إلهي : سألوني عن وجودك ، فقلت لهم : متى عرفتم أنفسكم رأيتموه ، ولولا ضلالكم عن كينونتكم لما افتقدتموه…"
ما أعظمه من أثر ..ذاك الذى تلقيه أحرف تلك الكلمات وما تحمله فى ذاتها من معانى الصدق والشفافية والعمق فى نفس "الإنسان " فيتأمل بها ومعها سنين العمر بكل ما فيها من لحظات السعادة والحزن ، والتيه والهداية .. ذاك الخليط العجيب الرائع الذى تحمله إلينا الحياة بكل ماتسوق إلينا من "هدايا القدر " .
إنّ لـ"عُمر الإنسان " معنيً خاصاً إذا عاشه مستسلما ً له- سبحانه وتعالى - متأملاً لعظيم معاني اختياراته وتوجهات حكمته .. ومواجهاً- بنفس راضية سعيدة- كل لحظة كانت له بعضاً من هدايا القدر ، الذى كان يسعى إليه سعياً حثيثا متيقناً من أنّ اختيار الرب سيكون له شاطىء النجاة والمرسى الأمين لأحلامه وآماله.
إنّ لاستمرار تلك اللحظات السعيدة وديمومتها وتمثيلها فى "حياة " شُكر لمن وهب صاحبها ذاك القلب المفكر والمتأمل وهداه إياه تلك الهدايا العظيمة – التى قد تغيب فى الكثير من الأحيان عن أنظاره وتوقعاته لما يفتقده فى عالم الشهادة – بينما هي قد سُطرت في عالم الغيب وهو قد كان عاجزاً على أن تدركها أنظاره وفكره المحدود بحدود واقع الأرض!!
ومن هنا .. كان السعيد بحق هو من أعطاه الله قلباً مفكراً، وبصراً معتبِراً، وأذناً تسمع من الله، ونفساً ناشطة في عبوديته سبحانه ..
ومن هنا أيضاً .. كان أكبر ما يفتقد العباد من حقوق الله سبحانه الشكر له، والشكر له ظاهر وباطن، فظاهره الموافقة، وباطنه شهود النعمة، فما شكره من لم يمتثل أوامره وحدوده، وما حفظه من ضيع عهوده.
إلهى .. أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الأنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ.
وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الأَغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ. وَلَمْ يَلْجَأَوا إِلى غَيْرِكَ.
أَنْتَ المُؤْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ. وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمْ المَعالِمُ.
ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟!
لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً.
كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ؟!
وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنانِ؟!
يا مَنْ أَذاقَ أَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ مُؤانَسَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ.
وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزّينَ.
أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ، وَأَنْتَ البادِيُ بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدِينَ،
وَأَنْتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ، وَأَنْتَ الوَهَّابُ، ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ.