أضربُ بعضَ الأمثلة لبيان أنه بالمال القليل يعظمُ الانتفاعُ بالشيء , ولكن بالمالِ الكثير يكادُ ينعدمُ الاستمتاعُ :
عندما تكون متوسط الحال :
لا فقيرا ولا غنيا كما هو حالُ الكثير من الناس في كل زمان ومكان , وتطلبُ منك زوجـتُـك أن تشتري لها مثلا فستانا , ولكنك تُـسوِّف لمدة معينة بسبب أنك لا تقدرُ على الشراء لأنك لا تملكُ المبلغَ الكافي . وتبقى الزوجةُ تُـذكرك بين الحين والآخر وأنت تُسوف وفي مرة تعلنُ لها بأنك سمعتَ وفي مرة أخرى تُـظهرُ لها وكأنكَ لم تسمعْ , وهكذا... وفي يوم من الأيام وعندما تملكُ المبلغَ الكافي تشتري لزوجتكَ ما طلبتْ , وأنتَ شاكرٌ لله الذي مكنكَ من ذلك , وفرحٌ جدا لأنك ستشتري لشريكةِ حياتك شيئا عزيزا طلبـتْـه وألحتْ في طلبهِ . وعندما تأخذُ الفستانَ لزوجتِـك تكون هي في أشدِّ الشوقِ له , فتشكرُ الزوجةُ اللهَ كلَّ الشكر ثم تشكرُ زوجَـها وتفرحُ وتُسرُّ وتعتزُّ كلَّ الاعتزاز بما اشتريتهُ لها .
وأما عندما تكون غنيا :
فلقد حكى لي أكثر من غني بأن زوجـتَـه عندما تطلبُ منه 50 مليونا من السنتييمات ( وهو مبلغ كبير جدا عندنا في الجزائر ) في الصباحِ فإنه يعطيها إياهُ في المساءِ وبكل سهولة وبلا أي عناء . هل يسعدُ هو بما يُـقدم لزوجته ؟ في الغالب لا يجدُ أيَّ طعم أو لون أو رائحة للسعادةِ . وهل تفرحُ زوجـتُـه بما قدَّم لها الزوجُ ؟ في الغالب لا تجد أيَّ طريق للفرح , لأنها لم تنتظرْ ما طلبته إلا بضعَ ساعات ثم هي ليس عندها في الحياةِ ما تتوقُ لامتلاكِـه لأنها تمتلكُ تقريبا كلَّ شيء ما دامت من سنوات وسنوات تحصلُ وبكل سهولة على كلِّ ما تطلبُ وبمجرد أن تطلـبَـهُ . يحكي لي هذا الغني ما يحكي ثم يقولُ لي " والله لا يعرفُ أيُّ واحد من أفرادِ أسرتي أيَّ طعم للسعادةِ من سنوات وسنوات!".
صحيحٌ أن هذا ليس هو حالُ كلِّ الأغنياءِ ( حاشا الأغنياء الشاكرين ) , ولكنني متأكدٌ بإذنِ اللهِ تبارك وتعالى أن هذا الكلامَ الذي أقولُه يَـصحُّ في الكثيرِ من الأغنياءِ , لا بل يصحُّ في أغلبيةِ الأغنياءِ .
وصدق من قال " السعادة تتوقف على ما نستطيع إعطاؤه , لا على ما نحصل عليه " و " السعادة ليست في إمتلاك كل شيء , وإنما في القناعة بأقل شيء " .
واللهُ أعلم
بقلم الأخ عبد الحميد من الجزائر