وعّاظ المناسبات ومكايد النساء !
يتحامل بعض الوعاظ – عفا الله عنهم – على المرأة فيما يحدثون به الناس , ويحذرون منها , وكأنها في ذاتها شر , فلا يذكرون إلا عيوبها وكلنا عيوب وكأنها لا خير فيها و ( الخير في أمتي إلى يوم القيامة ) كما يقول رسول صلى الله عليه وسلم .
ويأتي أحد هؤلاء الوعاظ والدعاة إلى الخير – هداهم الله وعفا عنهم – إلى مناسبات الزواج ويطلب الكلمة فيفرح بذلك أهل العريس والعروس حبا في الأمر بالمعروف ورغبة في الموعظة الحسنة , فيتحدث الرجل قليلاً عن الزواج كلاماً طيباً ثم لا يلبث أن يقف للحديث عن مكائد النساء ويحذر الرجال منهن ومن شرهن , ويتحدث عن الرجال الذين يتبعون زوجاتهم فيتحولون إلى ( إمعات ) , وعن خطر الانقياد للزوجة ومن كراهية الزوجة لأهل زوجها .
وقد يستعذب هذا النوع من الوعاظ الحديث فيطيله على الناس إلى أن يتحدث عن حق الزوج في زوجة ثانية وحكمة التعدد في الإسلام .
فيمل الناس من الإطالة ويستهجنون عدم ملاءمة الموضوع للمناسبة فينصرفون عما يقول إما بالتسامر فيما بينهم , والمتأدب منهم , ينصرف بقلبه ويصم أذنه , فيخسر الواعظ أجر الدعوة إلى الله وربما يأثم لأنه تسبب في انصراف الناس عن الخير .
حدث هذا في إحدى مناسبات الزواج التي حضرتها ورأيت العريس ووالده يتصبب منهما العرق ورأيت إشفاق الناس عليهما .
كيف يكون موقف والد العروس وأهلها وهم يسمعون الواعظ الكريم يحذر العريس على مسمع من كل الناس من كيد الزوجات ؟ وكيف سيكون لقاء العريس بعروسه – لأول مرة – بعد أن سمع لمدة نصف ساعة هذا الدرس في مكر النساء ؟
وماذا يمكن أن يحدث لو كان العريس غريراً لا يفقه شيئاً في حق الزوجة على الزوج في المعاشرة بالمعروف ويأخذ كلام الواعظ محمل التصديق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من بين يديه ؟!
إن شاباً غريراً يحب الخير ويثق في الدعاة إليه يسمع مثل هذا الكلام لا يستبعد أن يحمل العصا على زوجته ليلة عرسه ويغلظ عليها بالقول والفعل حتى لا يتحول إلى حمل وديع بين يديها وفقاً للخطبة التي سمعها ليلة زواجه !
ثم هل يجوز – ذوقاً وأدباً إن لم يكن شرعاً الحديث ليلة الزواج بأول زوجة أن يتحدث الآمر بالمعروف عن الزوجة الثانية .
أما كان الأجدر بهذا النوع من الوعاظ الذين أعطوا أوقاتهم لله يتخيِّروا الكلام المناسب في المكان المناسب ؟!
ألم يسمعوا بمقولة ( لكل مقام مقال ) التي عمل بها الأنبياء والدعاة الناجحون ؟!
وهل المرأة كلها شر حتى نحذر منها الزوج ليلة عرسه بها ؟!
أما كان الأجدر بالحديث أن يقتصر على حسن المعاشرة بين الزوجين , وعلى تذكير الزوج بحق زوجته وواجبه نحوها , وأنها أمانة في عنقه منذ لحظة تسلمه لها يد أبيها ؟!
أين هذا النـوع من الوعاظ من قوله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [ النساء : 19 ] . وقوله : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [ البقرة : 228 ] . أين هذا النوع من الوعاظ من قول سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخيارهم خيارهم لنسائهم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً , فإنهن عوانُ عندكم ) ؟!
أما كان الأولى أن نتحدث في ليلة زواج الرجل بما يؤلف بين قلبه وقلب زوجته وبما يديم العشرة ويعين على الصبر ويشجع على التسامح , وهو ما حث عليه أعظم الأزواج وأعدلهم وأكرمهم لزوجه محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : ( أيما رجل صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر مثل ما أعطى أيوب , على بلائه وأيما امرأة صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله من الأجر مثل ما أعطى آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ) ؟! .
فلنتق الله في النساء لأن المرأة أم وجبت لها الطاعة , وأخت وجبت لها الصلة , وبنت وجبت لها الرحمة , وزوجة وجبت لها حسن المعاشرة بأمر من فوق سبع سماوات .
فما أوسع الإسلام وما أضيق عقول هذا النوع من المسلمين .
المصدر : التعامل مع النفس والناس كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الدكتور : محمد أبو بكر حميد .