10 – عدم المزايدة على كتاب الله :
فإن بعض الوعّاظ والدعاة يحملهم الإشفاق والغيرة على الدين على أن يزيدوا عليه ما ليس فيه ، فتجدهم إذا تكلموا عن معصية جعلوا عقابها أكثر مما جعله الله – عز وجل – حتى إن من يريد أن ينهى عن الدخان وعن شربه يقول مثلاً : ( يا عباد الله ، إن من شرب الدخان حرَّم الله عليه دخول الجنة ، وكان جزاؤه جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ) !!
هذا خطأ ، لأن هناك موازين في الشريعة .. هناك شرك يخرج من الملة . وهناك كبائر ، وهناك صغائر ، وهناك مباحات . قد جعل الله لكل شيء قدراً .
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى
فعلى الداعي ألاّ يهول على الناس في جانب العقاب ، كما عليه ألا يهول عليهم في جانب الحسنات كأن يستشهد بالحديث – وهو ضعيف – الذي يقول : ( صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك ) انظر الفوائد المجموعه في الأحاديث الموضوعه للشوكاني رقم 22 .. وحديث – وهو باطل - : ( من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بني له سبعين قصراً في الجنة ، في كل قصر سبعون حورية ، على كل حورية سبعون وصيفاً ، ويبقى في سبعين من صلاة العصر إلى صلاة المغرب ...)!
فالتهويل ليس بصحيح ، بل يكون الإنسان متزناً في عباراته ، ويعرف أنه يوقع عن رب العالمين ، وينقل عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم .
11 – عدم الاستدلال بالأحاديث الموضوعة :
على الداعية ألاّ يستدل بحديث موضوع إلا على سبيل البيان ، ويعلم أن السنة ممحصة ومنقاة ، وأنها معروضة ، ولذلك لما أوتي بالمصلوب – هذا المجرم الذي وضع أربعة آلاف حديث على محمد صلى الله عليه وسلم كذباً وزوراً – إلى هارون الرشيد ليقتله ، فسلَّ هارون الرشيد عليه السيف ، قال هذا المجرم : اقتلني أو لا تقتلني ، والله لقد وضعت على أمة محمد أربعة آلاف حديث !!
فقال هارون الرشيد : (( ما عليك يا عدو الله يتصدى لها الجهابذة يزيّفونها ، ويخرجونها كابن المبارك ، وأبي إسحاق المروزي )) . فما مرَّ ثلاثة أيام إلا نقاها عبدالله بن المبارك وأخرجها ، وبين أنها موضوعه جميعها .
فالأحاديث الموضوعة – ولله الحمد – مبيَّنه ، ونحذر الدعاة من أن يذكروا للناس حديثاً موضوعاُ ، ولو قالوا إنه في مصلحة الدعوة إلى الله ، فالمصلحة كل المصلحة فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحاً ، لا في الأحاديث الباطلة كحديث علقمة وما واجه مع أمه ، وحديث ثعلبة والزكاة ، وكأحاديث أُخر بواطل ، وأثرها على الأمة سقيم ، لكن يجوز للداعية أن يبين للناس في محاضرة أو درس أو خطبة الأحاديث الموضوعة حتى يتعرف الناس عليها .
أما الأحاديث الضعيفة فلها شروط ثلاثة للاستدلال بها :
§ الشرط الأول : ألا يكون ضعيفاً شديد الضعف .
§ الشرط الثاني : أن تكون القواعد الكلية في الشريعة تسانده وتؤيده .
§ الشرط الثالث : ألا يكون في الأحكام بل يكون في فضائل الأعمال .
وقد ذكر شيخ الأسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن الإمام أحمد أنه قال : (( إذا أتى الحلال والحرام تشددنا ، وإذا أتت الفضائل تساهلنا )) مجمع الفتاوى 18/65 ... وهذا كلام جيد ، ولو أنه غير مجمع عليه .
12 – عدم القدح في الهيئات والمؤسسات والجمعيات والجماعات بأسمائها :
ومما يجب على الداعية ألا يقدح في الهيئات ولا المؤسسات بذكر أسمائها ، وكذلك الجمعيات والجماعات وغيرها .. ولكن عليه أن يُبيّن المنهج الحق ، ويبين الباطل ، فيعرف صاحب الحق أنه محق ، ويعرف صاحب الباطل أنه مُخطئ ، لأنه إذا تعرض للشعوب جملة ، أو للقبائل بأسمائها أو للجمعيات ، أو للمؤسسات ، أو للشركات ، أتى الآلاف من هؤلاء فنفروا منه ، وما استجابوا له .. وتركوا دعوته ، وهذا خطأ .
وفي الأدب المفرد مما يُروى عنه صلى الله عليه وسلم : (( أن من أفرى الفِرَى أن يهجو الشاعر القبيلة بأسرها )) أخرجه البخاري في الأدب المفرد رقم 126 وهو صحيح ، أنظر الصحيحة للألباني 2/402 . وهذا خطأ ، فإن من يقول قبيلة كذا كلهم فسدة وفسقة مخطئ ! لأنه ما صدق في ذلك فالتعميم عرضة للخطأ .
· ولا بد للداعي أن يكون لبقاً في اختيار عباراته حتى يكسب القلوب ، ولا يُثير عليه الشعب ، فإن الناس يغضبون لقبائلهم ، ويغضبون لشعوبهم ، ويغضبون لشركاتهم ، ويغضبون لمؤسساتهم ، ويغضبون لجمعياتهم .. فلينتبه لهذا ، وعليه ألا يظهر بهالة المستعلي على جمهوره ، وعلى أصحابه وعلى أحبابه ، وعلى إخوانه ، وعلى المدعوين ، وكأن يقول – مثلاً - : أنا قلتُ ، وفعلتُ ، وكتبتُ ، وأرسلتُ ، وغضبتُ ، وألفت !
فإن (( أنا )) من الكلمات التي استخدمها إبليس .
يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (( وليحذر من طغيان كلمات : أنا ، ولي ، وعندي ، ف‘ن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلى بها إبليس وفرعون وقارون ، وقال إبليس : (( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ )) الأعراف .. وقال فرعون : (( أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ )) الزخرف .. وقال قارون : ((إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) القصص ..))
فاجتنب أنا ، واجتنب لي ، واجتنب عندي .. ولكن تصلح (( أنا )) في مثل : أنا مقصر ، كما قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :
أنا الفقير إلى ربّ البريات *** أنا المسكين في مجموع حالاتي
مدح أحد الناس ابن تيميه فقال :
أنا المكدي وابن المكدي *** وهكذا كان أبي وجدي !
فقال : أنا مذنب وأبي مذنب ! وجدي مذنب ! إلى آدم عليه السلام .
· فواجب على الداعية أن يظهر دائماً بالتواضع ، وأن يلتمس الستر من إخوانه ، وأن يبادلهم الشعور ، وأن يطلب منهم المشورة والاقتراح ، وأن يعلم أن فيهم من هو أعلم منه ، وأفصح منه ، وأصلح منه .
قال بعض السلف : (( الساكت ينتظر الأجر من الله ، والمتكلم ينتظر المقت ، فإن المتكلم خطيء ))