الفتور الدعوي عند الشباب
الأسباب والحلول
الدعوة إلى الله اليوم واجب الأمة الإسلامية جمعاء، كل على حسب قدرته. والناظر في حال شباب الأمة يجد عزوفاً عن التصدي لتلك المهمة من قِبَل كثير من الشباب!
وحين نتلمس الأسباب التي أدت إلى ذلك، فإننا نجد أنها ترجع إلى أمور يمكن الإشارة إلى شيء منها:
1 - ضعف استشعار المسؤولية: والغفلة عن استحضار ذلك الواجب، فلا يشعر المرء بأنه مطالب بعينه بالنهوض بالأمة، ومداواة عللها،
وتضميد جراحها.
2 - اعتقاد بعضهم أن في الساحة من يكفي:
إذن فلا حاجة إليه.
3 - الاشتغال بالدنيا وملذاتها: من الأموال والبنين،
والمراكب والمساكن والمناصب.
4 - الانهزامية والشعور بالضعف أمام تيارات الفساد:وتطرُّق الإحباط إلى النفوس من جراء كثرة الشر والباطل وتفنن أهله في عرضه وترويجه، فوقع في بعض النفوس أن الأمر أكبر مما يمكن أن يقدمه، وأنه يتطلب جهوداً ليس هو من أهلها ولا من القادرين عليها. ووصل الحال بآخرين بعد بذل شيء من الأسباب إلى أن يقول بلسان الحال: إما أن تصلح الأوضاع، ويستقيم أمر الناس،
أو ننسحب من الميدان ونخلي المكان.
5- تصور بعضهم ضيق ميدان الدعوة:وأنه محصور في خطبة على منبر، أو محاضرة مرتجلة، أو كلمة أمام الجماهير، وهو غير قادر على شيء من ذلك، فينصرف عن الدعوة بالكلية.
6 - الصدمات التي قد يتعرض لها بعض العاملين في حقل الدعوة، والمضايقات: فربما كان ذلك سبباً في تطلب بعضهم للسلامة بزعمه، وقد وقع في العطب!!
7 - تقصير المنظِّرين والدعاة: في تحفيز الشباب نحو العمل الدعوي، وفتح الآفاق أمامهم للولوج إلى ميدان الدعوة الفسيح كل على حسب ما آتاه الله من علم ومقدرة وموهبة.
8 - دعوى بعضهم أن المشكلة ليس من أسبابها جهل الناس وحاجتهم إلى التعليم والدعوة والبيان:
بل إن الناس بزعمهم عاصون على بصيرة ومعاندون للحق؛ فما ثمرة السعي في تعليمهم ما يعلمون وتبصيرهم فيما لا يجهلون؟!
9 - ميل الكثيرين إلى الكسل والبطالة: أو كثرة الرحلات والمخالطات، وبعدهم عن الجدية في عموم أحوالهم وأمورهم؛ ومن ذلك أمر الدعوة إلى الله؛ فليس عند الواحد منهم استعداد لأن يناط به عمل، أو يتحمل مسؤولية؛ لا عجزاً، ولكن تهاوناً وكسلاً.
10 - اشتغال بعضهم بالجدل والمراء في بعض القضايا الفكرية: مما شغله عن الاهتمام بالنهوض بالأمة في أعمالها وسلوكها وأخلاقها.
11 - اشتغال بعضهم بالتنقيب عن عيوب الناس وخصوصاً العاملين في حقل الدعوة:
وربما لبَّس عليه الشيطان بأن هذا في سبيل الإصلاح وأنه قائم بأمر الدعوة.
12 - اشتغال بعضهم بالنظر في الواقع وتتبع ما يجري في الساحة والمبالغة في ذلك:
إلى حد الانهماك فيه، ثم يظن أنه بذلك قدم شيئاً للأمة بمجرد هذه المتابعة وحصوله على هذا الفقه. وهو بهذا قد لا يعدو أن يكون نسخة مما تحتفظ به أجهزة الإعلام من أخبار وتقريرات وتحليلات!!
13 - عدم التوازن والاعتدال لدى بعض الشباب في توزيع الحقوق والواجبات: كمن ينهمك في طلب العلم، أو في تربية النفس وتهذيبها، أو في جانب من جوانب الخير على حساب أبواب أخرى من الخير كالدعوة إلى الله سبحانه؛ حتى ربما اعتقد أنه إذا خرج عن هذا الأمر الذي رسمه لنفسه قد ضيع زمانه، وأهدر جهده فيما لا ينفع.
14 - تثبيط القاعدين وتحبيط المتقاعسين عن القيام بأمر الدعوة: فربما قاد ذلك بعض الضعفاء إلى التأثر بذلك الهذيان،
ومن ثمّ إخلاء الميدان.
15 - اشتراط بعض الشباب أن يكون في موقع معين في المشروع الدعوي:
فإن لم يتحقق له ذلك ترك المجال برمته.
العلاج:
بمعرفة الأسباب يتضح العلاج. وهناك بعض الأدوية التي تداوى بها تلك العلة منها:
1 - استشعار المسؤولية العظمى المناطة بكل مسلم تجاه دينه وأمته: وخصوصاً الشباب الصالح؛ فهو أجدر من يتصدى للنهوض بأمته، ورفع الجهل عنها، ومعالجة عللها وأدوائها. ويزيد من عظم الأمر أن واقع الأمة الإسلامية اليوم بحاجة ملحة إلى دعاة كثيرين بل إلى استنفار عامٍّ من قِبَل كل طالب علم، وصاحب غَيْرة ليؤدي دوره، وبخاصة أن الدعاة الموجودين اليوم لو اجتمعوا في بلد واحد لما سدوا الحاجة القائمة؛ فكيف مع قلتهم وتوزعهم؟!
ثم على فرض وجود من يكفي ألا يسر المرء أن يكون من جملة قافلة الدعاة،
وركاب سفينة النجاة؟
2 - معرفة حقارة الدنيا: وأن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها ميداناً للأعمال الصالحة،
والجهود المباركة التي تنفع المرء في آخرته. ومن ذلك العمل الدعوي ونفع الخلق بجميع صور النفع.
3 - الثقة بنصر الله واليقين بوعده: وأنه مهما تآمر العدو وتفنن في عرض باطله، فإنه مهزوم أمام قدرة الله وقهره، ولكن لا بد من الابتلاء والامتحان، قال تعالى:{ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ...[4] }[سورة محمد]
.
4 - إدراك اتساع ميادين الدعوة: والعمل لهذا الدين يتيح للجميع فرصة المشاركة، كل فيما يخصه وما أعطاه الله من مواهب وقدرات. ومن ذلك:
- النصيحة الفردية ملفوظة ومكتوبة.
- الكلمة القصيرة - المراسلة لهواة المراسلة.
- كتابة المقالات في الصحف والمجلات.
- التعقبات والردود على بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام الأخرى.
- المشاركة في الكلمات والندوات في الإذاعة والتلفاز.
- كتابة القصص الهادفة.
- تأسيس قناة تلفازية
، أو مجلة إسلامية أسبوعية، أو شهرية في شبكة 'الإنترنت' وعرض البرامج التربوية والعلمية، والمقالات الهادفة من خلال ذلك.
- توزيع الشريط النافع، والكتاب الهادف والمطويات،
والنشرات الجيدة.
- نظم الشعر في مناصرة الدعوة الإسلامية وقضايا المسلمين.
- الأعمال الإغاثية داخل البلاد وخارجها.
- معالجة قضايا الشباب ومشكلاتهم.
- تربية الشباب من خلال الحلقات القرآنية، ومكتبات المساجد،
ومجموعات الأحياء.
- الدراسة والتخطيط للبرامج الدعوية، ووضع الخطط للمشروعات الخيرية، واقتراح الأمور النافعة في حقل الدعوة التي يقوم بها غيره من القادرين الأكفاء.
وهذا الإدراك لاتساع ميادين الدعوة يقطع الطريق على كل معتذر، ويسد الباب أمام أي متنصل.
7 - فهم أن ابتلاء أصحاب الدعوات سنة ماضية: ولا بد من توطين النفس على ذلك { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[17]}[سورة لقمان]. وكثير من ميادين الدعوة ومجالات العمل الإسلامي الأصل فيه السلامة وعدم التعرض للفتنة.
8 - التفاؤل في الأعمال الدعوية مطلب:
وهو حافز للعمل ودافع إليه؛ لأنك مطالب ببذل الأسباب، والنتيجة أمرها إلى رب الأرباب، وليس بالضرورة أن يرى المرء ثمرة دعوته، وربما كان الغرس على يده وجني الثمار على يد غيره.
9 - واجب على من ولاَّهم الله أمر تعليم الأمة وتوجيهها: فعلى العلماء والدعاة أن يوجهوا الشباب إلى الانخراط في مجال العمل الإسلامي، وأن يحفزوهم إلى ذلك، ويفتحوا لهم الآفاق الدعوية التي يمكنهم العمل من خلالها.
10 - لا بد من معرفة أن الناس يجهلون الكثير الكثير من أمور دينهم: ولا سيما في المناطق النائية؛ فواجب على كل من يحمل علماً ولو قليلاً أن يقوم بوظيفة البلاغ؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً] رواه البخاري [رقم 3461].
ثم إنه ليس المقصود بالدعوة التعليم فحسب، بل الناس بحاجة إلى تذكيرهم بما يعلمون وهم عنه غافلون، والله تعالى يقول:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[55]}[سورة الذاريات]
. وما أكثر ما يقع فيه الناس من المخالفات والأخطاء؛ فإذا ذُكّروا بالله تذكروا فإذا هم مبصرون.
11 - الجدية وعلو الهمة مطلب في حياة الشاب الملتزم: فلا بد من البعد عن مظاهر الكسل والإخلاد إلى الراحة، بل المبادرة بملء الوقت بمعالي الأمور من علم وعمل ودعوة، مع إجمام النفس الفينة بعد الأخرى.
12- إدراك أن الاشتغال بالجدل والمراء مما يورث قسوة القلب والضغائن بين الناس: ويصد عما ينفع العبد وينفع أمته، فليبتعد المرء عن المراء والجدال، وليشتغل بنشر الخير وتأليف القلوب على الحق.
13 - التنقيب عن عيوب الأنام سمة اللئام:
وتزداد قبحاً حينما يصورها الشيطان بأنها من مناصرة الحق ، فيصد العبد بذلك عن نشر الخير وإيصاله إلى الناس بتتبع عثراتهم وإبراز عيوبهم، خصوصاً القائمين بالحق منهم؛ فعلى من كانت هذه سمته أن يتقي الله ويشتغل بعيبه عن عيوب الناس، ويمحض الناس النصح والتوجيه، ويجتهد في إيصال الخير إليهم بكل طريق.
14 - معرفة الواقع والاطلاع عليه وسيلة وليس غاية في نفسه:
فإن لم يكن اطلاعك عليه طريقاً إلى القيام بالمسؤولية تجاهه وبذل الأسباب في معالجته فلا تعدو أن تكون أقمت الحجة على نفسك، فاستثمر ذلك في القيام بما يجب عليك نحوه حسب استطاعتك.
15- التوازن مطلب شرعي: فلا يكن اشتغالك بجانب من جوانب الخير سبباً في اشتغالك عن جوانب أخرى ربما كانت واجبة كالدعوة إلى الله تعالى. وليست العبرة في ذلك بالميول القلبية ، فالشرع هو الميزان في ترتيب الأولويات، وتوزيع الواجبات.
16 - مجانبة المتقاعسين والبعد عن مخالطة القاعدين.
17 - الإخلاص أعظم الحوافز نحو العمل الدعوي ونفع الخلق: كما أنه سبب من أسباب الثبات على الطريق مهما حصل من إخفاقات. كما أن الإخلاص من عوامل الاستمرار في الدعوة؛ لأن المخلص لا يزال يؤمل صلاحهم، كما أنه يرجو الثواب في استمراره في دعوتهم، فلا يضيره إعراضهم.
وكذلك فإن الإخلاص يجعل المرء يرضى بما يناط به من عمل في أي مشروع خيري أو دعوي؛ فهو لا يشترط منصباً، أو مكاناً معيناً؛ لأن همَّ المخلص أن يقدم خيراً لأمته في أي موقع كان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : '[طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ]
فهمُّه الجهاد ونصرة هذا الدين.
18- علم المرء بفضائل وثمرات الدعوة إلى الله من أعظم ما يدفعه نحو الاشتغال بذلك: ومن ذلك قوله تعالى:{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ[33]}[سورة فصلت]. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ]رواه مسلم[رقم 1893]. فكم يكون لك من الأجر إذا كانت الأعداد الكبيرة من الناس تعمل على ضوء ما أرشدتهم إليه! وكم من الأجر يلحقك من آثار ذلك حتى وأنت مفارق للدنيا في قبرك!
نسأل الله أن يجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر بمنه وكرمه. وصلِّ اللهم على الهادي البشير وعلى آله وأصحابه أجمعين.
د/ عبدالله الجعيثن