قال إمام أهل السنة والجماعة في عصره أبو محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري رحمه الله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومنّ علينا به وأخرجنا في خير أمة، فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى والحفظ مما يكره ويسخط.
اعلم : أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر، فمن السنّة لزوم الجماعة ومن رغب غير الجماعة وفارقها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وكان ضالا مضلا.
والأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمهم الله أجمعين ، وهم أهل السنة والجماعة ، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع ، وكل بدعة ضلالة ، والضلال وأهله في النار ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لا عذر لأحد في ضلاله ركبها حسبها هدى ولا في هدى تركه حسبه ضلاله ، فقد بينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر ) ، وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله وتبين للناس ، فعلى الناس الاتباع.
واعلم رحمك الله : أن الدين إنما جاء من قبل الله تبارك وتعالى لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم ، وعلمه عند الله وعند رسوله ، فلا تتبع شيئا بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام ، فإنه لا حجة لك فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته السنة وأوضحها لأصحابه ، وهم الجماعة ، وهم السواد الأعظم ، والسواد الأعظم : الحق وأهله ، فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر الدين فقد كفر.
واعلم : أن الناس لم يبتدعوا بدعة قط حتى تركوا من السنة مثلها ، فاحذر المحرمات من الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار.
واحذر صغار المحدثات من الأمور فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا ، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرا يشبه الحق ، فاغتر بذلك من دخل فيها ثم لم يستطع المخرج منها ، فعظمت وصارت دينا يدان بها ، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام.
فانظر رحمك الله : كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه ، حتى تسأل وتنظر هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء ، فإن أصبت فيه أثرا عنهم فتمسك به ولا تجاوزه لشيء ولا تختر عليه شيئا فتسقط في النار.
واعلم : أن الخروج عن الطريق على وجهين: أما أحدهما، فرجل قد زل عن الطريق وهو لا يريد إلا الخير فلا يقتدى بزله فإنه هالك، ورجل عاند الحق وخالف من كان قبله من المتقين فهو ضال مضل شيطان مريد في هذه الأمة ، حقيق على من عرفه أن يحذر الناس منه ويبين لهم قصته لئلا يقع في بدعته أحد فيهلك.
واعلم رحمك الله : أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعا مصدقا مسلما ، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفوناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كذبهم ، وكفى بهذا فرقة وطعنا عليهم ، فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس منه.
واعلم رحمك الله : أنه ليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تتبع فيها الأهواء ، بل هو التصديق بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا كيف ولا شرح ولا يقال لم ولا كيف ، فالكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشك في القلب وإن أصاب صاحبه الحق والسنة.
واعلم رحمك الله : أن الكلام في الرب تعالى محدث وهو بدعة وضلالة ، ولا يتكلم في الرب إلا بما وصف به نفسه عز وجل في القرآن وما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، فهو جل ثناؤه واحد { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ، ربنا أول بلا متى ، وآخر بلا منتهى { يعلم السر وأخفى } ، وهو على عرشه استوى وعلمه بكل مكان ولا يخلو من علمه مكان ، ولا يقول في صفات الرب تعالى " لم " إلا شاك في الله تبارك وتعالى .
والقرآن كلام الله وتنزيله ونوره ، وليس مخلوقا ، لأن القرآن من الله ، وما كان من الله فليس بمخلوق ، وهكذا قال مالك بن أنس وأحمد بن حنبل والفقهاء قبلهما وبعدهما ، والمراء فيه كفر.
والإيمان بالرؤية يوم القيامة ، يرون الله عز وجل بأعين رؤوسهم وهو يحاسبهم بلا حاجب ولا ترجمان.
والإيمان بالميزان يوم القيامة ، يوزن فيه الخير والشر له كفتان وله لسان.
والإيمان بعذاب القبر ، ومنكر ونكير.
والإيمان بحوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل نبي حوض ، إلا صالح عليه السلام فإن حوضه ضرع ناقته.
والإيمان بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمذنبين الخاطئين يوم القيامة ، وعلى الصراط ، ويخرجهم من جوف جهنم ، وما من نبي إلا وله شفاعة ، وكذلك الصديقون والشهداء والصالحون ، ولله بعد ذلك تفضل كثير على من يشاء والخروج من النار بعدما احترقوا وصاروا فحما.
والإيمان بالصراط على جهنم ، يأخذ الصراط من شاء الله ويجوز من شاء الله ويسقط في جهنم من شاء الله ، ولهم أنوار على قدر إيمانهم.
والإيمان بالأنبياء والملائكة .
والإيمان بأن الجنة حق والنار حق ، وأنهما مخلوقتان ، الجنة في السماء السابعة ، وسقفها العرش ، والنار تحت الأرض السابعة السفلى ، وهما مخلوقتان ، قد علم الله تعالى عدد أهل الجنة ومن يدخلها ، وعدد أهل النار ومن يدخلها ، لا تفنيان أبدا ، بقاؤهما مع بقاء الله أبد الآبدين ودهر الداهرين.
وآدم عليه السلام كان في الجنة الباقية المخلوقة ، فأخرج منها بعدما عصى الله عز وجل.
والإيمان بالمسيح الدجال.
والإيمان بنزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، ينزل فيقتل الدجال ، ويتزوج ، ويصلي خلف القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم ، ويموت ، ويدفنه المسلمون.
والإيمان بأن الإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص ، يزيد ما شاء الله ، وينقص حتى لا يبقى منه شيء.
وأفضل هذه الأمة والأمم كلها بعد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، هكذا روي لنا عن ابن عمر قال: ( كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ، ويسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره ) ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح وكلهم يصلح للخلافة ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القرن الأول الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار ، وهم من صلى القبلتين ، ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحِب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أو شهرا أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، نترحم عليهم ونذكر فضلهم ونكف عن زللهم ولا نذكر أحدا منهم إلا بالخير، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا ذُكِر أصحابي فأمسكوا )) ، وقال سفيان بن عُيينة: ( من نطق في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة فهو صاحب هوى ).
والسمع والطاعة للأئمة فيما يحب الله ويرضى ، ومن وُلي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين ، لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام برا كان أو فاجرا ، والحج والغزو مع الإمام ماض ، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة ، ويصلى بعدها ست ركعات ، يفصل بين كل ركعتين - هكذا قال أحمد ابن حنبل - والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام ، ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي قد شق عصا المسلمين وخالف الآثار وميتته ميتة جاهلية ، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري: (( اصبر وإن كان عبدا حبشيا )) ، وقوله للأنصار: (( اصبروا حتى تلقوني على الحوض )) ، وليس من السنة قتال السلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين .
ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أموالهم وأنفسهم وأهليهم ، وليس له إذا فارقوه أن يطلبهم ولا يجهز على جريحهم ولا يأخذ فيئهم، ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم.
واعلم أنه لا طاعة لبشر في معصية الله عز وجل.
ومن كان من أهل الإسلام فلا تشهد له بعمل خير ولا شر فإنك لا تدري بما يختم له عند الموت ، ترجو له رحمة الله ، وتخاف عليه ذنوبه ، لا تدري ما سبق له عند الموت إلى الله من الندم وما أحدث الله في ذلك الوقت إذا مات على الإسلام ، ترجو له الرحمة وتخاف عليه ذنوبه ، وما من ذنب إلا وللعبد منه توبة.
والرجم حق.
والمسح على الخفين سنة.
وتقصير الصلاة في السفر سنة.
والصوم في السفر ، من شاء صام ومن شاء أفطر.
ولا بأس بالصلاة في السراويل.
والنفاق أن يظهر الإسلام باللسان ويخفي الكفر بالضمير.