة النفس والرجوع إلى الله كما أوصاهم بالإكثار من الاستغفار والتضرع والدعاء وأن يحسنوا ويتصدقوا.
وفي المدينة المنورة ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير خطبة الجمعة اليوم قال فيها خلق الله الخلق وهو المعبود أبداً المحمود على طول المدى من آيات قدرته العظيمة أن جعل الأرض قارة ساكنة ثابتة لا تتزلزل ولا تضطرب ولا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا ترجف بمن عليها وجعلها مهاداً وبساطاً وأرساها بالجبال وقررها وثقلها حتى سكنت وتذللت وحالها القرار فاستقرت .
وأضاف فضيلته يقول إن الله شد الأرض بالراسيات الثقبة ، أنبع عيونها وأظهر مكنونها وأجرى أنهارها وأنبت زرعها وأشجارها وثمارها وبث الخلق فيها إذ دحاها فهم قبطانها حتى التنادي ، يعيشون في أرجائها وأطرافها حتى إذا انتهى الأمر وانقضى الأجل أذن الله لها فتزلزلت وتحركت وألقت ما فيها من الأموات وحدثت بما عمل العاملون على أرضها من الحسنات والسيئات قال تعالى "يومئذٍ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذٍ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ". ولله آيات وعظات يُريها عباده في الدنيا إنذاراً وتخويفاً وتحذيراً وترهيباً وإيقاظاً وتذكيراً قال تعالى "وما نرسل بالآيات إلاّ تخويفاً". قال قتادة (إن الله يخوف الناس بما يشاء من عباده لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون).
ومضى فضيلته يقول ومن الآيات المخيفة والنذر المرعبة والعظات الموقظة آية الخسف والرجفة والزلزلة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يكثر المال فيفيض" ، وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذاك قال إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور" ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف قالت قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا ظهر الخبث".
وزاد فضيلته يقول وعن صفية بنت أبي عبيد قالت زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر فخطب عمر الناس فقال "أحدثتم لقد عجلتم فإن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم". وذكر أن الكوفة رجفت على عهد عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال "يا آيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه، ومضى يستعتبكم أي يطلب منكم الرجوع عن المعاصي إلى ما يرضيه عنكم ).
وبين فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن ما حدث في الأيام الماضية من زلازل وهزات حدث جلل وأمر عظيم يبعث على الوجل والخوف من الله تعالى وعقوبته فضجوا بالاستغفار وتخلصوا من الذنوب والأوزار وأشفقوا من غضب الجبار وأظهروا الخشية والتوبة والإنابة والتضرع والفاقة والسكنة وأكثروا الدعاء وعظموا الرغبة والرجاء وأصدقوا في اللجوء ولا تفتروا عن ذكر الله تعالى والتذلل له والتقرب إليه والفرار إليه. قال قتادة "بلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجات عرق إلاّ بذنب ويعفو الله عن أكثر" ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال خسفت الشمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود مارأيته يفعله في صلاته قط ثم قال "إن هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد أو لحياته ولكن الله يرسلها يخوف الله بها عباده فإذا رأيتم فيها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره)