الداخل إلى هنا أحد شخصين :كتبه
إما مغضب
وإما فَـرِح
أما الغيور فقد دلـَــفَ مغضبا من هذا العنوان !
ويُريد أن يرى تخبّـط كاتبه أو يردّ عليه !
وأما الفَـرِح فإنه يبحث عما يتشبّث به في هذه المسألة
ويُريد من يُعينه بشبهة تبعث على شهوة .
فيا هذا لا تفرح إن الله لا يُحب الفرحين .
ويا هذا لا تغضب وعليّ لا تعجل .
والآن لنكمل العنوان :
الحجاب عادة أم عبادة ؟
لنتأمل تعريف العبادة – كما عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – بقوله : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة .
وقال : العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له التي خلق الخلق لها .
فهل حجاب المرأة المسلمة مما يُحبّه الله ويرضاه ؟
وأعني بالحجاب ستر جميع البدن لقوله صلى الله عليه وسلم :
المرأة عورة . حديث حسن رواه الترمذي وغيره .
لا شك أن الحجاب عبادة .
ولذا قال الله جل جلاله مُخاطبا نبيّه :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً }
قالت عائشة رضي الله عنها : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن فاختمرن بها . رواه البخاري .
والخمار هو غطاء الوجه .
فهل تستشعر المرأة المسلمة أن الحجاب عبادة وقربة وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل ترى أنها في عبادة ؟
كما لو كانت تُصلّي وتتصدّق وتصوم وتقرأ القرآن ؟
وهل تلبس المسلمة حجابها وتحتسب في ذلك الأجر من الله ؟
وهل علمت المسلمة أن العبادات – غالبا – بخلاف هوى النفس ؟
فكما أن الصوم يُجهدها ويحتاج إلى مُجاهدة ، وكذلك الحج وغيرها من العبادات البدنية ، فكذلك الحجاب ، وإن شق عليها لبسه والتّمسك به ، وإن لمزها المنافقون ، فهو يحتاج إلى مجاهدة النفس عليه .
وهل تَمَسّـك المسلمة بحجابها عبادة أو هو عادة نساء بلدها ؟
وهل تفرح بلبسه ؟ أو هي تتضايق منه ؟
وهل هي تـُحبّ حجابها أو هي كارهة له متسخـّـطة لوجوده تتمنّى التخلّص منه في أقرب فرصة ؟
فإن كانت الأولى فهي مؤمنة .
وإن كانت الثانية
فلتحذر أن تكون ممن قال الله فيهم :
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ }
أخيّتي :
تأملي حجابك ... هل هو ما يُريده الله منك ؟
وهل هو وفق سُنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وهل هو حجاب أو لباس شهرة ؟
هل هو لباس ستر وعفاف أو هو لباسٌ يُنادي العيون لتقتحم نظراتها جسدك الطاهر .
فإن كانت الأولى فأبشري .
وإن كانت الثانية :
فاقرأي قول من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة . رواه الإمام أحمد وغيره وهو حديث صحيح .
فهل لبست النقاب الواسع ، نقاب الفتنة فتبعتك عيون هي رسلٌ لقلوب مريضة ؟!
وكوني صريحة مع نفسك :
هل لبست النقاب لأجل رؤية الطريق أو لأجل إظهار جمال العين ؟
إن كان لأجل رؤية الطريق فما دخل الرموش والحواجب والوجنتين بالرؤية ؟؟!!
وإن كان لأجل الفتنة
فأيما شاب كنت سببا في فتنته فلتحملي وزره إلى وزرك .
ألا تعلمين أن للعيون حديث جميل ، وقول رقيق ، وكلام لطيف ؟
والنفس تعرف من عينيّ محدّثها **** إن كان من حزبها أو من أعاديها !!
أما سمعت قول جرير :
إن العيون التي في طرفها حور***** قتلننا ثم لم يُحيين قتلانا
بل هن أمضى من السهام وأفتك من السحر
جَعـَــلت عـلامـات المودةِ بيننا **** مصائد لحظ هـنّ أخفى من السّحر
فأعرف منها الوصل في لين طرفها **** وأعرف منها الهجر في النظر الشزر
فاتقي الله أمة الله وتمسكي بحجاب يُقرّبك إلى الله
لا بحجاب يُباعدك من الله ويُقرّبك من النار .
أجارك الله من النار أخيّتي .
وحماك من دعاة السوء والرذيلة .
كلٌّ يُريدك له ... ودعاة الإسلام يُريدونك لله وحده .
وإتماماً للفائدة لعلي أُذيّـل هذا المقال ببسط مفيد عن أدلة وجوب ستر وجه المرأة الحُرّة
كنت قد ناقشت فيه بعض الأخوة الأعزة .
أدلة وجوب تغطية وجه المرأة بحضرة الرجال الأجانبقال سبحانه وتعالى :
من الكتاب العزيز :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً }
قال ابن عباس - في تفسير الآية - : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتـهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينـاً واحدة .
وقال ابن سيرين سألت عَبيدة السَّلماني فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه .
ولا يرد على هذا قول من قال إن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين ؛ فإن الآية واضحة في النص على نساء المؤمنين عامة ( وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ )
وإنما اختصت أمهات المؤمنين بحجب أشخاصهن .
قال سبحانه : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )
ولا أريد الإطالة في هذه النقطة .
ومن الأدلة قوله سبحانه وتعالى : ( وَلْيَضْرِبْن بِخُمُرِهِنَّ َ عَلَى جُيُوبِهِنَّ )
قالت عائشة رضي الله عنها : يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنـزل الله : ( وَلْيَضْرِبْنَ ِبِخُمُرِهِنَّ
عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) قالت : شققن مروطهن فاختمرن بها . رواه البخاري .
والخمار هو غطاء الوجه .
وكل هذا يدلُّ على أن غطاء الوجه كان معروفاً عندهم وليس بدعاً من القول أو ضرباً من العادات .
ومن السنة النبوية :قالت عائشة رضي الله عنها : كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذونا سدلتْ إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه .
وهذا عام في أمهات المؤمنين وغيرهن .
ومن ادّعى خصوصية أمهات المؤمنين بهذا الأمر فقد غلِط .
وذلك لأن عائشة رضي الله عنها أفتت نساء المؤمنين بذلك .
فقد روى إسماعيل بن أبي خالد عن أمه قالت : كنا ندخل على أم المؤمنين يوم التروية فقلت لها : يا أم المؤمنين هنا امرأة تأبى أن تغطي وجهها . فرفعت عائشة خمارها من صدرها فغطت به وجهها . رواه ابن أبي خيثمة .
وكان عليه العمل عند غير أمهات المؤمنين .
كما روت ذلك فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها .
روى الإمام مالك عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .
وهذا من أظهر الأدلة على وجوب الحجاب
إذ لو كانت تغطية وجه المرأة أمام المحارم من المستحبات لما جاز للنساء ارتكاب محظور من محظورات الإحرام لأجل أمر مسنون .
فإحرام المرأة في وجهها .
فإذا لم تكن بحضرة رجال أجانب فإنه يحرم عليها تغطية وجهها ، فإذا كانت بحضرة رجال أجانب وجب عليها تغطية وجهها .
وهنا تعارَض واجب وأوجب
والواجب كشف الوجـه أثناء الإحـرام
والأوجب تغطية الوجه عن الرجال الأجانب .
فدلّ فعل أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين من بعد على أن تغطية الوجه ليست مختصة بأمهات المؤمنين .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المرأة عورة . رواه الترمذي وغيره .
فلا يُستثنى من هذا الدليل الصحيح شيء إلا بدليل صحيح ، ومن استثنى بغير دليل فقد تحكّم برأيه ، وخالف السُّنّة .
وأما الاستدلال على عدم وجوب تغطية وجه المرأة بنظر الخاطب فهذا من العجائب .
فإن العلماء يستدلون به على ستر الوجه وتغطيته . إذ لو كانت المرأة سافرة الوجه لما احتاج الخاطب أن ينظر إليها لأنه سيكون قد رآها وعرفها .
وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على ذلك بناء على ما فهموه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
روى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا جناح على أحدكم إذا أراد أن يخطب المرأة أن يغترها ، فينظر إليها ، فإن رضي نكح وإن سخط ترك . رواه عبد الرزاق .
وقد نقل الشوكاني عن ابن رسلان اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق .
وجب غض البصر عن المرأة ولو كانت متحجبة ، إذ قد يظهر منها شيء أو قد ينظر الرجل إلى جسم المرأة فيُفتن بها .
وإذا كانت الأذن تعشق صوت المرأة كما قال بشار بن برد :
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة *** والأذن تعشق قبل العين أحيانا !
فإذا كان هذا في الأذن فالنظر إلى جسم المرأة أشد في الفتنة ، وعندها يجب غض البصر .
ولم أرَ لمن قال بجواز كشف المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب سوى حديث أسماء في جواز كشف الوجه واليدين : إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا .
فهذا حديث ضعيف له أكثر من سبع علل . كما بينه العدوي في رسالة الحجاب .
وحديث الخثعمية في الحج . وليس صريحا في الدلالة على ذلك ، إذ رواه أبو يعلى عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه ابنة له حسناء فجعل يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها . قال : فجعلت ألتفت إليها وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه .
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح .
فهذه أختي الفاضلة أدلة الكتاب والسنة متظافـرة في وجوب ستر وتغطية وجه المرأة .
بل وأقوال سلف هذه الأمة .
وأي فتنة أعظم من مجمع المحاسن ، وجـه المـرأة .
سائلا الله جل جلاله أن يجعل الحق هدفنا والجنة غايتنا .
أعلم أني قد أطلت فـأكرر اعتذاري كعادتي .
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
منقول مع بعض الإختصارات