السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
قبل أن يرفع أبناؤنا الصليب!
هيا الرشيد
قد يجذبك هذا العنوان، وقد تستنكر كلماته، وقد تستعيذ بالله تعالى من فحواه، وقد يتبادر إلى ذهنك أنه عنوان للإثارة فقط؛ وفيه كثير من المبالغة، ولكن مهلاً فلا تتعجل الخبر،فقد يكون قد تم بالفعل بين أرجاء بيتك العامر وعلى غفلة منك ودون علمك،ستسأل:كيف يكون هذا بالضبط؟! إليك الطريقة من خلال خمسة أيام متواصلة في حياة فتىً مسلم لم يكمل الخامسة عشر من عمره بعد.
قصة الخمسة أيام:
اقتطع من مصروفه القليل يوماً بعد يوم، كان بين الحين والآخر يعد ثروته الصغيرة على حين غرة من والديه وأخوته، يحرص كل الحرص على إخفائها عن الأعين؛ وإلا تلقّى توبيخاً قاسياً من والده وتهديداً بتحويل المصروف القليل إلى الأقل، وبعد أيام طويلة، ومعاناة أطول مع الحرمان؛ أطلق صيحة نصر مفزعة، وقفز بفرحة غامرة وهو يردد: أخيراً اكتمل المبلغ، سأحصل عليها دون استجداء الآخرين،ستكون لي وحدي، سأواصل الليل بالنهار لأصل إلى النهاية...
ينتظر بفارغ الصبر أن تطلب منه والدته الذهاب لشراء أغراض من المحل المقابل، تقفز الفرحة من بين عينيه؛ فقد حانت اللحظة الحاسمة، لأن محل ألعاب الكومبيوتر على الجانب الآخر، يذهب بسرعة، دقائق سريعة لشراء أغراض والدته، ووقت طويل جداً في المحل الآخر، تقليب للأسطوانات المتنوعة، أصلي.. تقليد،لا يهم، فالمال الذي جمعه بالكاد يحصل من خلاله على تلك اللعبة في اسطوانة مقلدة، ولكن لا بأس،المهم أن ينهي اللعبة التي أنهاها كثير من زملاء المدرسة، والأكثر من أولاد الأقارب، وجدها، طلب تجريبها، دفع ثمنها وأخفاها بين ملابسه، عاد إلى البيت على عجل، ألقى بأغراض البيت أمام والدته وأسرع إلى حجرته، كان بينه وبين نفسه يشعر بالامتنان دوماً نحو خالته منذ أن فاجأته بـ(السوني تو) في الصيف الماضي، جلبته له من دولة مجاورة في إحدى رحلاتها، أصر أن تكون هديته خاصة به في حجرته، رفض مشاركة إخوته خوفاً من عبثهم بها، كان له ما أراد، فلننظر إلى النتيجة.
ابتدأ اللعبة منذ تلك اللحظة، كان من الصعب جداً أن يشارك أفراد أسرته طعامهم أو شرابهم، بضع لقيمات يبتلعها وهو واقف أمام طاولة المطبخ، ومن ثم يعود لمتابعة اللعبة، يشعر بالإرهاق الشديد ويغالبه النوم؛ فتنقذ مراحل لعبته القطعة المسماة بالذاكرة، ستحفظ لعبته وسيواصل في الغد، يصحو قبل الجميع ويواصل المراحل، تكاد الأم تجن من مكوثه المتواصل في حجرته، تستجدي الأب لمعالجة هذا الوضع الذي تأزم، وبعد مرور خمسة أيام يستشعر الأب الخطر، يطرق الباب بشدة وإذا بالابن يصرخ ويصيح بصوت هستيري: لقد وصلت، لقد انتهيت، ووالده يطرق الباب مرة أخرى، يفتح لهم وهو يقفز فرحاً، وقد بدا الذبول والنحول على وجهه، وعلامات إرهاق شديد تغالب فرحته، توجه والداه إلى الشاشة لمشاهدة ما تم إنجازه، وإذا بالنتيجة تصيبهم بصدمة شديدة، فقد وجدوا نتيجة لم تكن ضمن حساباتهم، قلعة كبيرة جداً، ارتفع فوقها عدد كبير من الصلبان، وقصاصات الورق الملون تنزل من السماء بكثافة إعلاناًً للنصر الكبير الذي أحرزه هذا الفتى المسلم؛ وهو رفعه لراية الصليب عالياً، وعبارة في الأسفل كتبت باللغة الإنجليزية بشكل ملون وجميل تقول له بكل امتنان: أنت فائز، لقد ربحت، لقد وصلت إلى الهدف.
نجيب على أصحاب هذه التقنية بأنه بالفعل قد وصل إلى الهدف، الهدف الذي سعوا هم لتحقيقه سنوات طويلة، حققوه من خلال فلذات الأكباد، ارتفع الصليب حقيقة في كثير من البيوت المسلمة، قد لا يكون ارتفاعه ملموساً في البيوت؛ ولكن رفع النشء له من خلال الألعاب الإلكترونية لها دلالات خطيرة؛ فقد تكون غفلتنا عن تفسيرها تعطيها شيئاً من البساطة، ولكن السبب الذي جعلهم يروجون لمثل هذه الألعاب والنتائج دون غيرها يعطينا دافعاً قوياً للبحث الجاد في الأسباب والملابسات ومن ثم النتائج، فالمجال واسع أمامهم لصنع ألعاب أخرى في أي شيء آخر، ولكنهم يريدون هذه اللعبة بالذات، ويريدون الوصول إلى هذه النتيجة تماماً، ويعملون على غرس مبادئ معينة في النفوس تسهم بشكل كبير في توصيل أفكارهم إلى أبنائنا بالرغم من كل شئ.
في الماضي القريب كانت المخاوف محصورة في السلوكيات التي ينتهجها الأطفال والمراهقين من جرَّاء إدمانهم ألعاب الكومبيوتر العنيفة؛ حيث كان الاعتقاد سائداً بأنها تؤثر بشكل سلبي مباشر على تعاملهم مع الآخرين في المدرسة والبيت، ويمكننا توقع حدوث مثل هذا الأمر مادام الأولاد من أطفال ومراهقين يمسكون بدفة الألعاب الإلكترونية لساعات طويلة يتلقون من خلالها شتى الطرق والأساليب التي تعلمهم الجريمة بأنواعها، وتزودهم أيضاً بروح عدائية يتشربون من خلالها العنف بكافة أشكاله،فماذا نتوقع من إنتاج تكنولوجي عفن يقوم عليه في الأساس عقول يهودية ونصرانية، تدعمها الصناعة الشيوعية في كثير من الأحيان، تعددت الاتجاهات والهدف واحد، كلهم معادون للأمة المسلمة، ويسعون إلى تحطيم النشء فيها، ولا أدل على ذلك من طريقة تصميم تلك الألعاب التي يفترض أن تُصاغ بشكل أكثر براءة، فإذا بها تلقى للنشء بدروس دقيقة في فنون القتل والسلب، ودهس المارة في الطرقات، وتعودهم على منظر الدماء وهي تسيل.
كانت المخاوف سابقاً من الأسلوب المتبع في تصميم الألعاب، والأفكار التي تطرحها، والأفكار التي يأخذها الأبناء منها، ولكننا الآن نوجه مخاوفنا نحو اتجاه آخر تماماً؛ حيث نشعر من خلال لعبة رفع الصليب أن الهدف لم يعد السلوك المعتاد للطفل أو المراهق؛ بل تغيَّر الهدف وانصب نحو زعزعة العقيدة بطريق غير مباشر، وزرع مفاهيم أخرى في هذه العقول الغضة البريئة على حين غرة من الأهل، فهل نتوقع من صنَّاع هذه الألعاب تصميم لعبة مشابهة لأطفالهم تكون نتيجتها رفع راية- لا إله إلا الله،محمد رسول الله-؛ الإجابة معروفة فهم بطبيعة الحال يكرسون جلَّ وقتهم لإبعاد أبنائنا عن راية التوحيد، ولن يكون لديهم استعداداً مطلقاً لتقويض دعائم البناء الإسلامي هنا وإنشائه هناك وبين أبنائهم، ولا ننسى الفكرة الأهم التي أصبحوا يروجون لها من خلال لعبهم وهي التصوير لأبطال الخطف والعنف بشكل يوحي بهوية مسلمة، وكأنهم يؤكدون للأجيال بشكل غير مباشر بالعلاقة بين الإسلام والعنف.
الألعاب الإلكترونية التي غزت أسواق المسلمين بأفكارها المنحلة تحتاج إلى وقفة صارمة من الجميع، ويجب أن تتكاتف الجهود للوقوف أمام غزوها لعقول أبنائنا؛ حيث إن المسؤولية منوطة بعدة جهات وليست جهة واحدة، ولنذكر الجهات على حسب تسلسل المسؤولية:
نتساءل بفزع: كيف غزت هذه الألعاب عالمنا الإسلامي؟ وأين المراقبة لأفكارها وما تحمله من مفاهيم؟ فمن المسؤول أساساً عن استيرادها؟ ومن المسؤول عن قبول دخولها الأسواق بهذا الشكل الكبير؟ ولنا أن نعلم أن هناك منظمات خارج العالم الإسلامي ترفع قضايا ضد الشركات المصنِّعة تصل أحياناً إلى تعويضات بملايين الدولارات، خاصة عندما يتضرر أبناؤها من أفكارها، وطريقة تصميمها.
دخلت الأسواق بطريقة ما، فأين الرقابة على أصحاب المحلات؟ يروجونالعنف، ويدعون لأفكار اليهود والنصارى، ويعودون النشء على مظاهر العري والانحلال، وما من رقيب ولا حسيب!
يأتي الدور الأهم وهو دور الأب الذي يجب عليه أن يكون متابعاً لما يشتريه ابنه؛ حيث يكون عوناً له -بعد الله- على الانتقاء بشكل يوفر له بعض المتعة، ويبعد عنه كثير من الشرور.
· هناك دور هام يقع على عاتق المربين الأفاضل من معلمين وموجهين؛ حيث إن لكلامهم تأثير قوي على الأبناء، خاصة عندما يتحدثون عن الأضرار التي يتعرض لها الطلاب من جراء البقاء ساعات طويلة أمام الكومبيوتر للعب، فهناك أضرار صحية، وأضرار أخرى أكثر أهمية وهي إضاعة أوقات ثمينة من حياة الإنسان المسلم، بالإضافة إلى تلقي كثير من الأفكار، ورؤية صور تؤثر على دين المرء دون أن يشعر.
· يبقى الدور الإعلامي في تبني هذه القضية؛ فقد يكون الآباء والمعلمون في غفلة عن المخاطر، ودور الإعلام هنا الحديث عنها لبيان الطريقة المناسبة للتعامل مع هذه المشكلة، والعمل الذي يجب أن يقوم به كل مسؤول حسب قدرته، وقد يكون للحديث عن الأثر السلبي الذي يعود على النشء من جراء هذه الألعاب هو الطريق الأمثل لإقناع الآباء والمعلمين بخطورة الوضع، وأهمية التصدي لهذه الظاهرة ..
منقول من منتدى ابن الإسلام..