من أين يبدأ المرء ليتكلم عن التدخين كـ(اسوأ) مما تعلمه الإنسان (المتحضر) من عادات سيئة.
فلو تم تنحية ما يسببه التدخين من إصابات قاتلة وتم الرجوع قليلاً إلى التاريخ وصفحاته للإطلاع على قصة التدخين لظهر أن الهنود الحمر في أمريكا اللاتينية (أي الجنوبية) هم أول من زرع التبغ للمرة الأولى فقد ثبت على نقوش الآثار في المكسيك أن أهالي تلك البلاد قد عرفوا التدخين منذ ما يناهز 2500 سنة حيث كان استعماله مقتصراً أثناء الاحتفالات الوثنية، وحين وصل (كريستوف كولمبس) إلى تلك البلاد سنة 1542م وكان يظن خطأً أنه وصل إلى الهند وقدم له سكانها الذين أسماهم بـ(الهنود الحمر) الغليون لكي يجرب بنفسه التدخين ومن ثم كانت تلك بمثابة سبب لانتقال عادة التدخين إلى بلدان أوروبا بواسطة التجار والرجال الذين امتلكوا مزارع شاسعة للتبغ في أمريكا وبهذا الصدد تشير المعلومات أن التبغ قد زرع في فرنسا سنة 1556م وفي البرتغال سنة 1558م وانتقل إلى أسبانيا سنة 1559 لكنه تأخر بعض الشيء لزراعته في بريطانيا حتى سنة 1565م.
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين اكتسحت موجة تدخين السيكائر قارتي أوروبا وأمريكا بعد أن أصبح تصنيع السجائر آلياً.
يبلغ إنتاج السيكائر وفقاً للاحصاءات الأمريكية بأنه لا يقل عن (10) بلايين سيجارة سنوياً وتقول الأرقام بهذا المعنى أن مجموع ما ينتج من السجائر قد وصل لمعدل (2) سيجارة يومياً لكل شخص يعيش الآن على الأرض لكن أحداً لم يفعل شيئاً لتدارك صناعة وتجارة السيجائر التي تعد في المفهوم العقلاني من جرائم العصر ففي العالم اليوم مليار مدخن ومدخنة وقد بلغ بينهم أن نسبة 236% من النساء وجدير ذكره ان التدخين قد تسبب في وفاة أكثر من (100) مليون شخص خلال القرن العشرين الماضي وهذا ما أشار إليه مجلة (ايفجارو) الفرنسية انسجاماً مع تقرير منظمة الصحة العالمية الذي أفاد فيه ذلك.
البعض يعتقد دون معرفة أن (المخدرات) وحدها هي التي تسبب التسمم لجسم الإنسان وهم يتناسون أن (التبغ) لا يقل خطورة عن المخدرات بهذا المجال الصحي ولكن المفارقة على مستوى الرأي العام لا توضح كيف أن (المخدرات) ممنوع في العالم لكن (السجائر) غير مشمولة بأي منع دولي بما في ذلك عدم المنع محلياً حيث يلاحظ أن العديد من الدول حتى النامية تنتج السجائر وهي غير عابئة بتردي صحة مواطنيها الذي يصابون بأمراض عديدة جراء ممارستهم لـ(عادة التدخين) وبهذا المعنى أكدت منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي للسنة الماضية (أن الإدمان على التدخين ساهم بوفاة (4) ملايين شخص خلال السنة التي سبقتها) أي سنة 2002م مع أن المنظمة الآنفة لم تأتوا جهداً في تصعيد وتنويع محاربة التدخين التي تشنها على المستوى الدولي.
ومما جاء في التقرير الآنف لمنظمة الصحة العالمية أيضاً بأن هناك حالة إخفاء المعلومات حول النتائج المتعلقة لما يسببه التبغ من أضرار على الصحة العامة نتيجة لدور الاستهلاك المستديم للتدخين من قبل شرائح اجتماعية غير قليلة العدد بكل مجتمع، ومما جدير بذكره أن (70) ألف موضوع علمي قد أشار له التقرير الآنف أيضاً منذ سنة 1950م بددت من أجل الالتزام بالوقاية المبكرة لدفع حوادث الموت بسبب التدخين والتدخين السلبي اي الذي يؤثر على غير المدخنين!
كما أفادت دراسة أخرى نشرت في المؤتمر الأوروبي العاشر للسرطان الذي عقد قبل مدة في فينا عاصمة النمسا الذي تبين فيه: (أن شخصاً يموت كل عشر ثوان في العالم بسبب التدخين وهو معدل يمكن أن يزداد بحلول سنة 2030 إلى حالة وفاة كل ثلاث ثوان)، هذا في حين أشارت منظمة الصحة العالمية التي كانت قد أشارت لتسمية نفس السنة 2030م إلى أن الإدمان على التدخين قد يسفر بما لا يقل عن (10) ملايين شخص سنوياً ابتداء من السنة 2030م إن لم يزداد هذا الرقم أيضاً لمعدلات أعلى والسؤال هو كيف تواجه البشرية مثل هذه الحالة التي يلحق بها المدخنون الضرر القاتل بأنفسهم وصحتهم وصحة عوائلهم وأحياناً مصير عوائلهم بسبب موتهم المبكر لكن أحداً منهم لم يفكر في الإقلاع عن التدخين بصورة جدية رغم أن الكل يعلمون أن التدخين أن ألعوبة كبيرة وأن فلسفتهم للاستمرار بالتدخين فيها من البؤس ما يكفي للتنبيه له.
والعجب العجاب في مسألة التدخين أن أسواقاً للتهريب قد صارت لترويج بضاعة السكائر بسبب قوة وسعة رواج هذه البضاعة الفاسدة والضارة والتي لها علاقة مباشرة بتردي مستوى الذوق حين يتم شعل سيجارة بين أناس يمقتون التدخين!
إن لـ(السم الأسود) الذي هو الدخان المتعالي من السجائر تتعاون لترويج بضاعته المزعجة مافيات خاصة وليس من سوء الصدف أن يكونوا مدخنوا البشر في ازدياد دائم في عالم مترنح يفقد فيه الإنسان أكثر مما يكسب.