باحثون يستخلصون مضادات حيوية طبيعية من نوى التمر
التمور شهيرة بكثرة فوائدها الغذائية والصحية التي تكتشفها الدراسات والبحوث العلمية يوما بعد يوم، ومن غير المألوف لدى الغالبية منا أن يكون لنوى التمر فوائد أيضا وإلا لما كان مصيرها سلة المهملات، وقديما كان حديث الأجداد يدور حول أهمية نوى التمر المسحوق في صناعة القهوة والبخور، وتسكين آلام الأسنان وآلام المفاصل واستخدامه كحلاً للنساء، واليوم أثبتت دراسات علمية أهمية نوى التمر في صناعة مضادات حيوية طبيعية تضاف إلى غذاء الدواجن فتنميها وتقيها من الأمراض، تماما كالدراسة البحثية التي قام بها فريق من جامعة الإمارات مكون من أعضاء هيئة تدريس من كلية الأغذية والزراعة، وكلية العلوم في الجامعة، وطالب ماجستير إماراتي كان له دور فاعل في تلك الدراسة التي تكللت بالنجاح، وتحولت من مجرد دراسة إلى اختراع سيسجل حقوق ملكيته الفكرية قريبا بالتعاون مع لجنة أبوظبي لتطوير التكنولوجيا – برنامج تكامل.
غدير عبد المجيد (العين ) - يتألف الفريق البحثي الذي استخلص المضادات الحيوية الخاصة بالدواجن من نوى التمر من الدكتور أحمد حسين، أستاذ في تغذية الدواجن في كلية الأغذية والزراعة في جامعة الإمارات، والدكتور إبراهيم بلال، أستاذ مساعد في تغذية الأسماك في الكلية نفسها، والدكتور خالد الطرابيلي، أستاذ مساعد في كلية العلوم في الجامعة، وطالب الماجستير والباحث في علوم البيئة سالم اليليلي.
بدايات المشروع
يستهل الدكتور أحمد حسين، رئيس فريق البحث، حديثه بالخوض في بدايات المشروع البحثي، الذي حمل عنوان “استخلاص مضاد حيوي طبيعي من نوى التمر المعالج بنوع من الفطر”. ويقول “منذ قدومي إلى جامعة الإمارات للتدريس قبل ما يزيد عن 10 سنوات لاحظت وجود أعداد كبيرة جدا من أشجار النخيل في الدولة والاهتمام الكبير بإنتاج التمور واستهلاكها وتصديرها، فبدأت أفكر في طريقة أستطيع من خلالها أن أستفيد من نوى التمر والذي ينتج بكميات هائلة ويشكل 15% من محتوى حبة التمر الواحدة، وفي إمكانية استغلاله في تغذية الدواجن كبديل عن الذرة الصفراء التي تتغذى عليها وتكلف أموالا طائلة بعد استيرادها من الخارج”.ويضيف “بدأت بإجراء بحوثي على نوى التمر غير المعامل وهو النوى المطحون المباع في الأسواق، ووجدت أنه بمقارنته بالذرة الصفراء لا يعطي النتيجة المرجوة منه، فصرت أبحث مع زملائي في كيفية معالجته بالأحماض أو بالحرارة أو بالطهي، وخلصنا إلى أن هذه الطرق لم تجد نفعا، وتبين لنا أن استخدام نوى التمر المطحون الذي لم يخضع لأي معالجة كغذاء للدواجن يحتوي على الكثير من الألياف التي تسبب عسرا أو صعوبة في الهضم لدى الدواجن على خلاف الذرة الصفراء التي تعد سهلة الامتصاص، فكان لا بد من إيجاد طريقة لتحسين نوى التمر وجعل تأثيره على الدواجن كتأثير الذرة الصفراء”.
ويشير الدكتور حسين إلى أن زميله الدكتور إبراهيم بلال اقترح تخمير نوى التمر بالفطر، وإضافته إلى تغذية الأسماك، وبعد أن قام بتطبيق مقترحه وجد أن هناك استجابة للأسماك من حيث النمو فقط، وأن هذه الطريقة تضمن تكسير الألياف الموجودة في نوى التمور والتي تعيق بدورها عملية الهضم، الأمر الذي دفع حسين إلى استخدام الآلية نفسها في إعداد نوى التمر لتغذية الدواجن.
وفي السياق ذاته، يوضح “نجحت طريقة تخمير نوى التمر بالفطر التي اكتشفها زميلي في تغذية الدواجن، حيث كان هضم الدواجن لتلك النوى سهلا ولم يسبب لها أية مشاكل، وحققنا أول أهدافنا وهو استخدام نوى التمر كبديل جزئي للذرة الصفراء باهظة الثمن، وتوفير المال اللازم لاستيرادها باستخدام خامة متوافرة بكثرة وغير مكلفة، وفي هذه المرحلة أيضا أثناء قيامي بالإطلاع على البحوث المنشورة فكرت في استخدام نوى التمر المعالج بالفطر كمضاد حيوي طبيعي يستخدم لوقاية الدواجن من الأمراض، وعرضت الفكرة على زميلي الدكتور إبراهيم وأخذنا التفكير إلى مدى إمكانية استخدام نوى التمر كغذاء للدواجن وكمضاد حيوي طبيعي يستخدم لوقاية الدواجن من الأمراض، ويحسن من حالتها الصحية بحيث يكون بديلا عن المضادات الحيوية الكيميائية التي تعطى للدواجن بعد استيرادها من الخارج، وعلاوة على أنها مكلفة جدا فإن لها آثارا جانبية تتمثل في أنها تساعد في نمو أنواع من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، الأمر الذي جعل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة تحظر استخدام هذه المضادات ومن المحتمل حظرها في الولايات المتحدة قريبا، ما يؤكد الحاجة الماسة لوجود بديل يؤدي الغرض بدون أية آثار جانبية ممكنة على الدواجن أو حتى على المستهلك الذي سيتغذى عليها”.
آفاق جديدة
من هذه النقطة بدأ المشوار البحثي لدى طالب الماجستير والباحث في علوم البيئة سالم اليليلي مع فريق البحث، أي منذ بدأ الفريق يدرس إمكانية استخدام نوى التمر المعامل بالفطريات كغذاء للدواجن وكبديل طبيعي للمضادات الكيميائية، وعن سبب انضمام اليليلي لفريق البحث، يقول “بعد أن أنهيت دراسة البكالوريوس في علوم الكيمياء من جامعة الإمارات، اخترت أن أكمل الماجستير في علوم البيئة لأطبق ما تعلمته في علوم الكيمياء في تخصص آخر يفتح لي آفاقا وخبرات جديدة مثل علوم البيئة، وتعرفت على الدكتور حسين وأطلعني على الدراسة البحثية التي يقوم بها مع الأساتذة فأعجبت بها ورغبت أن أعمل معهم، وأن تكون أطروحتي في الماجستير تنصب في المشروع البحثي الذي توصلوا إليه وأبدأ معهم من حيث النقطة التي وصلوا إليها، بالإضافة إلى أنني شعرت أنه يمكنني أن أفيدهم في عملية تحليل التمر غير المعالج ومن ثم المعالج باستخدام تقنيات المختبرات في التحاليل الكيميائية والحيوية، وصار الدكتور حسين مشرفا على أطروحتي التي أكملتها وحصلت على درجة الماجستير فيها بتقدير امتياز”.
وحول طبيعة البحوث والتجارب التي قام بها مع فريق البحث من أجل استخلاص مضاد حيوي طبيعي معامل بالفطريات من نوى التمر، يقول اليليلي “أطلعني الدكتور أحمد على الخطوات السابقة للبحث، وزودني ببعض المقالات البحثية التي تتعلق باستخدام نوى التمر في تغذية الدواجن/الحيوانات، ومكونات النوى نفسه للتعرف عليه، وبعد الدراسة النظرية اتجهنا سوية نحو استخدام أدوات مختبرية بسيطة لتحضير نوى التمور، ووجدنا أنها غير فعالة نظرا للكميات الكبيرة من نوى التمر المعالج التي نحتاجها في تجربتنا في تغذية الدواجن الأمر الذي دعانا كفريق بحث إلى اختراع جهاز يعطينا الكمية المطلوبة، ويوفر هذا الجهاز البيئة المناسبة للفطريات للنمو والتكاثر على نوى التمر، ومن ثم تكسير المركبات الكيميائية الموجودة في النوى نفسه والمسؤولة عن إنتاج المضاد الحيوي الطبيعي المراد إنتاجه”.
اختبار الفكرة
بعد نجاح صناعة جهاز تحضير العينات المعالجة من نوى التمر، يوضح اليليلي “انتقل فريق البحث إلى إجراء تجارب عملية على عينة كبيرة من الدواجن الموجودة في مزرعة الجامعة في الفوعة، وقد قسمت عينة الدواجن إلى عينات متساوية غذيت كل منها بأعلاف دواجن محتوية على نسب متباينة من نوى التمر المعالج وغير المعالج وممزوجة بذرة صفراء وفول الصويا وأملاح معدنية وفيتامينات، وقورنت بعينات أخرى إحداها تناولت فيها الدواجن أعلافا عادية، وعينة أعطيت أعلاف دواجن عادية أيضا لكن أضيف لها مضاد حيوي كيميائي، وبملاحظة عملية النمو للعينات جميعها ظهر أنها نمت بشكل متقارب ما يدل على الأثر النافع لنوى التمر في التغذية وأنه من الممكن استبداله لجزء من الذرة الصفراء”.
ويلفت اليليلي إلى أنهم قاموا بعد ذلك بأخذ أجزاء من أجسام الدواجن وحللوها وقارنوا التأثير الصحي للمعاملات الغذائية على الدواجن من ناحية القضاء على البكتيريا الضارة في جسمها. وكانت المفاجأة لهم حينها اكتشاف التأثير الفعال لنوى التمر المعالج بالفطريات المضاف إلى أعلاف الدواجن في تثبيط نمو الميكروبات الضارة الموجودة في جسم الدواجن خصوصا بكتيريا السالمونيلا، وكمبوبلاكتير وشيجلا، واي كولاي في الدجاج اللاحم.
ويلخص النتائج حسين التي تم الوصول إليها، قائلا “تمكنا من استحداث جهاز جديد لإنتاج نوى التمور المعالجة، وإنتاج نوى تمور معالجة بكميات كبيرة وبأسعار زهيدة مقارنة بأسعار الذرة الصفراء المستوردة، وتمكنا من إنتاج مادة طبيعية تحل محل المضادات الكيميائية المستخدمة بشكل واسع في وقاية الدواجن من الأمراض والتي باستخدامها أيضا نحمي الإنسان من الآثار الجانبية التي قد يتعرض لها في حال تناوله لدواجن معاملة بمضادات حيوية كيميائية، عبر الاستفادة من منتج طبيعي ينتج بكثرة في دول الخليج والإمارات بوجه خاص ألا وهو نوى التمر والذي يعد منتجا جانبيا غير مستفاد منه بالصورة المرجوة، ما يسهم في حماية البيئة من مخلفات التمور والتي عجز الكثيرون عن إيجاد طريقة للتخلص منها، وتوفير آلاف الملايين من الدراهم التي تصرف سنويا لشراء المضادات الحيوية الكيميائية والذرة الصفراء، إلى جانب كسب ثقة المستهلك بالمنتج المحلي بعد إنتاج دواجن خالية من المضادات الحيوية الكيميائية”.
لا شك في أن فريق البحث مر بعدد من الصعوبات أثناء عملهم، إلى ذلك، يقول اليليلي “واجهنا صعوبات في ابتكار جهاز ينتج نوى تمور معالجة، وصعوبات في عدم وجود معامل متخصصة لإجراء التحاليل المطلوبة للبحث فاستعنا بمعامل داخل وخارج الجامعة، وواجهنا صعوبات في الحصول على المواد الخام لتركيب أعلاف الدواجن”.
المتابعات المستقبلية
حول المتابعات المستقبلية لهذا الاكتشاف، يؤكد الدكتور أحمد حسين، رئيس فريق البحث، أنهم سيقومون بالبحث في التأثير التفصيلي للمضادات الحيوية الطبيعية المنتجة من نوى التمر المعالج على الدواجن والأسماك ولاحقا على الإنسان، إلى جانب متابعة إجراءات تسجيل حقوق الملكية الفكرية في كل من وزارة الاقتصاد قطاع الملكية الفكرية في الإمارات ومكتب حقوق الملكية الفكرية في الولايات المتحدة، بالتعاون مع برنامج تكامل، الذي أطلقته لجنة أبوظبي لتطوير التكنولوجيا، بهدف زيادة عدد براءات الاختراع ودعم المخترعين في أبوظبي.
جريدة الاتحاد