قال تعالي: ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(البقرة: من الآية153)
أمر الله - سبحانه وتعالي- أن نستعين على الأمور بالصبر عليها، لأن الإنسان إذا صبر وانتظر الفرج من الله سهلت عليه الأمور.
فأنت إذا أصبت بشيء يحتاج إلي الصبر فاصبر وتحمل (( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا))(102).
وأما الصلاة فإنها تعين على الأمور الدينية والدنيوية، حتى إن الرسول- عليه الصلاة والسلام- ذكر عنه: (( أنه إذا حز به أمر فزع إلي الصلاة))(103).
وبين الله في كتابه أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، فإذا استعان الإنسان بالصلاة عل أموره يسر الله له ذلك، لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه ، فيقف الإنسان فيها بين يدي الله ، ويناجيه، ويدعوه، ويتقرب إليه بأنواع القربات التي تكون في هذه الصلاة؛ فكانت سبباً للمعونة.
قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) يعني ذلك المعية الخاصة، لأن معية الله- سبحانه وتعالي- تنقسم إلي قسمين:
معية عامة شاملة لكل أحد، وهي المذكورة في قوله تعالي: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَاكُنْتُمْ)(الحديد: من الآية4) ، وفي قوله تعالي: (ِمَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ )(المجادلة: من الآية7).
وهذه المعية العامة شاملة لجميع الخلق، فما من مخلوق إلا والله - تعالي- معه يعلمه، ويحيط به سلطاناً وقدرة وسمعا وبصرا وغير ذلك.
أما المعية الخاصة فهي المعية التي تقتضي النصر والتأييد ؛وهذه خاصة بالرسل
وأتباعهم ، ليست لكل أحد، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على هذه المعية الخاصة.
ولكن المعيتين كلتيهما لا تدلان على أن الله - سبحانه وتعالي- فوق سماواته على
عرشه، أمكنتهم، بل هو مع الناس وهو- عز وجل-فوق وهو معك. والعرب يقولون : ما زلنا نسير والقمر معنا. وكل يعلم أن القمر في السماء. فما بلك بالخالق - عز وجل- هو وفق كل شيء استوي على عرشه، ومع ذلك هو محيط بكل شيء مع كل أحد. مهما انفردت فإن الله- تعالي- محيط بك؛ علما وقدرة وسلطانا وسمعا وبصرا وغير ذلك.
وفي قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)دليل على أن الله يعين الصابر ويؤيده ويكأه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله - عز وجل-.
كتاب رياض الصالحين /المجلد الأول / باب الصبر /
شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله