لا شك في أن الإعلام هو أخطر أسلحة العصر الحاضر ، هذه حقيقة مقررة منذ مدة طويلة .
و الحرب الإعلامية حرب مشتعلة على الدوام لا ينطفئ لهيبها أبداً بخلاف غيرها من الحروب ، بل كل حرب اندلعت على وجه الأرض عبر التاريخ كان الإعلام هو الذي هيأ لها و جعل الناس يتقبلونها دون حرج.
لكن الإعلام في الأصل وجد لمجرد نقل الأخبار دون تدخل من الناقل ، و هو ما يشيرون إليه اليوم بـ (المهنية المطلقة في نقل الخبر) بمعنى أن لا يتم توجيه الخبر لخدمة أي هدف ، و قد طبق ذلك حرفياً رواة الحديث النبوي من الصحابة و من بعدهم ، فكان الواحد منهم يروي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أحاديث تخالف مذهبه و رؤيته ، و هذا ثابت عن ابن عباس و عبد الله ابن مسعود على الأخص.
أما الذي يقرأ اليوم مناهج كليات الإعلام أو أقسام الإعلام في كليات الآداب في دول العالم المختلفة يدرك بلا خفاء أن واضعي أسس الإعلام المعاصر هم أناس لهم غايات معينة و توجهات محددة ، فهم يعلمون طلاب تلك الكليات كيفية تحوير الخبر و تحريفه بما يخدم أهدافهم ... و خذ على سبيل المثال هذه الكلمة التي قالها أحد أساتذة الإعلام في العالم :"إذا قيل بأن كلباً عض إنساناً فليس هذا بخبر ، أما إذا قيل بأن الإنسان هو الذي عض الكلب فهذا هو الخبر"!! أ.هـ . و معنى ذلك أنك لا تنقل الخبر الأول لمجرد خلوه من الغرابة أو الإثارة !!، و تفعل العكس مع الخبر الثاني لوجود ذلك فيه ، فأين المهنية المزعومة ؟!!.
لكنك لو علمت مثلاً أن أكبر امبراطوريات الإعلام في العالم يملكها و يديرها أبناء الطائفة اليهودية لزال عنك كل إشكال ، فوكالة (رويترز) مثلاً أسسها في القرن قبل الماضي يهودي و يديرها اليوم يهودي ، و لا يخلو منصب المدير أو الرئيس فيها من يهودي ، و معظم موظفيها من اليهود كذلك .. فتأمل كيف أصبحت هذه الوكالة اليهودية عمدة في الأخبار من قبل وكالات أنباء العالم العربي و الإسلامي و أجهزة إعلامه!!
لذلك لا تستغرب حينما تسمع الأخبار من الإذاعات المختلفة فتجدها بذات الصياغة المقصودة و المحورة بما يخدم أهداف بني إسرائيل و دولتهم على أرض فلسطين.
و للمثال فقط ، و للتدليل على ما سبق أسوق لكم مثالاً واحداً فحسب .
إذاعة لندن (بي بي سي) العربية ، هذه الإذاعة القديمة التي يسارع العرب في كل أنحاء العالم تقريباً إليها كلما جد في دنيا العرب جديد ، و هي لا تبخل على مستمعيها بطبيعة الحال بتوفير كل ما يرغبون في الاستماع إليه ، أخبار ، تفارير ، أغاني و موسيقى ، برامج منوعة ، حوارات ، لقاءات ، مسلسلات ، برامج تعليمية ، برامج علمية ، برامج فنية ، برامج دينية... الخ .
يصاحب ذلك ذات التوجه الذي أشرت إليه من قبل ، فالخبر موجه و محرف ، و التقرير كذلك ، و لا أراني أبالغ لو قلت بأن هذا عام في كل برامج الإذاعة حتى التعليمية و الدينية منها.
فهذا نموذج لخبر من أخبار الإذاعة سوف نقف معه لنحلله و لنرى كيف أنه قد جرى تحريفه بما يخدم الأهداف الاستراتيجية الأمريكية و اليهودية:
"في إطار الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الإرهاب قصفت طائرة أمريكية بدون طيار سيارة كان يستقلها عدد ممن يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة في اليمن ، مما أسفر عن قتل جميع من كان داخل السيارة ، و قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الحرب على الإرهاب سوف تستمر".
التحليل:
1- أقر الخبر بأن ما تفعله أمريكا في العالم هو حرب على الإرهاب ، و هي وجهة النظر الأمريكية.
2- أثبت الخبر تهمة (الإرهاب) و الانتماء للقاعدة على المستهدفين دون إشارة إلى أن هذه هي وجهة نظر الحكومة الأمريكية.
3- لم يتضمن الخبر أي إشارة إلى أن هذا العمل عدوان على استقلال اليمن و سيادته.
4- لم يشر الخبر إلى كون اللذين تم قتلهم من المدنيين المسالمين ، أو إلى ما أصاب عوائلهم من جراء العدوان(كعادتهم حين يتم استهداف الغربيين و اليهود).
و هذا خبر ثان :
"شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارة على مدينة غزة ، و أسفر الهجوم عن مقتل ستة عشر من الفلسطينيين ، و قالت إسرائيل إن الهجوم يأتي رداً على الهجوم الانتحاري الذي شنه فلسطيني على ...الخ"
التحليل :
1. لم يشر الخبر إلى أن القتلى من المدنيين كما يفعلون حين يكون القتلى من الجانب الآخر ، فهم يلحون هناك على كون القتلى من المدنيين الإسرائيليين و أن من بينهم نساء و أطفال!!.
2. راقب طريقتهم (الاحتفالية) في عرض الخبر فيما لو تم قتل ستة عشر إسرائيلياً.
3. انتبه إلى نقلهم وجهة النظر الإسرائيلية (و الأمريكية في الخبر السابق) بكل أمانة .
4. لم يتضمن الخبر أي إشارة إلى كون الأرض التي تقام عليها إسرائيل اليوم هي أرض هؤلاء اللذين جرى استهدافهم ، و أن إسرائيل احتلتها و استولت عليها بالقوة و هجرت أهلها.
خبر ثالث :
"قُتل سبعة عراقيين على الأقل و أصيب عشرة آخرون بجروح في هجوم شنه مسلحون على القوات الأمريكية غرب العاصمة العراقية بغداد"
التحليل
1. انتبه إلى كون الهجوم قد شنه مسلحون على القوات الأمريكية و كون القتلى و الجرحى كلهم من العراقيين!!!!!!!! و كأن الأمريكيين لا يموتون!! ، وهذا بالطبع مخالف للواقع ، بل هو مخالف حتى للعقل السليم.
2. لم يشر الخبر إلى هوية المسلحين و كأنهم جاؤا من كوكب آخر ، مما يعني محاولة التشويش على هويتهم مما يساعد بالتالي على ترسيخ فكرة أن المقاومة في العراق غير عراقية ، أو أنها مجهولة الهوية على الأقل.
3. لم يشر الخبر إلى كون القوات الأمريكية تحتل العراق دون حق.
خبر رابع :
"انفجرت سيارة ملغومة بالقرب من مركز للشرطة في العاصمة العراقية صباح اليوم ، و أوقع الهجوم عشرات القتلى و الجرحى معظمهم من العراقيين"
التحليل
1. صيغة الخبر من البداية تعطي الانطباع بأن السيارة قد (انفجرت) لوحدها دون سبب !! ، و هذا بلا شك تحريف واضح للخبر ، فالسيارة لم تنفجر لوحدها ، بل جرى تفجيرها من قبل المقاومين بقصد إيقاع الأذى بالمحتلين و أعوانهم. و الصحيح في مثل هذا الخبر أن يقال : "فجر المقاومون العراقيون سيارة ملغومة في مركز للشرطة العراقية التي تعاون القوات الأمريكية المحتلة للعراق...الخ"
2. تأمل قولهم : (بالقرب من مركز للشرطة) أو في بعض الحالات (خارج مركز للشرطة) و كأنهم يريدون أن يوصلوا إلى المستمع أن العملية غير مؤثرة لكونها (بالقرب من) أو (خارج) الهدف.
3. لم يتضمن الخبر أي إشارة إلى كون القتلى و إن كانوا من العراقيين عملاء لقوات الاحتلال ، و أن حكم المتعاون مع المحتل كحكم المحتل ، و أن هذا أقرته حتى ما تسمى بالقوانين الدولية.
4. أشار الخبر (دون قصد ربما) إلى أنه ليس كل القتلى من العراقيين (معظمهم من العراقيين)، ما يعني أن من بينهم أمريكيين ، لكنه لم يخض في تفاصيل ذلك بتعمدٍ واضح .
و لأن الكثيرين ربما لا يستمعون إلى نشرة الأخبار كاملة فإن المتابع لهذه الإذاعة يلاحظ أنها تتعمد وضع عناوين الأخبار أو موجز النشرة بطريقة توحي بما يريدون إيصاله إلى المستمع الذي يعلمون أنه لا يستمع إلى كل النشرة .
بقي أن تعلم أيها القارئ أن من يشرف على إذاعة لندن و يمولها بما يضمن استمرارها و إمدادها بكل جديد هو ..... (جهاز المخابرات البريطاني).