الـحمد لله ، والـصـلاة والسـلام على رسـول الله وبـعد :
فإن الله لم يبعث نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلا لإصلاح القلوب وتطهيرها وتزكيتها وتطييبها " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتهِ ويزكيهم ويعلمهم الكتاب الحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " ، بل لقد علّق الله فلاح عبدهِ على تزكية نفسه ، وقدّم ذلك وقرره بأحد عشر قسمـاً متوالية فقال " والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء ومابناها والأرض وما طحاها ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دساها " .
من عرف قلبه عرف ربه ، وكم من جاهل بقلبه وربه ، والله يحول بين المرء وقلبه .
أيتها الأخت الكريمة :
بالقلب يعرف العبد ربه فيتعرف على أسمائه وصفاته ، وبالقلب يفلح العبد وينجو يوم القيامة " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " أي أتى الله بقلب سليم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ونبأه ، بالقلب يقطع سفر الآخرة فإن السير إلى الله سير القلوب لا سير الأبدان .
قطع المسافة بالقلوب إليه لا ** بالسير فوق مقاعد الركبان
إن القلب موضع نظر الله سبحانه من عبده قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " بصلاح القلب صلاح العبد كله ، وبفساده فساد الحال كله " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً " لن يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه " .
أيتها الأخت المباركة :
عليك بحفظ قلبك وإصلاحه ، وحسن النظر فيه ، واعلمي أنه لن يتم لك ما ترجينه من صلاح قلبك واستقامته حتى يسلم من أربعة أمور :
1- أن يسلم من الشرك صغيره وكبيره .. فإن الشرك من أعظم مفسدات القلوب .
2- أن يسلم من البدع ، فإن كل بدعة ضلالة وإذا امتلأ القلب بالبدع أظلم .
3- أن يسلم من الشبهة التي تزيغه عن الهدى .
4- أن يسلم من الشهوة التي تمرضه وتفسده .
واعلمي - بارك الله فيك - أن سلامة قلبك وصلاحه لا تأتي إلا بالأسباب الآتية :
1- الأخذ بالقرآن العظيم ، تلاوة وحفظاً وتدبراً وتعلّماً ، فالقرآن أبلغ موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وهو من أنفع الأدوية لما في الصدور من أمراض ، يقول ابن القيـّم " جمـاع أمراض القلوب هي أمراض الشبهات والشهوات ، والـقرآن شفاء للنوعيـن " .
2- إعمار القلب بمحبة الله ، فلا صلاح للقلب إلا بمحبة الله " ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .. " يقول ابن تيميـة " فالمحبة أعظم واجبات الدين ، وأكثر أصوله ، وأجل قواعده ، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين " .
فاجتهدي في تحصيل محبة الله ، وطريق ذلك امتثال أوامر الله ، والاجتهاد في فعل النوافل والمستحبات . " ولا يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه " .
3- ذكر الله ، فمن أعظم أسباب صلاح القلب ذكر الله " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ومثل الذي لا يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت " فالقلب يصدأ وجلاؤه ذكر الله .
4- تطهير القلب من الآفات التي تمرضه وتفسده كالبغض والحسد والكبر والعجب والرياء فإن هذه الأمراض تفسد القلب وتصمه وتعميه .
5- دعاء الله فإن من أهم أسباب صلاح القلب دعاء الله وسؤاله صفاء القلب وصلاحه ، فإنه من أنفع الدعاء ، ومن دعائه صلى الله عليـه وسلم " اللهـم مصـرِّف القلوب صرِّف قلوبنا إلى طاعته " يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك " .
وما سُميَ الإنسـان إلا لنسيهِ ** ولا القلب إلا أنه يتقلَّب
6- التوبة والاستغفار ، فمن أعظم استقامة القلب وصلاحه التوبة ، فإن الذنوب تطمس القلوب وتختم عليه ..
رأيـت الـذنـوب تـميـت القـلوب ** وقـد يـورث الـذل إدمـانها
وتـرك الـذنـوب حـيـاة القـلوب ** وخـيـر لـنـفسـك عصيانها
ففي التوبة تصفية القلب وتطهيره ، يقول ابن القيـّم " فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له " .
أيتها الأخت الفاضلة :
اعلمي أن صاحب القلب الحي يغدو ويروح ويمسي ويصبح وفي أعماقه حسٌ ومحاسبة لدقات قلبه ، وبصر عينه ، وسماع أذنه ، وحركة يده وسير قدمه ، يعبد الله كأنه يراه .. باطنه كظاهره بل أجلى .. وسريرته كعلانيته بل أحلى .. وهمته عند الثريا بل أعلى ..
أما صاحب القلب المريض فلا يتأثر بموعظة ولا توقظه العبر ، أين الحيـاة في قلب عرف الله ولـم يؤد حقه ؟ وقرأ كتاب الله ولـم يعمل به وزعـم حب رسول الله وترك سنته .
أما صاحب القلب الميت - والعياذ بالله - فإن الهوى يصمه ويعميه ، والدنيا تسخطه وترضيه ، مات قلبه ثـم قـُبرَ في جسـده ، فما بدنه إلا قبـر قلبـهِ .
نسـأل الله أن يـُطهـِّر قلوبنا ويستر عيوبنا ويختـم بالصالحات أعمـالنا
كتبه / شيخنا د. نـايف بن محمـد العجمي
قسـم الفقه والأصـول
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكـُويت
تفريـــغ :: أختكم ، سـجايا ::
نفع الله بنا وبكم ولا تنسونا من صالح دعائكم .